(الصفحة 147)
أتمّها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(1) ، وهذه الرواية وإن كان صدرها مطلقاً ، ظاهراً في ترتّب الحاضرة على الفائتة ، ووجوب الابتداء بها مطلقاً إلاّ أنّ قوله(عليه السلام): «وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة» ظاهر في أنّ الفائتة هي الفائتة المتّصلة بالحاضرة كما لا يخفى .
وأمّا رواية عمرو بن يحيى فهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى؟ قال: «يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها . . .»(2) وهذه الرواية كالتي قبلها ممّا عبّر فيه بهذه العبارة وهي انكشاف الحال ، وقد دخل وقت صلاة اُخرى وإن كانت في بادئ النظر ظاهرة في الاطلاق ، إلاّ أنّ المنساق إلى الذهن منها ، والمتبادر عند أهل العرف هو أنّ المراد بصلاة اُخرى هي الصلاة التي تكون بعد الفائتة متّصلة بها .
بقي في هذا المقام روايتان:
1 ـ
ما رواه أبو بصير قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر؟ قال: «يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة ، فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثمّ تقضي التي نسيت»(3) وهذه الرواية مضافاً إلى أنّها مشعرة بتباين وقتي الظهرين ، كما يقول به العامّة ، لا دلالة لها إلاّ على مجرّد ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها .
2 ـ
ما رواه صفوان بن يحيى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي
- (1) الكافي 3: 293 ح5 ; التهذيب 2 : 269 ح1071; الوسائل 4: 291 . أبواب المواقيت ب63 ح2 .
- (2) التهذيب 2: 46 ح149; الاستبصار 1: 297 ح1098; الوسائل 4: 313 . أبواب القبلة ب9 ح5 .
- (3) الكافي 3: 292 ح2; التهذيب 2: 172 ح684 وص268 ح1069; الإستبصار 1: 287 ح1050; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب62 ح8 .
(الصفحة 148)
الظهر حتّى غربت الشمس ، وقد كان صلّى العصر؟ فقال: كان أبو جعفر(عليه السلام) أو كان أبي(عليه السلام) يقول: «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثمّ صلاّها»(1) .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى التأمّل في الروايات التي استدلّ بها على المضايقة أنه لا دلالة لشيء منها على لزوم فورية القضاء الذي هو واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة ، وكذا لا دلالة لها على ترتّب الحاضرة على الفائتة مطلقاً ، بل القدر المتيقّن الذي تدلّ عليه هو ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها ، أو الشريكة للمتّصلة في الوقت ، سواء كانت المتّصلة حينئذ فائتة أيضاً كما هو المفروض في رواية زرارة الطويلة أم لم تكن كذلك ، كما هو المفروض في رواية صفوان الأخيرة .
وليس في البين دليل يوجب إلغاء الخصوصية بعد كون الاشتراط واعتبار ترتّب الحاضرة على الفائتة يحتاج إلى الدليل ، وأمّا العدول منها إليها فهو تابع لاعتبار الترتيب ، بمعنى أنّ ما يعتبر فيه الترتيب يجب فيه العدول مع التذكّر في الأثناء ، كما تدلّ عليه رواية زرارة الطويلة فتدبّر جيّداً .
هذا كله مقتضى الروايات الواردة في المضايقة من حيث أنفسها مع قطع النظر عن المعارضات ، ولابدّ من ملاحظتها أيضاً ، ونقول قبل إيراد المعارضات والنظر فيها: إنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة الذي هو عمدة المطالب الثلاثة المتقدّمة ، هل هو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً مستقلاًّ لصحّة الحاضرة ، بحيث كانت كثرة الشروط وقلّتها دائرة مدار قلّة الفوائت وكثرتها ، أو بمعنى كون مجموعها شرطاً واحداً في صحة الحاضرة ، ومرجعها إلى أنّ الشرط هو فراغ الذمّة وعدم اشتغالها بالفائتة
- (1) الكافي 3 : 293 ح6 ; التهذيب 2: 269 ح1073; الوسائل 4 : 289 . أبواب المواقيت ب62 ح7 .
(الصفحة 149)
أصلا ، أو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، وهي أيضاً شرط لصحّة اللاحقة بها المتّصلة إليها ، وهكذا ، فتكون مدخليّة الفائتة الاُولى في الحاضرة الموجودة من قبيل شرط الشرط وشرط شرط الشرط ، وهكذا كما لا يخفى؟ .
ويترتّب على ذلك أنه لو كانت عليه فوائت وصلّى الظهرين الحاضرتين مثلا ذاهلا عن ثبوت الفوائت على عهدته ، لا محالة تقعان حينئذ صحيحتين لأجل الغفلة والذهول ، فحينئذ يجوز له الدخول في العشائين ولو مع الالتفات إلى الفوائت بناءً على الاحتمال الأخير .
