(الصفحة 129)
والسرّ فيه عدم ثبوت رواية عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) ، فيهما ، وقد تشبّث من قال منهم بوجوب القضاء فيهما بالقياس ونحوه .
هذا ، ولكن ثبوت الوجوب بالنسبة إلى العامد عند أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم أجمعين ممّا لاخلاف فيه ولا اشكال(1) .
وأمّا الإغماء المستوعب الموجب لفوات الصلاة ، فمقتضى الأخبار الكثيرة المروية عن العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين عدم وجوب القضاء عليه(2) ، لكن في مقابلها روايات اُخر تدلّ بعضها على وجوب القضاء مطلقاً .
مثل مارواه ابن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «كلّ شيء تركته من صلاتك لمرض اُغمي عليك فيه فاقضه إذا أفقت»(3) .
وما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يغمى عليه ثمّ يفيق؟ قال: «يقضي ما فاته ، يؤذّن في الاُولى ويقيم في البقيّة»(4) .
ورواية منصور بن حازم عن أبي عبدالله(عليه السلام) في المغمى عليه قال: «يقضي كلّ ما فاته»(5) .
وما رواه رفاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه شهراً ما يقضي من الصلاة؟ قال: «يقضيها كلّها ، إنّ أمر الصلاة شديد»(6) .
- (1) شرائع الإسلام 1: 110; مدارك الاحكام 3: 91; جواهر الكلام 13: 11; مستند الشيعة 7: 267; مفتاح الكرامة 3: 382; كشف اللثام 4: 437 .
- (2) الوسائل 8 : 258 . أبواب قضاء الصلوات ب3 .
- (3) التهذيب 4 : 244 ح721 وج3 : 304 ح935; الإسبتصار 1: 459 ح1782; الوسائل 8: 264 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح1 .
- (4) و (5) التهذيب 3 : 304 ـ 305 ح936 و 937 وج4 : 244 ح722; الاستبصار 1: 459 ح1783 و1784; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح2 و 3 .
- (6) التهذيب 3: 305 ح938 وج4 : 244 ح719; الاستبصار 1 : 459 ح1785; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح4 .
(الصفحة 130)
وبعضها على التفصيل بين إغماء ثلاثة أيّام أو أكثر ، مثل مضمرة سماعة قال: سألته عن المريض يغمى عليه؟ قال: «إذا جاز عليه ثلاثة أيّام فليس قضاء وإذا اُغمي عليه ثلاثة أيّام فعليه قضاء الصلاة فيهنّ»(1) .
وبعض تلك الروايات يدلّ على وجوب قضاء يوم واحد ، مثل رواية حفص عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن المغمى عليه؟ فقال: «يقضي صلاة يوم»(2) .
وبعضها على وجوب قضاء ثلاثة أيّام وإن جاز إغماؤه عنها ، مثل رواية أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر(عليه السلام): رجل أُغمي عليه شهراً يقضي شيئاً من صلاته؟ قال: «يقضي منها ثلاثة أيّام»(3) .
هذا ، ولكن هذه الروايات محمولة على مراتب الاستحباب ، لصراحة الطائفة الأولى في نفي الوجوب وعدم كونها خبراً واحداً ، مضافاً إلى وجود الاختلاف بين الطائفة الثانية ، فلابدّ معه من الحمل على مراتب الاستحباب ، ولو لم يكن في مقابلها شيء كما لايخفى .
نعم ، الظاهر أنّ المراد بما يدلّ على قضاء يوم واحد هو قضاء اليوم الذي أفاق فيه ، كما صرح به في بعض الروايات ، وعليه فالمراد من القضاء ليس ما يقابل الأداء ، بل مجرّد الإتيان بالصلاة ، وحينئذ فيسقط عن المعارضة للطائفة الاُولى .
ثمّ إنّ القدر المتيقّن من الإغماء الموجب لسقوط القضاء هوالإغماء العارض
- (1) التهذيب 3: 303 ح929 ، وج4 : 244 ح720; الإستبصار 1: 458 ح1776; الوسائل 8 : 265 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح5 .
- (2) التهذيب 3: 303 ح930; الإستبصار 1: 458 ح1777; الوسائل 8 : 267 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح14 .
- (3) التهذيب 4 : 244 ح723; الوسائل 8 : 266 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح11 .
(الصفحة 131)
للمكلّف ، من دون أن يكون مستنداً إلى إرادته واختياره أصلا ، كما إذا كان بآفة سماوية ، لأنّه الذي يجري فيه قطعاً التعليل الوارد في جملة من أخبار الإغماء ، وهو قوله(عليه السلام): «كلّ ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر»(1) .
وكيف كان ، فهذا ممّا لاإشكال فيه ، كما أنه لا إشكال ظاهراً في عدم القضاء فيما إذا أوجد سببه إختياراً مع الالتفاف إلى سببيته وعدم الاضطرار إلى إيجاده ، ووجه عدم الإشكال وضوح عدم جريان ذلك التعليل في هذا المورد .
إنّما الإشكال فيما إذا حصل لا من فعله بل بفعل غيره ، أو حصل بفعله لكن كان مضطرّاً إلى ايجاده لأجل المرض ، سواء كان مع التوجّه والإلتفات إلى سببيته للإغماء أو مع عدم التوجّه إليها ، أو لم يكن مضطرّاً إلى ايجاده ولم يكن ملتفتاً إلى تأثيره أيضاً .
ومنشأ الإشكال الشكّ في جريان التعليل ، ومعه يشكل رفع اليد عن عمومات أدلّة ثبوت القضاء ، خصوصاً إذا كان من فعله ، سيّما إذا كان مع التوجّه والالتفات إلى السببية وأنه يوجب الإغماء ، فالأحوط لو لم يكن أقوى ثبوت القضاء وعدم سقوطه في هذه الصورة فتدبر ، هذا في المغمى عليه .
