(الصفحة 101)
السجود جابراً لها مدفوعة بأنّها خالية عن الدليل بل لا يتجاوز عن الاحتمال ـ وإمّا لبطلان السابقة المترتّب عليه بطلانها ، إلاّ أنه باعتبار أدلّة العدول الدالّة على جواز العدول من اللاحقة إلى السابقة مع عد إحراز الإتيان بها صحيحة ، ينسد باب البطلان ، وبه يتحقّق العلم باتيان الظهر صحيحة ، إمّا لخلّو الصلاة الاُولى عن الزيادة وإمّا لخلوّ المعدول عنه عنها .
فانقدح من ذلك الخلل في الوجه الثاني أيضاً الذي مرجعه إلى انحلال العلم الإجمالي إلى التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ ، وذلك لانّ العلم التفصيلي متفرّع على عدم العدول ، ومع إمكانه وجوازه لا يبقى له مجال أصلا .
فالحقّ ما اختاره في العروة من العدول والاتمام ثمّ سجود السهو .
ويمكن أن يقال بعدم الإحتياج إلى سجود السهو(1) ، وذلك من أنّ زيادة الركعة غير محتملة في صلاة الظهر الواقعية منهما ، لأنه بعد العدول والإتمام ظهراً يحصل له اليقين بالإتيان بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، فلا حاجة إلى سجود السهو .
ثمّ إنّه ربما يمكن أن يقال : إنّ العدول بالنحو المذكور وإن كان موجباً لحصول اليقين بظهر صحيحة خالية عن الزيادة ، إلاّ أنه لا دليل على لزومه وتعيّنه ، فيمكن أن يكون مخيّراً بينه وبين عدم العدول الموجب للعلم التفصيلي ببطلان العصر والشكّ البدوي بالنسبة إلى الظهر ، وهو مجرى قاعدة الفراغ .
وبعبارة اُخرى كان مخيّراً بين تحصيل العلم بفراغ الذمّة عن الظهر بسبب العدول وبين احراز صحتها بقاعدة الفراغ الجارية فيها بعد إنحلال العلم الإجمالي ،
- (1) راجع ما أفاده سيّدنا العلامة الاستاذ (مدّ ظلّه) في حاشية العروة: 71 . «المقرّر»
(الصفحة 102)
نعم يقع الكلام في جهة اُخرى ، وهي أنه عند دوران الأمر بين العلم باتيان الواقع وبين إحرازه باصل أو أمارة هل يكون الترجيح مع الأول أم لا وللتكلّم في هذه الجهة مقام آخر .
الرابعة عشر:
إذا علم بعد الفراغ من الصلاة أنه ترك سجدتين ، ولكن لم يدر أنّهما من ركعة واحدة كي يكون تاركاً للركن فيجب عليه الإعادة والاستئناف ، أو من ركعتين حتّى لا يجب عليه إلاّ القضاء وسجود السهو . قال في العروة : وجب عليه الإعادة ، ولكن الأحوط قضاء السجدة مرّتين ، وكذا سجود السهو مرّتين أوّلا ثمّ الإعادة(1) .
وحكى عن الشيخ في المبسوط وجماعة ، القول بوجوب الإعادة(2) ولو علم أنّهما كانتا من ركعتين ولكن لم يدر الركعتين ، وأنّهما هل هما الركعتان الاُوليان أو الأخيرتان ، وذلك لأنّه لم تسلّم الاُوليان يقيناً مع أنّ سلامتهما معتبرة بمقتضى النصوص ، ولكن هذا مبنيّ على ما ذهب إليه من اعتبار سلامة الأوّلتين مطلقاً .
وقد تقدّم أنّ الأظهر أنه لا فرق بين الاُوليين وغيرهما في شيء من الأحكام إلاّ في خصوص السهو المساوق للشكّ والترديد المتعلّق بخصوص عدد الركعات .
