(الصفحة 98)
ثالثها : وجوب الإتيان بالظهر قضاء ، لخروج وقت الظهر حينئذ أخذاً بإطلاق الأدلّة التي تدلّ على اختصاص الآخر بالعصر ، ومنع دعوى الانصراف إلى صورة عدم الإتيان بها ، وحينئذ فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً ، بل يجب فوراً بناء على المضايقة في قضاء الفوائت .
رابعها : عدم وجوب إعادة العصر ، وعدم جواز الإتيان بالظهر في ذلك الوقت لا أداءً ، ولا قضاءً ، واختار هذا الوجه صاحب الجواهر(1) مستنداً في ذلك إلى ما زعم من معنى الاختصاص ، من أنّ المراد به عدم جواز الشريكة لا أداءً ولا قضاءً .
وفي المسألة وجه خامس منقول عن الشهيد(2) ، حيث يقول بتعارض وقتي الصلاتين . هذا ويرد على الوجه الأوّل ، أنّ ما ذكره بأنّ للظهر وقتين اختصاصيين ، فهو ممّا لم يدلّ عليه دليل ، لأنّ العمدة في هذا الباب هي رواية ابن فرقد ، وهي لا تدلّ إلاّ على اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الزوال بالظهر فقط ، بل يمكن أن يستفاد منها خلاف ذلك ، لأنّ ظاهرها اشتراكهما في الوقت بعد مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت إلى أن يبقى إلى الغروب هذا المقدار ، وأمّا ما ذكره من عدم جريان حديث «لا تعاد» في المقام فممنوع ، لأنّه لم يقدم العصر عمداً بل إنّما عمل بظنّه الذي انكشف خلافه ، ويأتي ذلك في محلّه إن شاء الله تعالى .
وأمّا الوجه الرابع : ففيه ما عرفت من أنّه ليس لنا في المقام لفظ الاختصاص ، ولم يقع ذلك في رواية حتّى يفسّر بما ذكر ، بل إنّما حدث هذا اللفظ ، وشاع في ألسنة الفقهاء ، وليس مرادهم بذلك إلاّ ما تدلّ عليه رواية ابن فرقد ، من عدم دخول وقت العصر قبل مضيّ مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت ، وخروج وقت الظهر إذا
- (1) جواهر الكلام 7 : 93 .
- (2) الدروس الشرعية 1 : 138 .
(الصفحة 99)
بقي من آخر الوقت مقدار أربع ركعات ، ولازم ذلك أنّه إذا وقعت الظهر قبل الغروب في ذلك الوقت ، وقعت قضاء ، كما أنّ العصر لو وقعت بتمامها في الوقت الاختصاصي للظهر لوقعت قبل الوقت ، كوقوع الظهر قبل الزوال ، وليس معنى الاختصاص بطلان صلاة القضاء أيضاً في الوقت المختصّ كما عرفت .
وأمّا الوجه الخامس : فهو يشبه قول العامة ، من أن كلاًّ من الظهر والعصر قد يكون ضيقاً للآخر ، كما إذا أتى بالظهر بعد المثل ، أو بالعصر قبله ، وعلى ذلك حملوا ما ورد من أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) جمع بين الظهرين من غير خوف ولا علّة(1) . وحينئذ فيدور الأمر بين الوجه الثاني والثالث ، فإن ثبت الانصراف فالأقوى هو الثاني ، وإن لم يثبت ذلك ، بل قلنا إنّ اطلاق الأدلّة شامل لما إذا أتى بالعصر أيضاً ، فيجوز الإتيان بالظهر قضاءً بل يتعيّن بناء على المضايقة ، وهذا الوجه لا يخلو من قوّة ، لعدم ثبوت الانصراف ، وإن كان الأحوط الاتيان بالظهر بقصد ما في الذمّة من غير نيّة الأداء ولا القضاء فتدبّر .
ثمّ إنّه ظهر من جميع ما ذكرنا أنّه يجب الإتيان بالصلاتين معاً إذا بقي إلى الغروب مقدار إتيان خمس ركعات أو أزيد ، فإنّ وقت الظهر حينئذ باق ولو بمقدار ركعة ، فيشملها عموم قوله من أدرك(2) . هذا ومن عبّر في المسألة بلفظ الاختصاص وفسّره بعدم صحّة الشريكة ، ذكر في وجه صحّة صلاة الظهر في مفروض المسألة ، أنّ المراد بعدم صحّة الشريكة عدم صحّتها ، إذا وقعت بتمامها في الوقت المختص بالاُخرى ، وأمّا إذا وقعت ببعضها فيه فلا يكون ذلك منافياً للاختصاص ، وأمّا نحن فلا نحتاج إلى هذا الكلام بل نقول :
إنّه لو فرض في المقام وجود لفظ الاختصاص لوجب الأخذ بظاهره ، والحكم
- (1) المعجم الكبير للطبراني 12 : 68 ح12558 و ص92 ح12644; الموطّأ : 91 ح4 .