وأمّا السكران ، فالظاهر وجوب القضاء عليه ، سواء كان مع العلم أو الجهل ، وسواء كان مع الاختيار على وجه العصيان ، أو للضرورة ، أو الإكراه ، وأمّا فاقد الطهورين فوجوب القضاء عليه محلّ إشكال(2) ، لعدم كونه مكلّفاً بالأداء حتّى يصدق بالنسبة إليه عنوان الفوت الذي قد أخذ في موضوع وجوب القضاء ، لكن الأحوط الوجوب .
- (1) الوسائل 8 : 259 ـ 260 . أبواب قضاء الصلوات ب3 ح3 ، 7 ، 8 ، 13 .
- (2) المقنعة : 60; المبسوط 1: 31; الوسيلة : 71; السرائر 1: 139; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المنتهى 1: 143; البيان : 86 ; نهاية الأحكام 1: 201; الروضة البهيّة 1: 350 .
(الصفحة 132)
الترتيب بين الفائتة والحاضرة
لا خفاء في عدم اشتراط الترتيب بين الصلوات الواقعة في أوقاتها ، بحيث كان الإتيان بالسابقة من شرائط تحقق اللاحقة ، ومجرّد تأخّر بعضها عن بعض ، تبعاً للزمان الذي هو من الموجودات التدريجيّة المتأخّرة بعض قطعاتها عن بعض بالذات ، ويكون كلّ قطعة منها وقتاً لصلاة خاصّة لا يوجب اشتراط ماهو المشروط منها بالزمان اللاحق ، بوقوع السابقة في زمانها السابق على الزمان اللاحق ذاتاً .
نعم ، قد دلّ الدليل على اشتراط وقوع الظهر والإتيان بها في صحة العصر ، وكذا المغرب بالنسبة إلى العشاء(1) ، وأمّا في غيرهما كاشتراط الإتيان بالصبح في صحة الظهرين ، أو الإتيان بهما في صحة العشائين ، فهو ممّا لم يقم عليه دليل أصلا ، بل لا خلاف في عدمه .
وكيف كان فقد وقع الخلاف في اعتبار الترتيب بين الفوائت المتعدّدة بعضها مع بعض ، وكذا في اعتبار الترتيب بين الفائتة والحاضرة .
ولنقدّم البحث في المسألة التي وقعت معنونة في كلام كثير من الفقهاء بعنوان المضايقة والمواسعة ، وصنّفوا فيها رسائل مستقلّة ، إمّا لكونها معركة عظيمة ـ على ما قال الشهيد والعلامة(2) ـ وإمّا لكونها مورداً لابتلاء العامّة ، وعلى أيّ حال ففي المسألة أقوال كثيرة وآراء متشتّتة ، ونحن نقتصر على أصولها ، فنقول:
الأول:
القول بالمضايقة المطلقة ، وقد حكي هذا القول عن ظاهر كلام القديمين
- (1) الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 و ص183 ب17 .
- (2) مختلف الشيعة 3 : 8 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1 : 98 .
(الصفحة 133)
والشيخين والسيّدين والقاضي والحلبي والحلّي ، وعن المعتبر نسبته إلى الديلمي ، وهذا هو المشهور بين القدماء كما حكي عن غير واحد(1) .
الثاني:
المواسعة المطلقة المحضة ، حكي ذلك عن عبيدالله بن عليّ الحلبي في أصله الذي ذكر أنه عرضه على الصادق(عليه السلام) واستحسنه ، وعن الحسين بن سعيد ، وأحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ، والصدوقين ، والجعفي صاحب الفاخر ، والشيخ أبي عبدالله الحسين بن أبي عبدالله المعروف بالواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي والمعاصر للمفيد ، وإليه ذهب عليّ بن موسى رضي الدين ابن طاووس ، وحكاه عن بعض من تقدّم كالحلبي والواسطي ، وجمع آخر وكثير من المتأخّرين(2) .
الثالث:
القول بالتضييق مع وحدة الفائتة ، وبخلافه مع تعددها ، ذهب إليه المحقّق في كتبه وتبعه صاحب المدارك ، وقوّاه الشهيد في بعض كتبه ، وحكي عن بعض آخر(3) .
الرابع:
التفصيل بين فائتة اليوم ، متعدّدة كانت أو واحدة ، وبين غيرها بالمضايقة في الاُولى ، والمواسعة في الثانية ، وهو المحكيّ عن مختلف العلاّمة(قدس سره)(4) .
الخامس:
القول بالمواسعة إذا فاتت عمداً وبالمضايقة إذا فاتت نسياناً ، حكي
- (1) المقنعة: 211; المبسوط 1: 127; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 38; الغنية: 98 ـ 99; المهذّب 1: 126; الكافي في الفقه: 150; السرائر 1: 274; المراسم: 90; وحكاه عن العمّاني وابن الجنيد في مختلف الشيعة 3 : 4 ; مدارك الأحكام 4: 298; جواهر الكلام 13: 38 .
- (2) مفتاح الكرامة 3: 386; مستند الشيعة 7: 288 ـ 289 ; غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 99 ـ 102; رسالة عدم المضايقة ، المطبوع في مجلّة تراثنا 7 : 338 ـ 354 .
- (3) المسائل العزّيّة (الرسائل التسع): 112; المعتبر 2: 405; شرائع الإسلام 1: 110; المختصر النافع: 70; مدارك الأحكام 4: 295 ، غاية المراد في شرح نكت الإرشاد 1: 116; كشف الرموز 1: 210 .
- (4) مختلف الشيعة 3: 6 .