وقال المحقّق في الشرائع في هذا المقام : إنّه لو ترك سجدتين ولم يدر أنّهما من ركعة أو ركعتين رجحنا جانب الإحتياط(3) .
والظاهر بحسب بادئ النظر أنّ مراده من الإحتياط الذي رجّح جانبه هو
- (1) العروة الوثقى 1: 692 ، المسألة الرابعة عشر .
- (2) المبسوط 1: 120 ـ 121; المعتبر 2: 379; تذكرة الفقهاء 3: 307; مسالك الأفهام 1: 288; مستند الشيعة 7 : 94; جواهر الكلام 12: 273 .
- (3) شرائع الإسلام 1: 105 .
(الصفحة 103)
الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين ، ولكنّ الذي يقتضيه التأمّل ـ كما حكي أنه قد يلوح من كلام بعض ـ أنّ مراده منه هو خصوص الإعادة لا الجمع ، وذلك لأنّ وجوب القضاء وسجود السهو وعدم وجوبهما ليس في عرض صحة الصلاة وبطلانها بل في طولها ، ضرورة أنّ الوجوب متفرع على الصحّة ، وقد استوجه ذلك صاحب المصباح واستدلّ عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف بقضاء السجدتين ثمّ قال : ولا يعارضه أصالة براءة ذمّته عن التكليف بالاعادة ، لأنها من آثار بقاء الأمر الأول وعدم حصول امتثاله ، وهو موافق للأصل ، فعلمه الإجمالي بأنّ عليه إمّا قضاء السجدتين أو الإعادة غير موجب للاحتياط بعد أن كان مقتضى الأصل في أحد طرفيه الاشتغال وفي الآخر البراءة فليتأمّل ، انتهى(1) .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال في المسألة: بوجوب الجمع بين الإعادة وقضاء السجدتين وسجود السهو مرّتين ، نظراً إلى أنه مقتضى العلم الإجمالي ، بأنّ صلاته إمّا باطلة أو أنه يجب عليه قضاء المنسي . ويمكن أن يقال: بأنّ مرجع الشكّ في أنّ السجدتين هل كانتا من ركعة أو ركعتين إلى الشكّ في صحة الصلاة وبطلانها؟ .
والشك في الصحة والبطلان إذا كان حادثاً بعد التسليم ، يكون مجرى قاعدة الفراغ الحاكمة بالصحّة . وعدم لزوم الإعادة ، فمقتضى قاعدة الفراغ عدم وجوب الاستئناف ، وأمّا وجوب القضاء وسجود السهو ، فهو منفيّ بأصالة براءة الذمّة عنه للشكّ في تحقّق موجبه .
ودعوى مخالفته للعلم الإجمالي بأحد التكليفين وهو منجّز كالعلم التفصيلي فلا محيص عن الجمع .
مدفوعة بأنّه لا شكّ أنه ليس في البين إلاّ التكليف بأصل الصلاة وهو معلوم تفصيلا لا إجمالا ، فلا بدّ من تحصيل فراغ الذمّة عنه إمّا بالعلم أو بغيره من أمارة أو
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 545 .
(الصفحة 104)
أصل ، والمفروض أنّ قاعدة الفراغ تحكم بحصول البراءة مع الشكّ في الصحّة ، فلا مجال لايجاب الجمع .
هذا كلّه فيما لو علم بعد الفراغ ، وأمّا لو علم في الأثناء وكان العلم بعد التجاوز عن محلّ الإتيان بالسجدتين اللتين يعلم بتركهما ، ولكن لا يدري أنّهما من ركعة أو ركعتين ، كما إذا علم بعد الدخول في الركعة الثالثة بترك سجدتين ، إمّا في الركعة الاُولى ، أو في الركعة الثانية ، أو كانت إحداهما من الركعة الاُولى والاُخرى من الركعة الثانية .