- (2) الذكرى 2 : 352 ; الوسائل 4 : 218 . أبواب المواقيت ب30 ح4 و 5 .
(الصفحة 100)
ببطلان الغير ، خصوصاً بالنسبة إلى العصر في مفروض المسألة ، فإنّها تشمل جميع الوقت المختصّ بالمغرب كما لا يخفى . وما ذكرناه في الظهرين يجري في العشائين أيضاً ، فإنّه إذا أدرك من آخر النصف الأوّل من الليل مقدار خمس ركعات ، يجب عليه تقديم المغرب ، وإن كانت الركعتان منها واقعة في خارج الوقت ; لما عرفت من أنّ معنى الاختصاص ليس إلاّ خروج وقتها بذلك ، لا عدم صحّتها في الوقت المختص بالعشاء أصلا كما لا يخفى .
(الصفحة 101)
قاعدة «من أدرك»
وحيث انتهى الكلام في هذا المقام ، إلى ذكر قاعدة من أدرك ، لا بأس للتعرّض لها سنداً ودلالة :
هذه القاعدة ممّا اتّفقت عليه العامّة والخاصّة ، ولم يظهر منهم مخالف إلاّ نادراً .
ورواها أصحاب الصّحاح في جوامعهم ، فروى البخاري عن أبي هريرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر»(1) .
وروى أبو داود في سننه عن ابن طاووس ، عن ابن عباس عن أبي هريرة مثله(2) .
وروى أيضاً ابن ماجة القزويني عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي(صلى الله عليه وآله) مثله(3) .
وروى أيضاً أبو هريرة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّه قال : «من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة»(4) .
هذه مجموع ما ورد من طرق العامّة ، وأنت خبير بأنّه ليس فيها رواية عامّة
- (1) صحيح البخاري 1 : 163 ح579 .
- (2) سنن أبي داود 1 : 112 ح412 .
- (3) سنن ابن ماجة 1 : 229 ح699 و 700 .
- (4) صحيح البخاري 1 : 163 ح579 و 580 .
(الصفحة 102)
شاملة للصلوات الخمس ، عدى الرواية الأخيرة المروية عن أبي هريرة . ولكن يحتمل أن لاتكون مرتبطة بباب الوقت، بل كان المقصودبهاصلاة الجماعة ، كما لايخفى.
وأمّا ما ورد من طرق الإمامية فثلاث روايات :
منها : ما رواه أصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قال : «من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامّة»(1) .
ومنها : رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «فإن صلّى ركعة من الغداة ثمّ طلعت الشمس فليتمّ وقد جازت صلاته»(2) .
ومنها : ما رواه أيضاً عن أبي عبدالله(عليه السلام) وهي مثلها إلاّ أنّه زاد فيها «وإن طلعت الشمس قبل أن يصلّي ركعة فليقطع الصّلاة، ولايصلّي حتّى تطلع الشمس»(3).
هذا وبقي في المقام خبر آخر ، رواه المحقّق في المعتبر مرسلا ، وهو قوله(عليه السلام) : «من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت»(4) .
وبالجملة : فاشتهار هذه الأخبار يغني عن البحث في سندها والخدشة فيها بإرسال أو ضعف أو غيرهما كما هو دأب المتأخرين ، فلا مجال للإشكال في هذه القاعدة من حيث السند .
وأمّا من حيث الدلالة ، فقد يقال : بأنّ الرواية المشتملة على بيان هذه القاعدة غير ناظرة إلى حيثية الأدائية ، وأنّ الصلاة التي وقعت ركعة منها في الوقت هل تكون أداءً أو قضاءً ، بل غايتها الدلالة على صحة الصلاة في هذه الصورة وعدم وجوب إعادتها . ولكن لا يخفى ضعف هذا القول ، فإنّ ظاهر الرواية أنّ من أدرك
- (1) التهذيب 2 : 38 و 262 ح119 ; الاستبصار 1 : 275 ح999 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح2 .
- (2) التهذيب 2 : 38 ح120 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح1 .
- (3) التهذيب 2 : 262 ح1044 ; الوسائل 4 : 217 . أبواب المواقيت ب30 ح3 .
- (4) المعتبر 2 : 47 .