(الصفحة 113)
التجاوز بالنسبة إليه ، كما أنه لو كان قبل التجاوز عن محلّ الجزء المستحبّ يترجّح الإتيان به ، لعدم جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إليه ، كما لو علم إجمالا في حال القيام قبل أن يدخل في الركوع بأنّه إمّا ترك سجدة واحدة من الركعة السابقة أو القنوت ، فإنّه حينئذ تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى السجود ولا تجري بالنسبة إلى القنوت ، بل إستحباب الإتيان به بحاله بعد كون مقتضى الأصل عدم الإتيان به ، وهذا ممّا لا خفاء فيه .
كما أنه لا إشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ـ الواجب والمستحب ـ ولكن لم يكن للمستحب على تقدير عدم الإتيان به في محلّه أثر أصلا ، فإنّه حينئذ لا أثر للعلم الإجمالي لعدم ترتّب أثر على ترك المستحبّ في محلّه ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
ونظير ذلك يتصوّر بالنسبة إلى بعض الاُمور الواجبة كالجهر والإخفات في موضعهما ، حيث إنّه لا يترتّب على تركهما في محلّهما نسياناً أثر أصلا ، فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك الجهر أو الاخفات في موضعهما ، أو بعض الأفعال الواجبة المذكورة صحّت صلاته ، ولا شيء عليه لعدم ترتّب أثر على ترك الجهر والاخفات ، فيكون الشكّ بالنسبة إلى الطرف الآخر بحكم الشكّ البدوي .
إنّما الإشكال فيما إذا تجاوز عن محلّ كلا الجزئين ، ولكن كان للجزء المستحبّ على تقدير تركه في محلّه أثر فعليّ ، كما إذا تذكّر بعد الركوع أنه ترك القنوت في محلّه ، فإنّه قد ورد النصّ فيه بأنه يؤتى به بعده(1) ، وحينئذ فإذا علم إجمالا بأنه إمّا ترك القراءة مثلا أو القنوت بعدما دخل في الركوع ، فهل يكون هذا نظير ما لو علم إجمالا بترك واحد من الجزئين الواجبين ، فلا تجري قاعدة التجاوز هنا بالنسبة إلى الجزء الواجب كما لا تجري هناك ، أو أنه حيث يكون الطرف الآخر هو الجزء
- (1) الوسائل 6 : 287 ـ 288 . أبواب القنوت ب18 ح1 ـ 3 .
(الصفحة 114)
المستحبّ ـ وهو ممّا يجوز تركه إختياراً ، ولا يترتّب عليه أثر من البطلان والعقوبة ـ يكون الشكّ بالنسبة إلى الجزء الواجب بحكم الشكّ البدوي الذي تجري فيه قاعدة التجاوز ، فتصح الصلاة في المثال ، ولا تجب سجدتا السهو لأجل ترك القراءة الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي بالترك؟ . وجهان:
والحقّ أن يقال: إنّه كان المناط في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم التناقض في أدلّة الاُصول صدراً وذيلا لو قيل بالجريان ، فاللازم في المقام اختيار الوجه الأول ، نظراً إلى أنه لا يجتمع العلم الإجمالي بترك واحد من الجزئين ، مع إجراء قاعدة التجاوز بالنسبة إليهما الحاكمة بلزوم المضيّ وعدم الاعتناء باحتمال تحقق الترك في محلّه .
وأمّا لو قلنا بما هو الحق من أنّ المناط في عدم جريانه هو استلزام الجريان لمخالفة تكليف منجّز ، وحيث أنـّها قبيحة عقلا فلا يجوز أن يتعلّق الجعل بما يستلزمها ، لأنّ مرجعه إلى تجويزها وهو قبيح على الحكيم ، فلا مانع من جريان القاعدة في المثال بالنسبة إلى كلا الجزئين ، لعدم استلزامها مخالفة عمليّة لتكليف منجّز ، حيث إنّ ترك المستحبّ لا يكون معصية ، وترك الجزء الواجب مشكوك بالشكّ البدوي ، فتجري فيه قاعدة التجاوز .