فإنّه قد تحقّق التجاوز عن المحلّ الشكّي ، سواء تحقّق التجاوز عن المحلّ السهوي أيضاً ـ كما إذا علم بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة ـ أم لم يتجاوز عنه ، كما إذا علم قبل الدخول في ركوعها ، فالظاهر أنه لا مجال لقاعدة التجاوز هنا بعد مخالفتها للعلم الإجمالي بترك السجدتين الذي يترتّب عليه الإعادة في الصورتين من تلك الصور الثلاثة ووجوب القضاء وسجدتي السهو في صورة واحدة منها .
توضيح ذلك ، إنّه قد مرّ سابقاً أنه يعتبر في كلّ ركعة من ركعات الصلاة طبيعة السجود المتحققة بايجاد فرد واحد منه على نحو لا يمكن انطباق الصلاة بدونها ، لكونها دخيلة فيها ركناً ، ويعتبر في كلّ ركعة أيضاً في خصوص حال العمد والإلتفات الإتيان بالفرد الثاني من تلك الطبيعة ، ولكن لا يكون هذا الفرد من مقوّمات عنوان الصلاة بحيث لا يمكن انطباقه بدونه .
وحينئذ ، فالعلم الإجمالي بترك السجدتين مع الشكّ في أنه من ركعة أو ركعتين في الصورة المفروضة له ثلاثة أطراف:
أحدها:
كون تركهما متحقّقاً في الركعة الاُولى ، ومرجعه إلى فقدانها لطبيعة السجود المعتبرة في انطباق عنوان الصلاة ، ومقتضى هذا الاحتمال بطلان الصلاة بمجرّد الدخول في ركوع الركعة الثانية ، إذ به يتحقّق التجاوز عن محلّي السجدتين ـ
(الصفحة 105)
المحلّ الشكّي والمحلّ السهوي ـ .
ثانيها :
كون المتروك من خصوص الركعة الثانية ، ومقتضى هذا الاحتمال بطلانها عند الدخول في ركوع الركعة الثالثة .
ثالثها :
كون المتروك سجدة واحدة من الركعة الاُولى ، وسجدة واحدة من الركعة الثانية ، ولا محالة يكون المتروك في كلتا الركعتين هي ثانية السجدتين ، ولا معنى لاحتمال أن يكون المتروك في إحداهما هي السجدة الاُولى ، وفي الاُخرى هي السجدة الثانية ، كما أنه لا معنى لكون المتروك في كلتيهما هي السجدة الاُولى كما هو واضح ، ومقتضى هذا الاحتمال صحة الصلاة ووجوب القضاء وسجدتي السهو بعد الفراغ عنها .
وكيف كان ، فإجراء قاعدة التجاوز في كلتا الركعتين موجب لطرح العلم الإجمالي بترك السجدتين فلا مجال له ، وحينئذ فلابدّ إمّا أن يقال : بلزوم الإعادة والقضاء وسجود السهو ، للعلم الإجمالي بأنّ صلاته إمّا باطلة وأنه يجب عليه الإعادة ، وإمّا صحيحة فاقدة السجدتين من الركعتين ، فيجب قضاؤهما وسجود السهو مرّتين .
وإمّا أن يقال : بعدم كون وجوب القضاء وسجود السهو في عرض وجوب الإعادة ورتبته ، وذلك لأنّ وجوب القضاء إنّما هو بعد الفراغ عن صحة الصلاة وكونها محرزة إمّا بالوجدان وإمّا بغيره ، فهو متأخّر عن صحة الصلاة رتبة ، وحينئذ فالاحتمال الثالث الذي يترتّب عليه وجوب القضاء ليس في رتبة الاحتمالين الأوّلين اللذين يترتّب عليهما البطلان ولزوم الاستئناف ، فلا مانع من جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما والحكم بعدم البطلان .
هذا ، ويمكن أن يناقش في هذا الوجه بأنّ ترتّب وجوب القضاء على الصحّة وكون احتماله متأخّراً رتبة عن الاحتمالين الآخرين لا يوجب خروجه عن أطراف