(الصفحة 125)
الكافر بعد ما أسلم لا يكون مكلّفاً بالقضاء على ماهو المفروض ، من أنّ الإسلام يجبّ ما قبله ، وما دام كونه باقياً على الكفر لا يكون قادراً على متعلّق التكليف ، لاشتراط الإسلام في متعلقه والقدرة عليه شرط في صحة التكليف ، ولذا التزم صاحب المدارك(1) على ماحكي عنه بعدم كونه مكلّفاً بالقضاء من بين الفروع وإن كان مكلّفاً بغيره من التكاليف .
ويمكن أن يقال في تصوير ذلك: إنّ القضاء ليس طبيعة مغايرة لطبيعة الأداء بحيث كانت صلاتا القضاء والاداء ماهيّتين متغايرتين ، بل صلاة القضاء كالاداء هي نفس طبيعة الصلاة; غاية الأمر تعلّق الأمر بطبيعة الصلاة ، وأمر آخر بالإتيان بها في الوقت .
واحتياج القضاء إلى دليل جديد ، وعدم كفاية الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت في وجوبه لا ينافي ما ذكرنا ، من عدم كون القضاء مغايراً للأداء ، وأنّ الأمر تعلّق بنفس الطبيعة ، ضرورة أنّ ذلك إنّما هو في مقام الاثبات ، بمعنى أنه لو لم يكن دليل على وجوب القضاء لما أمكن استفادة ذلك من نفس الدليل الدالّ على وجوب الصلاة في الوقت بعدما كان ظاهراً في إيجاب واحد متعلّق بالمقيّد .
ضرورة أنّ مثل قوله تعالى:
{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل}(2) ظاهر في أنّ الواجب أمر واحد مقيّد ، غاية الأمر إنّه بعد قيام الدليل على وجوب القضاء يستكشف أنّ الأمر لم يتعلّق بالطبيعة المقيّدة ، بل هنا أمران تعلّق أحدهما بنفس الطبيعة ، والآخر بالإتيان بها في الوقت .
إذا عرفت ذلك نقول: إنّ الكافر بعدما ترك الصلاة في الوقت يسقط عنه الأمر الثاني المتعلّق بالإتيان بها في الوقت ، لعدم تمكّنه حينئذ من امتثاله ، وأمّا الأمر
- (1) مدارك الأحكام 4: 289 .
- (2) الاسراء: 78 .
(الصفحة 126)
الأول المتعلّق بنفس الطبيعة فهو بعد باق مادام كونه باقياً على الكفر ، وإذا أسلم يسقط عنه ، لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) لم يكن يأمر من أسلم بعد الكفر بقضاء ما فاته في حاله من الصلاة والصيام وغيرهما .
وأمّا قوله(صلى الله عليه وآله): «الإسلام يجبّ ما قبله» فهو لايدلّ على سقوط هذا الأمر ، لأنّ مقتضاه كون الجبّ متعلقاً بما قبل الإسلام وبما فات منه في حال الكفر ، والمأمور به بهذا الأمر لم يكن فائتاً عن الكافر لبقاء القدرة على امتثاله بعد خروج الوقت ، سواء أسلم أم لم يسلم .
هذا ، ولكنّ التحقيق في المقام ما اختاره صاحب المدارك من عدم كون الكافر مكلّفاً بالقضاء وإن كان مكلّفاً بغيره من التكاليف .
وذكر بعض الأعاظم من المعاصرين في كتاب الصلاة في مقام تصوير توجّه التكليف بالقضاء إلى الكافر ما ملّخصه: إنّ الكافر في الوقت مكلّف بالإتيان بالصلاة أداءً ومكلّف أيضاً بالإتيان بها في الخارج على تقدير تركها في الوقت ، والتكليف الأول مطلق ، والثاني مشروط بترك العمل في الوقت ، والإسلام في الوقت كما أنه مقدّمة لصحّة العمل الواجب عليه أداءً لكونه شرطاً لها ، فيجب عليه تحصيله كذلك مقدّمة للعمل الواجب عليه خارج الوقت مشروطاً بالترك في الوقت .
