(الصفحة 146)
لذكري}(1) ، وإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك ، فاتتك التي بعدها فابدأ بالّتي أنت في وقتها واقض الاُخرى»(2) والظاهر من صدر هذه الرواية وإن كان هو اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة مطلقاً فيما إذا لم يلزم من الابتداء بالفائتة فوت وقت الحاضرة ، إلاّ أنّ ذيلها باعتبار قوله(عليه السلام): «فاتتك التي بعدها» يدلّ على أنّ المراد بالحاضرة هي الحاضرة التي تكون متّصلة بالفائتة ، لظهور كلمة «بعد» في البعدية المتصلة كما لا يخفى .
وأمّا ما رواه عنه عمر بن اُذينة فهي ما رواه عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(3) .
وأمّا رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، فهي ما رواه عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام)عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اُخرى؟ فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، وإن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنه نسي المغرب
- (1) طه: 14 .
- (2) الكافي 3: 293 ح4 ; التهذيب 2: 172 ح686 وص268 ح1070; الاستبصار 1: 287 ح1051; الوسائل 4: 287 . أبواب المواقيت ب62 ح2 .
- (3) الكافي 3: 292 ح3; التهذيب 2: 266 ح1059 وص172 ح685 وج3 : 159 ح341; الاستبصار 1: 286 ح1046; الوسائل 4: 284 . أبواب المواقيت ب61 ح3 وص287 ب62 ح1 وج8 : 256 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح3 .
(الصفحة 147)
أتمّها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(1) ، وهذه الرواية وإن كان صدرها مطلقاً ، ظاهراً في ترتّب الحاضرة على الفائتة ، ووجوب الابتداء بها مطلقاً إلاّ أنّ قوله(عليه السلام): «وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة» ظاهر في أنّ الفائتة هي الفائتة المتّصلة بالحاضرة كما لا يخفى .
وأمّا رواية عمرو بن يحيى فهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى؟ قال: «يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها . . .»(2) وهذه الرواية كالتي قبلها ممّا عبّر فيه بهذه العبارة وهي انكشاف الحال ، وقد دخل وقت صلاة اُخرى وإن كانت في بادئ النظر ظاهرة في الاطلاق ، إلاّ أنّ المنساق إلى الذهن منها ، والمتبادر عند أهل العرف هو أنّ المراد بصلاة اُخرى هي الصلاة التي تكون بعد الفائتة متّصلة بها .
بقي في هذا المقام روايتان:
1 ـ
ما رواه أبو بصير قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر؟ قال: «يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة ، فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثمّ تقضي التي نسيت»(3) وهذه الرواية مضافاً إلى أنّها مشعرة بتباين وقتي الظهرين ، كما يقول به العامّة ، لا دلالة لها إلاّ على مجرّد ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها .
2 ـ
ما رواه صفوان بن يحيى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي
- (1) الكافي 3: 293 ح5 ; التهذيب 2 : 269 ح1071; الوسائل 4: 291 . أبواب المواقيت ب63 ح2 .
- (2) التهذيب 2: 46 ح149; الاستبصار 1: 297 ح1098; الوسائل 4: 313 . أبواب القبلة ب9 ح5 .
- (3) الكافي 3: 292 ح2; التهذيب 2: 172 ح684 وص268 ح1069; الإستبصار 1: 287 ح1050; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب62 ح8 .
(الصفحة 148)
الظهر حتّى غربت الشمس ، وقد كان صلّى العصر؟ فقال: كان أبو جعفر(عليه السلام) أو كان أبي(عليه السلام) يقول: «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثمّ صلاّها»(1) .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى التأمّل في الروايات التي استدلّ بها على المضايقة أنه لا دلالة لشيء منها على لزوم فورية القضاء الذي هو واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة ، وكذا لا دلالة لها على ترتّب الحاضرة على الفائتة مطلقاً ، بل القدر المتيقّن الذي تدلّ عليه هو ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها ، أو الشريكة للمتّصلة في الوقت ، سواء كانت المتّصلة حينئذ فائتة أيضاً كما هو المفروض في رواية زرارة الطويلة أم لم تكن كذلك ، كما هو المفروض في رواية صفوان الأخيرة .
وليس في البين دليل يوجب إلغاء الخصوصية بعد كون الاشتراط واعتبار ترتّب الحاضرة على الفائتة يحتاج إلى الدليل ، وأمّا العدول منها إليها فهو تابع لاعتبار الترتيب ، بمعنى أنّ ما يعتبر فيه الترتيب يجب فيه العدول مع التذكّر في الأثناء ، كما تدلّ عليه رواية زرارة الطويلة فتدبّر جيّداً .
