(الصفحة 141)
على ذلك التقدير أيضاً لا دلالة لها على الوجوب ، لأنها حكاية فعل وهو أعمّ من الوجوب .
ومنه يظهر عدم دلالتها على الفورية أيضاً كما لا يخفى .
وأمّا قصة التعريس فهي ـ مضافاً إلى كونها مخالفة لأصول مذهب الإمامية أيضاً ـ تدلّ على عدم وجوب الفورية بل وعدم وجوب الترتّب ، ولذا لا يجتمع فتوى من يقول منهم بالفوريّة مع الرواية المشتملة على هذه القصّة التي تكون معتبرة عندهم .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنه لو قطعنا النظر عن محيط الإمامية القائلين بحجيّة قول العترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين ، وفرضنا أنفسنا في محيط التسنّن المقتصرين أهله على الاستناد إلى الروايات المنقولة عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) المروية بطرقهم المضبوطة في جوامعهم ، لما كان محيص عن القول بعدم وجوب الفورية ، كما قال به الشافعي(1) .
وأمّا دعوى اشتراط الترتيب بكلّ حال وعدم انعقاد صلاة فريضة وعليه صلاة ، كما ذهب إليه الزهري والنخعي ، أو التفصيل بين ما إذا ذكرها وهو في فريضة حاضرة ، فيتمّها إستحباباً ويأتي بالفائتة ، ثمّ يقضي التي أتمّها ، وبين ما إذا ذكرها قبل الدخول في غيرها ، فعليه أن يأتي بالفائتة ثمّ بصلاة الوقت . كلّ ذلك لم يدخل في التكرار ، فإن دخل فيه سقط الترتيب كما ذهب إليه مالك وبعض آخر .
أو القول بأنه إن ذكرها وهو في اُخرى أتمّها واجباً ، ثمّ قضى الفائتة ، ثمّ أعاد التي أتمّها واجباً ، المستلزم لوجوب ظهرين في يوم واحد ، وإن ذكرها قبل الدخول في اُخرى فعليه أن يأتي بالفائتة ، كما قال به أحمد . وقال أيضاً: بأنه لو ذكر الرجل في
- (1) المجموع 3: 70 ; المغني لابن قدامة 1 : 676 ; الشرح الكبير 1 : 483 .
(الصفحة 142)
كبره صلاة فائتة في صغره فعليه أن يأتي بالفائتة وبكلّ صلاة صلاّها بعدها .
أو القول بأنه إن دخلت الفوائت في التكرار وهو إن صارت ستّاً سقط الترتيب ، وإن كانت خمساً ففيه روايتان ، وإن كانت أربعاً نظرت ، فإن كان الوقت ضيقاً متى تشاغل بغير صلاة الوقت فعليه أن يأتي بصلاة الوقت ثمّ يقضي ما فاته ، وإن كان الوقت واسعاً نظر ، فإن ذكرها وهو في اُخرى بطلت فيأتي بالفائتة ثمّ بصلاة الوقت ، وإن لم يذكر حتّى فرغ من الصلاة قضى الفائتة وأجزأه ، كما قال به أبو حنيفة(1) .
فكلّ ذلك ممّا لا وجه له ولا دليل ، لأنّ ما رووه في هذا الباب منحصر فيما نقلناه عن جوامعهم ، وليس في شيء منها الدلالة على شيء من هذه الفتاوى كما هو واضح . هذا كلّه مقتضى رواياتهم في هذا الباب .
وأمّا ما رواه الخاصّة في هذا الباب الذي استدلّ به للقول بالمضايقة ، وتوهّم دلالته على شيء من المطالب الثلاثة المتقدّمة التي هي عمدة ما يدور عليه هذا القول ، فهي روايات كثيرة ، ولكنّها على طائفتين:
الطائفة الاُولى:
الأخبار الدالّة على وجوب القضاء متى ما ذكر الفوات ، وهي كثيرة:
منها:
ما رواه زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها»(2) .
ومنها:
رواية اُخرى لزرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) ، أنّه قال: «أربع صلوات يصلّيها
- (1) المجموع 3: 70; المغني لابن قدامة 1: 607; الخلاف 1: 382 ـ 384 مسألة 139 .
- (2) الكافي 3: 292 ح3; التهذيب 2: 172 ح685 وج3: 159 ح341; الفقيه 1: 278 ح1265; الوسائل 8: 256 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح3 و1 .
(الصفحة 143)
الرجل في كلّ ساعة: صلاة فاتتك ، فمتى ذكرتها أدّيتها . . .»(1) .
