(الصفحة 497)
إلى مانعية وجود ذلك الشيء ، وأنّ ترتب الأثر المقصود على المأتي به مشروط بكونه فاقداً له ، لكونه مانعاً عن حصول الأثر المترقّب .
وكذلك النواهي المتعلّقة بالمعاملات ، فإنّ الظاهر كونها إرشاداً إلى فسادها ، وعدم ترتب الأثر المقصود عليها ، هذا في باب الواجبات .
وأمّا المستحبات فهل الأمر الاستحبابي المتعلّق بإتيان فعل في ضمن مستحب آخر ، أو بإتيان المستحب على نحو خاص ، وكيفية خاصة يتبادر منه عند العرف ذلك ، أي كونه إرشاداً إلى اعتبار ذلك الشيء في المستحب ، بمعنى عدم تحققه بدونه ، أو أنّ ذلك يختصّ بالواجبات والمستحبات ، يكون الأمر الثاني فيها كالأمر الأوّل مولوياً؟ فيه وجهان .
وعلى فرض كونه كالأمر الأوّل مولوياً يقع الكلام حينئذ في أنّه هل يجب حمل المطلق على المقيد ، أو أنّ ذلك مشروط بإحراز وحدة الحكم من وحدة السبب أو من الخارج؟
وبالجملة: فالكلام في وجوب الحمل وعدمه إنّما هو بعد الفراغ عن كون الأمرين متماثلين من حيث المولويّة ، وإلاّ فلو كان الأمر الثاني أمراً إرشادياً ، لا مجال لهذا النزاع أصلا .
هذا ، والظاهر أنّ المتبادر من الأمر الثاني في المستحبات أيضاً هو الإرشاد إلى اعتبار متعلّقه في تحقّق المأمور به بالأمر الأوّل ، وحينئذ فاللاّزم القول باعتبار القيام ، والاستقرار ، والكون على الأرض ، في صحة الإقامة ، وفاقاً للمفيد وجماعة(1) ، وحيث إنّ الشهرة بين القدماء من الأصحاب رضوان الله عليهم على
- (1) المقنعة: 98 ـ 99; النهاية : 66; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 30; المهذّب 1: 91; المنتهى 1: 258; الحدائق 7: 340.
(الصفحة 498)
خلاف ذلك(1) ، حيث إنّ المشهور مجرّد استحباب هذه الاُمور ، لا كونها معتبرة في الصحة ، مع أنّ تلك الأخبار المذكورة كانت بمرآى ومسمع منهم ، فيشكل ما ذكرنا .
مضافاً إلى ما نعلم ، من أنّ الجوامع الأربعة التي بأيدينا ، لا تكون جامعة لجميع الأخبار المأثورة عن الأئمة(عليهم السلام) ، بل كان بعض الأخبار موجوداً في الجوامع الأولية ، ولم يكن منقولا في الجوامع الأربعة الثانوية ، والقرائن على ذلك كثيرة ، كاختلاف هذه الجوامع التي بأيدينا ، أفكلّ منها فاقد لبعض ما يوجد في الآخر ، وغير ذلك من القرائن التي لا يناسب ذكرها في هذا المقام .
وحينئذ فلا يبعد الأخذ بمقتضى فتوى المشهور لما ذكر ، مضافاً إلى أنّه يمكن أن يستفاد ذلك من بعض الأخبار المتقدمة ، حيث إنّه قد استثني فيه من حكم الإقامة المشي إلى الصلاة ، ومضافاً إلى التعليل الوارد في أكثرها ، من أنّ المقيم كأنّه في الصلاة ، فإنّه يناسب الحكم باستحباب أن تكون الإقامة مع ما يعتبر في الصلاة من قيام ، واستقرار ، وغيرهما ، لا أن يكون ذلك شرطاً فيها . هذا ، ولكن رعاية الحزم والاحتياط توجب عدم ترك شيء من هذه الاُمور .
خامسها : الطهارة من الحدث ، ومقتضى الأخبار الواردة في هذا الباب التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبارها في الثاني دون الأول ، وقد جمعها في الوسائل في الباب التاسع من أبواب الأذان والإقامة فراجع . والكلام في هذا الأمر عين الكلام في باب القيام .
سادسها : الاستقبال ، ومقتضى الأخبار جواز الأذان بل الإقامة إلى غير القبلة ، إذا كان التشهد إلى القبلة ، ويمكن استفادة اعتبار الاستقبال في الإقامة من
- (1) المقنع: 91; المبسوط 1: 95; المراسم: 68; الوسيلة: 92; الكافي في الفقه: 120 ـ 121; السرائر 1: 211.
(الصفحة 499)
رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، المتقدمة في الأمر الرابع . وكيف كان فلو دلّ الدليل على التفصيل بين الأذان والإقامة باعتبار الاستقبال في الثاني دون الأوّل ، فالكلام فيه حينئذ نظير الكلام في باب القيام .