هذا كله مقتضى الروايات الواردة في المضايقة من حيث أنفسها مع قطع النظر عن المعارضات ، ولابدّ من ملاحظتها أيضاً ، ونقول قبل إيراد المعارضات والنظر فيها: إنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة الذي هو عمدة المطالب الثلاثة المتقدّمة ، هل هو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً مستقلاًّ لصحّة الحاضرة ، بحيث كانت كثرة الشروط وقلّتها دائرة مدار قلّة الفوائت وكثرتها ، أو بمعنى كون مجموعها شرطاً واحداً في صحة الحاضرة ، ومرجعها إلى أنّ الشرط هو فراغ الذمّة وعدم اشتغالها بالفائتة
- (1) الكافي 3 : 293 ح6 ; التهذيب 2: 269 ح1073; الوسائل 4 : 289 . أبواب المواقيت ب62 ح7 .
(الصفحة 149)
أصلا ، أو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، وهي أيضاً شرط لصحّة اللاحقة بها المتّصلة إليها ، وهكذا ، فتكون مدخليّة الفائتة الاُولى في الحاضرة الموجودة من قبيل شرط الشرط وشرط شرط الشرط ، وهكذا كما لا يخفى؟ .
ويترتّب على ذلك أنه لو كانت عليه فوائت وصلّى الظهرين الحاضرتين مثلا ذاهلا عن ثبوت الفوائت على عهدته ، لا محالة تقعان حينئذ صحيحتين لأجل الغفلة والذهول ، فحينئذ يجوز له الدخول في العشائين ولو مع الالتفات إلى الفوائت بناءً على الاحتمال الأخير .
لأنّ الشرط في صحّتهما هو الإتيان بالسابقة المتّصلة بهما وهي العصر ، أو مجموع الظهرين بناءً على اشتراك الشريكتين في الوقت في اشتراط الإتيان بهما في صحة اللاحقة ، كما عرفت أنه يستفاد من رواية زرارة الطويلة وغيرها ، والمفروض في المثال تحقق السابقة صحيحة لأجل الغفلة والذهول عن الفوائت ، فيجوز الدخول في اللاحقة ولو مع الالتفات .
وهذا بخلاف الاحتمالين الأوّلين ، فإنه بناءً عليهما لابد من إفراغ الذمّة من الفوائت ليتحقّق شرط صحة الحاضرة أو شروطها ، وأمّا الثمرة بين الاحتمالين فتظهر فيما لو تعذر الإتيان ببعض الفوائت لأجل ضيق الوقت مثلا ، فإنه لا يسقط الباقي عن الشرطية بناءً على الاحتمال الأول ، لاستقلال كلّ واحدة منها بالشرطية .
وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فلايكون تحصيل الشرط مقدوراً ، لأنّ المفروض أنّ الشرط هو إفراغ الذمّة عن الاشتغال بالفوائت وهو متعذّر ، فيسقط عن الشرطية ، فلا موجوب للإتيان بالمقدورة منها .
إذا عرفت ذلك نقول: الظاهر أنه لا يظهر من أحد من الأصحاب الالتزام بالاحتمال الثاني ، وكذا الاحتمال الثالث ، وأمّا الاحتمال الأول فالالتزام به أيضاً لا
(الصفحة 150)
يمكن بعد عدم الالتزام بالاحتمال الثالث ، لأنّه بعد ما لم تكن كلّ سابقة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، كيف يمكن الالتزام بأنّ الفوائت السابقة كلّ واحدة منها شرط مستقل لصحّة الحاضرة كما لا يخفى ، وسيأتي التكلّم في هذه الجهة إن شاء الله تعالى .
ولنرجع إلى الروايات الدالّة على المواسعة التي سردها صاحب الجواهر(قدس سره)(1)ويبلغ مجموعها إلى تسع عشرة رواية ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ، حيث أنّ أكثرها يدلّ على عدم وجوب المبادرة ونفي الفورية ، وجملة منها على عدم اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة ، وبعضها عدم وجوب العدول .
أمّا ما يدلّ منها على عدم وجوب المبادرة:
فمنها:
ذيل رواية زرارة الطويلة المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم الإتيان بالعشائين الفائتتين فيما إذا خشي أن تفوته الغداة إن بدأ بالمغرب بعد الغداة فوراً ، بل يجوز تأخير هما إلى بعد شعاع الشمس ، معلّلا بعدم خوف الفوت بالنسبة إليهما .
ومنها:
ما رواه الشهيد في محكيّ الذكرى عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة» ، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عيينة وأصحابه ، فقبلوا ذلك منّي ، فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر(عليه السلام) ، فحدّثني أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا ، فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس ، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة» . وقال: يا بلال أذّن ، فأذّن ، فصلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر وأمر