(الصفحة 134)
ذلك عن وسيلة الشيخ عماد الدين بن حمزة(1) .
السادس:
التفصيل بين الفائتة الواحدة إذا ذكرها يوم الفوات وبين المتعدّدة والواحدة المذكورة في غير يوم الفوات ، حكي ذلك عن ابن أبي جمهور الإحسائي(2) .
والظاهر أنّ ما حكاه ابن طاووس عن بعض القدماء من الأصحاب من القول بالمواسعة المطلقة غير ثابت ، لأنّ الفوريّة كانت متّفقاً عليها بينهم ظاهراً ، وإن اختلفوا بين من يقول باستثناء دخول وقت الحاضرة مع الاشتغال بها ، وبين من يقول باستثناء وقت تضيّقها .
ثمّ إنّ عمدة المطالب التي يدور عليها القول بالمضايقة ، مطالب ثلاثة:
أحدها :
فوريّة القضاء ، وفيها احتمالان:
1 ـ
كون القضاء موقتاً بالذكر ، بمعنى أنه متى ذكر فوات الفريضة فذلك الزمان الذي هو زمان حدوث الذكر هو وقت الإتيان بها قضاءً ، بحيث لو أخّرها عن ذلك الوقت تصير كتأخير الفريضة عن وقتها الأدائي قضاء أيضاً ، وهذا هو الذي نسبه إليهم العلاّمة(قدس سره)(3) .
2 ـ
مجرّد فوريّة وجوب القضاء من دون أن يكون موقّتاً بالذكر ، بل يكون وجوبه مطلقاً غير مشروط بوقت ، غاية الأمر لزوم المبادرة إلى الإتيان بمتعلّقه ، بمعنى تعلّق الوجوب بالفوريّة بعد تعلّقه بأصل الطبيعة ، فهنا أمران تعلّق أحدهما بنفس طبيعة القضاء ، والآخر بالمبادرة إليها وفوريّة الإتيان بها .
ثانيها:
ترتّب الحاضرة على الفائتة ، وفيه احتمالان أيضاً:
- (1) الوسيلة : 84 .
- (2) نقله عنه في جواهر الكلام 13: 41 .
- (3) مختلف الشيعة 3: 3 ـ 6 ; تذكرة الفقهاء 2 : 350 مسألة 56 .
(الصفحة 135)
1 ـ
مجرّد لزوم الإتيان بالفائتة قبل الحاضرة ، لأجل كون الوجوب المتعلّق بها فوريّاً من دون أن يكون الإتيان بها شرطاً في صحة الحاضرة .
2 ـ
كون الإتيان بها من شرائط صحة الحاضرة ، كشرطيّة الإتيان بالظهر للعصر والمغرب للعشاء .
ثالثها:
العدول بالنيّة من الحاضرة إلى الفائتة ، إذا نسي الإتيان بها وذكرها في أثناء الحاضرة ، وليعلم أنّ هذا المطلب لا يستفاد من القائلين بالمضايقة من العامّة أصلا ، فانّهم يحكمون في هذا الفرض ببطلان الصلاة ولا يجوّزون العدول كالقائلين بالمواسعة منهم .
ثمّ إنّ مقتضى الأصل العملي مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة للطرفين هو القول بالمواسعة ، لأنّ كلّ واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة على خلاف الأصل ، ضرورة أنّ الأصل يقتضي عدم التوقيت وعدم تعلّق أمر آخر بالمبادرة والفوريّة ، وعدم كون الإتيان بالفائتة من شرائط صحة الحاضرة ، وعدم وجوب العدول منها إليها بالنية إذا ذكر فوتها في أثناء الحاضرة .