لأنّه لو لم يسلم في الوقت وبقي على كفره لم يصحّ منه ، وإن أسلم يخرج عن موضوع التكليف ، فالاسلام في الوقت مقدّمة لصحّة العمل القضائي ، فيجب عليه تحصيله ، لما قلنا في محلّه من أنّ الواجب المشروط لو ترك مستنداً إلى ترك غير ما علّق عليه الطلب تصحّ المؤاخذة عليه ، ولا يلزم من ذلك ثبوت المؤاخذة عليه ، وإن أسلم خارج الوقت ، نظراً إلى عدم إسلامه في الوقت حتّى يتمكّن من القضاء ، وذلك لأنّ الإسلام خارج الوقت بمنزلة الصلاة في الوقت ، والتكليف بالقضاء
(الصفحة 127)
مشروط بتركهما معاً ، فهو في الوقت مكلّف بأحد الأمرين: إمّا الصلاة في الوقت ، وإمّا الإسلام خارجه ، فلا يلزم ما ذكر(1) . انتهى ملخصاً .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ ذلك مجرّد تصوير عقليّ لا يساعده شيء من الأدلّة النقلية الواردة في القضاء كما هو غير خفيّ ـ أنّ الإسلام في الوقت وإن كان مقدّمة لصحّة العمل الواجب عليه إداءً ، إلاّ أن دعوى مقدميته لصحة العمل القضائي ممنوعة جداً ، ضرورة اشتراط صحة الصلاة أداءً كانت أو قضاءً بالإسلام حال الإتيان بها ، لوضوح أنه لو أسلم في الوقت ثمّ ارتدّ عن الإسلام في خارجه لم يصحّ منه العمل القضائي بداهة .
فالشرط في صحة العمل هو الإسلام حال الاشتغال به ، وأمّا الإسلام في الوقت فلا وجه لأن يكون شرطاً للعمل الذي يكون ظرف الإتيان به خارج الوقت ، فقياس القضاء بالاداء من هذه الجهة باطل جدّاً .
نعم ، لو أسلم في الوقت دون خارجه يتوجّه إليه التكليف بالقضاء ، لكنّه شرط في توجّهه إليه لا في إمكان تحقق العمل منه ، ومجرّد خروجه عن موضوع التكليف مع الإسلام خارج الوقت لا يوجب أن يكون الإسلام في الوقت مقدّمة لصحّة نفس العمل كما هو واضح ، فالإنصاف أنّ هذا الجواب غير تامّ ، هذا كلّه في الكافر بالكفر الأصلي .
وأمّا المرتدّ الذي رجع عن ارتداده ، فالظاهر كما هو المشهور(2) ـ على ما ادعي وهو غير بعيد ـ إنّه يجب عليه قضاء مافاته في حال ارتداده ، سواء كان ملّياً أو فطريّاً ، بناءً على قبول توبته واقعاً ، وسواء كان رجلا أو امرأة ، وذلك لعدم
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 557 ـ 558 .
- (2) شرائع الإسلام 1 : 110; المنتهى 1: 421; مدارك الأحكام 4: 292; كشف اللثام 4: 437; مفتاح الكرامة 3: 381; جواهر الكلام 13: 13 ـ 14 .
(الصفحة 128)
الدليل على سقوط القضاء عنه بعد شمول أدلّة وجوبه له ، وعدم كون معاملة النبيّ(صلى الله عليه وآله) مع من أسلم من الكفّار وعدم أمره لهم بالقضاء شاملة للمرتدّ ، كما أنّ الظاهر انصراف قوله(صلى الله عليه وآله): «الإسلام يجبّ ما قبله» عن اسلام المرتدّ .
وأمّا النواصب والغلاة وغيرهما من المنتحلين للإسلام المحكومين بالكفر ، فالظاهر أنّ حكمهم حكم غيرهم من العامّة المحكومين بالاسلام وسيجي .