لأنّ الشرط في صحّتهما هو الإتيان بالسابقة المتّصلة بهما وهي العصر ، أو مجموع الظهرين بناءً على اشتراك الشريكتين في الوقت في اشتراط الإتيان بهما في صحة اللاحقة ، كما عرفت أنه يستفاد من رواية زرارة الطويلة وغيرها ، والمفروض في المثال تحقق السابقة صحيحة لأجل الغفلة والذهول عن الفوائت ، فيجوز الدخول في اللاحقة ولو مع الالتفات .
وهذا بخلاف الاحتمالين الأوّلين ، فإنه بناءً عليهما لابد من إفراغ الذمّة من الفوائت ليتحقّق شرط صحة الحاضرة أو شروطها ، وأمّا الثمرة بين الاحتمالين فتظهر فيما لو تعذر الإتيان ببعض الفوائت لأجل ضيق الوقت مثلا ، فإنه لا يسقط الباقي عن الشرطية بناءً على الاحتمال الأول ، لاستقلال كلّ واحدة منها بالشرطية .
وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فلايكون تحصيل الشرط مقدوراً ، لأنّ المفروض أنّ الشرط هو إفراغ الذمّة عن الاشتغال بالفوائت وهو متعذّر ، فيسقط عن الشرطية ، فلا موجوب للإتيان بالمقدورة منها .
إذا عرفت ذلك نقول: الظاهر أنه لا يظهر من أحد من الأصحاب الالتزام بالاحتمال الثاني ، وكذا الاحتمال الثالث ، وأمّا الاحتمال الأول فالالتزام به أيضاً لا
(الصفحة 150)
يمكن بعد عدم الالتزام بالاحتمال الثالث ، لأنّه بعد ما لم تكن كلّ سابقة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، كيف يمكن الالتزام بأنّ الفوائت السابقة كلّ واحدة منها شرط مستقل لصحّة الحاضرة كما لا يخفى ، وسيأتي التكلّم في هذه الجهة إن شاء الله تعالى .
ولنرجع إلى الروايات الدالّة على المواسعة التي سردها صاحب الجواهر(قدس سره)(1)ويبلغ مجموعها إلى تسع عشرة رواية ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ، حيث أنّ أكثرها يدلّ على عدم وجوب المبادرة ونفي الفورية ، وجملة منها على عدم اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة ، وبعضها عدم وجوب العدول .
أمّا ما يدلّ منها على عدم وجوب المبادرة:
فمنها:
ذيل رواية زرارة الطويلة المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم الإتيان بالعشائين الفائتتين فيما إذا خشي أن تفوته الغداة إن بدأ بالمغرب بعد الغداة فوراً ، بل يجوز تأخير هما إلى بعد شعاع الشمس ، معلّلا بعدم خوف الفوت بالنسبة إليهما .
ومنها:
ما رواه الشهيد في محكيّ الذكرى عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة» ، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عيينة وأصحابه ، فقبلوا ذلك منّي ، فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر(عليه السلام) ، فحدّثني أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا ، فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس ، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة» . وقال: يا بلال أذّن ، فأذّن ، فصلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر وأمر
(الصفحة 151)
أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح ، ثمّ قال: «من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول:
{وأقم الصلاة لذكري}»(1) .
قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه ، فقال: نقضت حديثك الأول ، فقدمت على أبي جعفر(عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم ، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأنّ ذلك كان قضاء من رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟»(2) .
ومنها:
مضمرة سماعة الواردة في الواقعة التي رواها زرارة ، حيث قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال: «يصلّيها حين يذكرها ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلاّها حين استيقظ ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(3) .
ومنها:
رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخِّرها فيقضيها بالليل»(4) ، والظاهر أنّ النهي عن قضاء الصلاة ـ فريضة كانت أو نافلة ـ بالنهار إنّما هو لأجل كون المسافر على الراحلة في النهار دون الليل ، ولكنّها تدلّ مع ذلك على عدم لزوم المبادرة كما لا يخفى .
ومنها:
رواية إسماعيل بن جابر المروية في محكيّ الذكرى قال: سقطت عن بعير فانقلبت على أمّ رأسي ، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ ، فسألته عن ذلك؟
- (1) طه : 14 .
- (2) الذكرى 2 : 422; الوسائل 4: 285 . أبواب المواقيت ب61 ح6 ، والتعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة « مجمع البحرين 4: 86 » .
- (3) الكافي 3 : 294 ، ح8; الوسائل 8: 267 . أبواب قضاء الصلوات ب5 ح1 .
- (4) التهذيب 2: 272 ح1081; الاستبصار 1: 289 ح1057; الوسائل 8: 258 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح6 .