نعم ، يمكن أن يورد على جريان الأصل ، بأنّ توجّه التكليف بطبيعة القضاء عند فوت الفريضة في وقتها ممّا لاشكّ فيه ، واللازم على المكلّف الخروج عن عهدة هذا التكليف المتوجّه إليه يقيناً ، بأن أتى بمتعلّقه في أوّل أوقات الإمكان ولم يؤخّر عمداً ، وإلاّ فمع التأخير عن أوّل أوقاته إلى ثانيها وثالثها و . . . ، يحتمل أن لايبقى متمكّناً من الإتيان به في ذلك الوقت ، ومع هذا الاحتمال لا يجوز له إجراء الأصل مع كون توجّه التكليف إليه معلوماً .
ولكن ربما يتوهّم جريان الأصل الموضوعي ، وهو استصحاب بقاء المكلّف وعدم زوال تمكنه بعروض موت ونحوه . وهذا مندفع بعدم جريان مثل هذا الاستصحاب ، بعد عدم كون المستصحب حكماً شرعيّاً ، ولا مترتّباً عليه حكم
(الصفحة 136)
شرعيّ ، ضرورة أنّ بقاء المكلّف وعدم زوال تمكنه لا يترتّب عليه شيء من الآثار الشرعية .
نعم ، يمكن معه الامتثال ، ولكنّه ليس بأثر شرعيّ كما هو واضح ، فإجراء الأصل مطلقاً ممنوع ، فلو أخّر المكلّف الامتثال ولم يزل تمكّنه في ثاني الأوقات وثالثها و . . . ، لا يكون مستحقّاً للعقاب إلاّ من جهة التجرّي الحاصل بتأخير الإمتثال مع احتمال زوال التمكّن ، كما أنه إذا زال تمكّنه ولم يأت به في ذلك الوقت يستحق العقاب من جهة تعمّد التأخير مع احتمال الزوال .
وبالجملة:
المماطلة والمسامحة في امتثال التكليف المتوجّه إلى المكلّف قطعاً ممّا لا يجوّزها الأصل بعد احتمال عروض ما يمنع عن امتثاله .
ثمّ إنّ صاحب الجواهر(قدس سره) استدلّ للقول بالمواسعة أوّلا بالأصل ، وقد قرّره بوجهين:
1 ـ
استصحاب عدم وجوب العدول عليه ، لو كان الذكر في الأثناء وجواز فعلها قبل التذكّر ، ويتمّ بعدم القول بالفصل .
2 ـ
البراءة عن حرمة فعلها أو فعل شيء من أضداد الفائت بل وعن التعجيل ، لأنّه تكليف زائد على أصل الوجوب والصحّة المتيقّن ثبوتهما على القولين ، لأن القائل بالتضييق لا ينكرهما في ثاني الأوقات مع الترك في أوّلها وإن حكم بالإثم .
وقال بعد ذلك ما ملخّصه إنّه ليس المراد إثبات خصوص التوسعة المقومة للوجوب مقابل الفوريّة والتضييق ، حتّى يرد أنّ إجراء الأصل لا يصلح لإثبات ذلك ، بل المراد مجرّد نفي التكليف بالفورية قبل العلم ، كنفي التكليف بالوجوب للفعل المتيقّن ، طلب الشارع له طلباً راجحاً في الجملة .
بل ربما قيل بثبوت الندب في الأخير ، لاستلزام نفي المنع من الترك الذي هو فصل الوجوب ، وثبوت الجواز الذي هو نقيضه ، فيتقوّم به الرجحان المفروض
(الصفحة 137)
تيقّن ثبوته ويكون مندوباً ، ضرورة صيرورته راجح الفعل جائز الترك ونحوه جار في المقام ، إلاّ أنه كما ترى فيه نظر واضح ، لظهور الفرق بين الجواز الثابت بالأصل عند الشكّ في التكليف ، وبين الجواز المقوّم للندب كما حرر ذلك في محلّه .