فالعلم الإجمالي لا يكون له أثر التنجيز في المقام ، كما في سائر الموارد التي يشكّ في تحقق بعض الأجزاء أو الشرائط أو طروّ بعض الموانع ، فإنّ الجميع موارد لجريان القواعد الظاهرية المجعولة للشاك تسهيلا لأمر المكلّفين .
ضرورة أنه لو كان ما اعتبر في المأمور به وجوداً أو عدماً مطلوباً مطلقاً حتّى عند طروّ الشكّ ، لكان ذلك مستتبعاً للحرج الشديد والعسر الأكيد ، ولذا تصدّى الشارع لرفع حكمه عند الشكّ ، ومرجع الرفع إلى إجزاء المأتيّ به المستلزم لترتّب المصلحة على عمل الشاكّ العامل بالوظائف الظاهرية ، كترتبها على عمل العامل
(الصفحة 115)
على طبق الواقع .
وبالجملة:
لا مجال للاشكال في جريان القاعدة في المقام ، ولذا لم يحتمل البطلان في العروة أصلا .
العشرون:
إذا علم أنه إمّا ترك سجدة أو زاد ركوعاً ، قال في العروة: الأحوط قضاء السجدة وسجدتا السهو ، ثمّ إعادة الصلاة . ولكن لا يبعد جواز الاكتفاء بالقضاء وسجدتا السهو ، عملا بأصالة عدم الإتيان بالسجدة ، وعدم زيادة الركوع(1) ، إنتهى .
والتحقيق أنّ للمسألة صوراً ، لأنه إمّا أن يتذكّر ذلك بعدما تجاوز محلّ السجود مطلقاً ـ السهوي والشكّي ـ وإمّا أن يتذكّر بعد تجاوز خصوص محلّه الشكّي دون محلّه السهوي ، كما إذا لم يدخل في ركوع الركعة اللاحقة بعد ، وإمّا أن يتذكّر قبل تجاوز المحلّ الشكّي أيضاً .
وفي الصورة الاُولى ـ التي كان تذكّره بعد تجاوز المحلّين ـ تارة يكون تذكّره بعد الركوع في حال الاشتغال بالصلاة ، واُخرى يكون ذلك بعد الفراغ منها ، فهنا صور أربع ، ولكن حكم الأخيرتين واحد ، وليس في المسألة نصّ يرجع إليه ، ولم تكن معنونة بين الفقهاء حتّى ينقل فيها أقوالهم ، بل إنّما هي مسألة مفروضة لابدّ من الرجوع في حكمها إلى القواعد الكليّة واستنباطه منها ، فنقول:
أمّا الصورة التي كان التذكّر بعد تجاوز المحلّ مطلقاً ففيها وجوه:
أحدها:
ما أحتمله سيّد الأساطين في العروة سابقاً ، فإنّه يحتمل أن يكون قد زاد ركوعاً ، فذمّته مشغولة بالصلاة بعد ، ويحتمل أن يكون قد نقص سجدة
- (1) العروة الوثقى 1: 707 ، المسألة الخمسون .
(الصفحة 116)
واحدة ، فلا يجب عليه إلاّ قضاؤها مع سجدتي السهو ، فهو يعلم إجمالا بأنه إمّا أبطل صلاته بزيادة الركوع ، فيكون عليه الإعادة ، أو ترك سجدة فعليه قضاؤها مع السجدتين ، فيحتاط بالقضاء وسجدتي السهو وإعادة نفس الصلاة .
ثانيها:
وجوب إعادة الصلاة فقط ، لأنّ قضاء السجدة المنسية مع سجدتي السهو فرع صحة الصلاة ، والمفروض أنه بعد في شكّ منها فلا مجال له ، ولم يذكر هذا الاحتمال في العروة مع أنه ذكره في نظائر المسألة .
ثالثها:
ما نفى عنه البعد في العروة من جواز الإكتفاء بقضاء السجدة والإتيان بسجود السهو ، مستدلا بأنّ الأصل عدم زيادة الركوع ، فلم تبطل صلاته ، وعدم الإتيان بالسجود ، فلا بدّ من قضائه .