وأمّا المخالف إذا استبصر ، فالظاهر أنه أيضاً لا يقضي ما أخلّ بها في حال المخالفة بشرط الإتيان بها موافقة لمذهبه ، ولا فرق في ذلك بين الصلاة وغيرها من العبادات ، نعم ، قد اختصّت الزكاة من بينها بلزوم أدائها ثانياً ، لكونها حقّاً ماليّاً لأصناف خاصّة مع صفات خاصّة ، قد وضعها المخالف في غير موضعها ، ويدلّ على ذلك الروايات الكثيرة المستفيضة(1) .
وأمّا الحائض والنفساء فسقوط القضاء عنهما قطعيّ ، ولم يخالف فيه أحد من المسلمين(2) ، ويدلّ عليه أيضاً أخبار كثيرة(3) ، كما أنّ عدم سقوطه عن النائم في جميع الوقت والساهي عن الصلاة كذلك محلّ اتّفاق بين المسلمين(4) ورواه الجمهور بطرقهم عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)(5) ، بل لا يكون وجوب القضاء متّفقاً عليه بينهم إلاّ بالنسبة إليهما ، لأنّهم اختلفوا في العامد والمغمى عليه(6) .
- (1) الوسائل 9: 216 . أبواب المستحقين للزكاة ب3 .
- (2) شرائع الإسلام 1: 110; تذكرة الفقهاء 1: 262; مدارك الأحكام 4: 288; مستند الشيعة 7: 268 وج2 : 461; جواهر الكلام 13: 6; الفقه على المذاهب الأربعة 1: 488 .
- (3) الوسائل 2: 345 ـ 346 . أبواب الحيض ب40 و41 ، صحيح البخاري 1: 95 ب21 ، سنن البيهقي 1: 308 .
- (4) شرائع الإسلام1: 110; تذكرة الفقهاء2:349 مسألة55;مستندالشيعة7:90 و275; جواهرالكلام13: 11 ـ 12.
- (5) صحيح البخاري1: 166 ب37 ح597; سنن ابن ماجة1: 227 ب10; سنن النسائي1: 331 ـ 332 ب52 و 53.
- (6) الفقه على المذاهب الأربعة 1: 491; بداية المجتهد 1 : 185 .
(الصفحة 129)
والسرّ فيه عدم ثبوت رواية عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فيهما ، وقد تشبّث من قال منهم بوجوب القضاء فيهما بالقياس ونحوه .
هذا ، ولكن ثبوت الوجوب بالنسبة إلى العامد عند أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين ممّا لاخلاف فيه ولا اشكال(1) .
وأمّا الإغماء المستوعب الموجب لفوات الصلاة ، فمقتضى الأخبار الكثيرة المروية عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين عدم وجوب القضاء عليه(2) ، لكن في مقابلها روايات اُخر تدلّ بعضها على وجوب القضاء مطلقاً .
مثل مارواه ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض اُغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»(3) .
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق؟ قال: «يقضي ما فاته ، يؤذّن في الاُولى ويقيم في البقيّة»(4) .
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المغمى عليه قال: «يقضي كلّ ما فاته»(5) .
وما رواه رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد»(6) .
- (1) شرائع الإسلام 1: 110; مدارك الاحكام 3: 91; جواهر الكلام 13: 11; مستند الشيعة 7: 267; مفتاح الكرامة 3: 382; كشف اللثام 4: 437 .
- (2) الوسائل 8 : 258 . أبواب قضاء الصلوات ب3 .
- (3) التهذيب 4 : 244 ح721 وج3 : 304 ح935; الإسبتصار 1: 459 ح1782; الوسائل 8: 264 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح1 .
- (4) و (5) التهذيب 3 : 304 ـ 305 ح936 و 937 وج4 : 244 ح722; الاستبصار 1: 459 ح1783 و1784; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح2 و 3 .
- (6) التهذيب 3: 305 ح938 وج4 : 244 ح719; الاستبصار 1 : 459 ح1785; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح4 .