وقد أخذ بعد ذلك في دفع كلام يرجع محصّله إلى ما أوردناه على إجراء الأصل بما حاصله: منع اقتضاء طبيعة الوجوب الذي هو القدر المتيقّن من القولين حرمة التأخير وكفاية الأصل المعلوم حجيته في ثبوت الإذن الشرعية بالتأخير ، وإن لم يكن إلى بدل حتّى العزم; إلى أن قال في ذيل كلامه: فظهر حينئذ سقوط جميع ما سمعته من تلك الدعوى ، حتّى ما ذكر أخيراً منها من الإحتياط الذي لا دليل على وجوب مراعاته هنا ، خصوصاً بعد ملاحظة استصحاب السلامة والبقاء الذي به صحّ الحكم بوجوب أصل الفعل على المكلّف ، وإلاّ فالتمكّن مقدّمة وجوب الفعل ، وبدون إحرازها لا يعلم أصل الوجوب . . .(1) .
وأنت خبير بأنّ استصحاب السلامة والبقاء لا يجوّز التأخير ، لعدم جريانه بعد عدم ترتّب أثر شرعيّ عليه كما عرفت ، كما أنّ كفاية الأصل المعلوم حجيّته في ثبوت الإذن الشرعيّ بالتأخير إنّما يتمّ لو كان مراد القائل بالمضايقة ثبوت أمر آخر متعلق بالفورية والمبادرة ، فانه حينئذ يقال عليه: إنّ مقتضى الأصل البراءة من ذلك الأمر بعد عدم ثبوته بدليل شرعيّ ، وأمّا لو استند في قوله إلى ما أوردناه على جريان أصالة البراءة فلا مجال حينئذ للأصل كما لا يخفى .
ومنه يظهر أنّ القائل بالتضييق كما أنه لا ينكر الوجوب والصحّة في ثاني الأوقات مع الترك في أوّلها ، كذلك لا يحكم بالإثم ، نعم قد عرفت أنه يمكن أن يقال باستحقاق العقاب من جهة التجرّي الحاصل بالتأخير مع احتمال زوال التمكّن ، هذا
- (1) جواهر الكلام 13: 43 ـ 46 .
(الصفحة 138)
كلّه فيما يتعلّق بجريان الأصل ، ولعلّنا نتكلّم فيه فيما سيأتي أيضاً .
وبعد ذلك لابدّ من ملاحظة أدلّة الطرفين العامّة والخاصّة ونبدأ بذكر الأخبار التي رواها العامّة بطرقهم في كتبهم المعدّة لنقل الأحاديث النبوية ، حتّى يظهر مقدار دلالتها ، وأنه هل ينطبق مع فتاويهم في هذا الباب ، فنقول:
روى الترمذي في سننه في باب ما جاء في النوم عن الصلاة ، عن أبي قتادة قال: ذكروا للنبيّ(صلى الله عليه وآله) نومهم عن الصلاة؟ فقال: «إنّه ليس في النوم تفريط ، إنّما التفريط في اليقظة ، فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلّها إذا ذكرها» . قال الترمذي: وفي الباب عن ابن مسعود ، وأبي مريم ، وعمران بن حصين ، وجبير بن مطعم ، وأبي جحيفة ، وأبي سعيد ، وعمرو بن اُميّة الضّمري ، وذي مِخبَر ، وهو ابن أخ النجاشي ـ وقال بعد ذلك: ـ قال أبو عيسى: وحديث أبي قتادة حديث حسن صحيح .
وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة ، عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، فقال بعضهم: يصلّيها إذا استيقظ أو ذكر ، وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، وهو قول أحمد واسحاق والشافعي ومالك وقال بعضهم: لا يصلّي حتّى تطلع الشمس أو تغرب(1) .
وروى فيها أيضاً في باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة عن أنس قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من نسي صلاةً فليصلّها إذا ذكرها» ـ وقال بعد ذلك: ـ وفي الباب عن سمرة وأبي قتادة ، قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح .
وروي فيها أيضاً في باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيّتهنّ يبدأ ، عن
- (1) سنن الترمذي 1 : 221 ح 177 .