ثمّ إنّه لو قلنا باعتبار تلك الاُمور في صحة الإقامة ، أو قلنا باستحبابها فيها ، فهل يستفاد من الأخبار المتقدمة الدالة على الشرطية أو الاستحباب التعميم بالنسبة إلى كل ما يعتبر في الصلاة وجوداً أو عدماً ، فيعتبر أو يستحب جميعها في الإقامة ، مثل قصد القربة أو عدم الالتفات ، بحيث يرى خلفه من زواية عينه ، وغير ذلك من الأمور المعتبرة في الصلاة وجوداً أو عدماً؟ وجهان :
من استفاده التعميم من التعليل في أكثر الأخبار المتقدمة; بأنّ المقيم كأنّه في الصلاة; ولذا نهي في بعضها عن الايماء باليد في الاقامة ، ومن عدم الدليل على جواز التعدّي عن تلك الأمور .
موارد سقوط الأذان والإقامة
هنا مسائل
المسألة الاُولى : يسقط الأذان خاصّة في موارد :
الأوّل : في الجمع بين الظهرين في يوم عرفه ، فإنّه يسقط الأذان بالنسبة إلى صلاة العصر .
الثاني : في الجمع بين العشائين بمزدلفة بالنسبة إلى العشاء ، ويدل عليهما
(الصفحة 500)
الأخبار الكثيرة :
منها : ما رواه الشيخ عن ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «السنّة في الأذان يوم عرفة أن يؤذّن ويقيم للظهر، ثمّ يصلّي ثمّ يقوم فيقيم للعصر بغير أذان، وكذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة»(1) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن عمر بن اُذينة، عن رهط، منهم: الفضيل وزرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) : «إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» . وروى الصدوق مرسلا مثله ، إلاّ أنّه قال : «بين الظهر والعصر بعرفة» ثمّ قال : «بين المغرب والعشاء بجمع»(2) .
وغير ذلك من الأخبار الكثيرة التي نقلها في الوسائل في بعض أبواب المواقيت(3) وصلاة الجمعة(4) والحج(5) ، فراجع .
الثالث : في العصر من يوم الجمعة ، ولم نظفر برواية دالّة على هذا الحكم بخصوصه ، وإنّما أفتى به الأصحاب(6) ، نعم يستكشف منه وجود نصّ على ذلك كان منقولا في الجوامع الأولية ، والاستدلال على ذلك بما ورد في بعض الروايات ، من أنّ أذان الثالث يوم الجمعة بدعة(7) لا يخلو من النظر بل المنع ، لعدم الدليل على كون المراد بأذان الثالث أذان العصر .
الرابع : في موارد قضاء الصلوات ، فإنّه يسقط الأذان فيها بالنسبة إلى ما عدا
- (1) التهذيب 2 : 282 ح1122; الوسائل 5 : 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح1.
- (2) التهذيب 3: 18 ح66; الفقيه 1: 186 ح885; الوسائل 5: 445. أبواب الأذان والإقامة ب36 ح2 و3.
- (3) الوسائل 4: 218 ـ 225. أبواب المواقيت ب31 و32 و34 .
- (4) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49.
- (5) الوسائل 14: 14. أبواب الوقوف بالمشعر ب6 .
- (6) المبسوط 1: 151; النهاية: 107; السرائر 1: 305; الغنية: 91; جواهر الكلام 9 : 30; مفتاح الكرامة 2 : 260 .
- (7) الوسائل 7: 400. أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب49.
(الصفحة 501)
الصلاة الاُولى ، ويدل عليه ما رواه في الكافي عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «إذا كان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ثمّ صلِّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة»(1) .
وما رواه فيه أيضاً عن موسى بن عيسى قال : كتبت إليه : رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها بأذان وإقامة؟ فكتب(عليه السلام) : «يعيدها باقامة»(2) وغيرهما ممّا يدل عليه من الأخبار ، ولا يخفى أنّ سقوط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية في جميع الموارد المتقدمة ليس لخصوصية فيها ، بل السقوط إنّما هو من ناحية الجمع بين الصلاتين ، فلو جمع بينهما في غير تلك الموارد يسقط الأذان بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً ، كما أنّه ربما يوافقه الاعتبار ، لما عرفت من أنّ حقيقة الأذان إنّما هو النداء إلى إقامة الصلاة ليجتمع الناس في المسجد ، وفي موارد الجمع يكون الناس مجتمعين فيه ، فلا حاجة إلى النداء .
نعم لا تسقط الإقامة ، لكونها لتنبيه الحاضرين كما تقدّم . هذا ، مضافاً إلى أنّ رواية الفضيل وزرارة المتقدمة ، لا اختصاص لها بالجمع في يوم عرفة ، أو بمزدلفة ، بل يستفاد منها الاطلاق .
لا يقال : إنّ مدلولها حكاية فعل النبي(صلى الله عليه وآله) ، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له كالقول، فلعلّ النبي(صلى الله عليه وآله) كان يجمع بين الظهرين في يوم عرفة بأذان وإقامتين ، وبين العشائين بمزدلفة كذلك .
لأنّا نقول : لا نسلم عدم الاطلاق فيما لو كان الحاكي هو الامام(عليه السلام)، وكان المقصود من حكايته بيان الحكم ، فإنّه(عليه السلام) لو لم يأخذ في مقام بيان الحكاية قيداً ليستفاد منه الإطلاق .
- (1) الكافي : 3 / 291 ح1; التهذيب : 3 : 158 ح340 ; الوسائل : 5/ 446. أبواب الاذان والاقامة ب37 ح1 .
- (2) التهذيب 2: 282 ح1124; الوسائل 5: 446. أبواب الأذان والإقامة ب37 ح2.