ويدفع هذا الوجه أنّ استصحاب عدم زيادة الركوع وإن كان مقبولا لا مانع منه ، إلاّ أنه لا مجال لاستصحاب عدم الإتيان بالسجود بعد تجاوز المحلّ كما هو المفروض ، لحكومة قاعدة التجاوز الجارية فيه عليه ، وليس الأمر كذلك بالاضافة إلى أصالة عدم زيادة الركوع ، لأنّ مجرى تلك القاعدة هو ما إذا احتمل الإخلال بالجزء في محلّه ، والزائد المحتمل هنا ليس بجزء .
والقول بوقوع المعارضة بين الاستصحاب الجاري في الركوع النافي لزيادته ، وبين قاعدة التجاوز الجارية في السجود الحاكمة بالإتيان به في محلّه ، وأثر التعارض التساقط ، فيرجع في السجود إلى استصحاب عدمه لخلّوه عن الحاكم بعد التساقط ، يلزمه عدم وجود محرز يحرز به عدم زيادة الركوع ، لأنّ المفروض سقوط الاستصحاب في جانبه بسبب التعارض مع القاعدة الجارية في السجود فتدبر .
ثمّ لا يخفى أنّ جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي قد وقع مورداً للخلاف من الجهتين:
(الصفحة 117)
الجهة الاُولى:
فيما إذا كان مورد بعض الأصول الجارية في أطرافه متقدّماً على مورد بعض آخر ، كما إذا كان بعض أطراف العلم هو احتمال صحة الصلاة ، والبعض الآخر هو احتمال الإتيان بما يوجب سجدتي السهو ، أو احتمال الاخلال بالجزء غير الركني مع عدم تجاوز المحلّ ، ومقتضاه لزوم الرجوع والتدارك .
ففي مثل هذه الموارد التي لو لم يكن في البين علم إجمالي كان الأصل المتقدّم والمتأخّر جاريين معاً ، فهل وقوع الاحتمال طرفاً للعلم الإجمالي يمنع عن جريان الأصل في أطرافه مطلقاً؟ كما إذا كانت الاطراف متساوية من حيث الرتبة ، أو أنّ وقوعه كذلك في المقام لا يمنع إلاّ عن جريان الأصل المتأخّر رتبة من حيث المورد؟ وأمّا الأصل المتقدّم فيجري كما كان يجري فيما لو لم يكن في البين علم إجمالي ، فإذا علم أنه صدر منه إمّا ما يوجب بطلان الصلاة وإمّا ما يوجب سجدتي السهو ، فهل هذا العلم يمنع عن جريان كلا الأصلين ، أو لا يمنع إلاّ عن خصوص الأصل الجاري في موجب السجود؟ ، الظاهر المنع مطلقاً وعدم الفرق بين صورتي اختلاف الرتبة وتساويها في عدم جريان شيء من الأصلين ، لأنّ مفاد كلّ منهما ينفي مفاد الآخر ، وجريانهما معاً يستلزم مخالفة ما علمه إجمالا ، فهما من هذه الجهة مشتركتان .
الجهة الثانية:
في مانعية العلم الإجمالي عن جريان الأصل مطلقاً وعدمها ، فنقول: قال الشيخ(قدس سره) في الرسائل في مبحث القطع والاشتغال ما ملخّصه: إنّه إذا علم بالتكليف علماً إجمالياً فلا تجوز مخالفته القطعية ، بأن يأخذ بالأصل في جميع الأطراف ويعمل به ، وأمّا المخالفة الاحتمالية فيجوز الإذن فيها(1) .
أقول:
التكليف إذا كان متعلقاً للعلم الجزمي واليقين الذي لا يشوبه شكّ وريب ، فلا يجوز مخالفته أصلا ، ولو كان العلم المتعلّق به إجمالياً ، لأنّ تعلّق العلم به
- (1) فرائد الاُصول كتاب القطع : 21 ـ 22 .