ومنها:
مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال: «يصلّيها حين يذكرها ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلاّها حين استيقظ ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(2) . وغير ذلك ممّا يدلّ على هذا المضمون ، وقد عرفت فيما تقدّم عدم دلالة مثل ذلك على الفورية ، لأنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد وجوب الإتيان بالقضاء عند وجود الذكر لا عند حدوثه ، حتّى يدلّ على التوقيت أو مجرّد الفورية .
الطائفة الثانية:
الأخبار الدالّة على لزوم مراعات الترتيب بين الحاضرة والفائتة في الجملة ، وهي روايات كثيرة أيضاً; ثلاث منها لزرارة والراوي عنه في إحداها حريز ، وفي الاُخرى عبيد «إبنه» ، وفي الثالثة ابن اُذينة ، ورابعها رواية أبي بصير ، وخامسها رواية معمر بن يحيى ، وسادسها رواية عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، وسابعها رواية صفوان .
أمّا ما رواه حريز عن زرارة فهي رواية طويلة مروية عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ، ثمّ صلّها ، ثم صلّ ما بعدها بإقامة ، إقامة لكلّ صلاة» وقال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «وإن كنت قد صلّيت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلّ الغداة أيّ ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها» . وقال: «إذا نسيت الظهر حتّى صلّيت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاُولى ثمّ صلّ العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع ، وإن ذكرت أنّك لم تصلّ الاُولى
- (1) الكافي 3: 292 ح3; التهذيب 2: 172 ح685 وج3: 159 ح341; الفقيه 1: 278 ح1265; الوسائل 8: 256 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح3 و1 .
- (2) الكافي 3: 294 ح8; الوسائل 8 : 267 . أبواب قضاء الصلوات ب5 ح1 .
(الصفحة 144)
وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاُولى ، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب ، فإن كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر .
وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ، ثمّ تسلّم ثمّ تصلّي المغرب ، فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الاُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، إبدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صلّ الغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب والعشاء إبدأ بأوّلهما ، لأنهما جميعاً قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس» . قال: قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها»(1) .
وقد تكلّمنا في بعض ما يتعلّق بهذه الرواية في بعض المباحث المتقدّمة ، ويستفاد من سياقها الإشعار بما هو المعروف عند العامّة من تباين وقتي صلاتي الظهر والعصر وكذا العشائين .
وكيف كان ، فغاية مدلولها إعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة بالنسبة إلى صلوات يوم وليلة لا أزيد ، في خصوص صورة اتّصال الحاضرة بالفائتة وعدم
- (1) الكافي 3: 291 ح1; التهذيب 3: 158 ح340; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب63 ح1 .
(الصفحة 145)
الفصل بينهما .
لأنّ غاية مفادها ترتّب الظهر الحاضرة على الغداة الفائتة ، وكذا العصر على الظهر ، والمغرب على العصر ، والعشاء على المغرب ، والغداة على العشائين معاً ، ولا دلالة لها على أزيد ممّا ذكر من اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة السابقة المتّصلة بالحاضرة ، أو الشريكة للمتّصلة في الوقت ، لدلالتها على ترتّب الغداة الحاضرة على المغرب الفائتة أيضاً ، باعتبار شركتها مع العشاء الفائتة المتّصلة في الوقت .
ويستفاد منه بعد إلغاء الخصوصية من حيث المغرب والعشاء إعتبار الترتيب بين المغرب الحاضرة والظهر الفائتة أيضاً ، لاشتراكها مع العصر الفائتة المتّصلة في الوقت ، لكن في خصوص صورة فوات السابقة أيضاً كما في المغرب والعشاء .
وبالجملة:
فما يستفاد من الرواية ليس إلاّ اعتبار الترتيب في خصوص صلوات يوم وليلة ، مع اتّصال الحاضرة بالفائتة ، أو اشتراك الفائتة غير المتّصلة مع المتّصلة بحسب الوقت مع فرض فوتها أيضاً .
ودعوى إنّه لا مجال لتوهم الاختصاص ، مدفوعة بمنع ذلك بعد كون المعروف في ذلك الزمان بين المسلمين الذين كانوا يراجعون إلى مثل أبي حنيفة ذلك ، كما عرفت آنفاً عند نقل أقوال العامّة ، نعم ذيلها يدلّ على عدم لزوم مراعات الفورية ، باعتبار قوله(عليه السلام) في مقام تعليل تأخير قضاء العشائين إلى بعد شعاع الشمس ، فيما لو خشي أن تفوته الغداة إن بدأ بالمغرب: «لأنّك لست تخاف فوتها» .
أمّا ما رواه عنه عبيد «إبنه» فهي ما رواه عن أبي جعفر(عليه السلام) أيضاً قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اُخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول:
{أقم الصلاة