(الصفحة 149)
أصلا ، أو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، وهي أيضاً شرط لصحّة اللاحقة بها المتّصلة إليها ، وهكذا ، فتكون مدخليّة الفائتة الاُولى في الحاضرة الموجودة من قبيل شرط الشرط وشرط شرط الشرط ، وهكذا كما لا يخفى؟ .
ويترتّب على ذلك أنه لو كانت عليه فوائت وصلّى الظهرين الحاضرتين مثلا ذاهلا عن ثبوت الفوائت على عهدته ، لا محالة تقعان حينئذ صحيحتين لأجل الغفلة والذهول ، فحينئذ يجوز له الدخول في العشائين ولو مع الالتفات إلى الفوائت بناءً على الاحتمال الأخير .
لأنّ الشرط في صحّتهما هو الإتيان بالسابقة المتّصلة بهما وهي العصر ، أو مجموع الظهرين بناءً على اشتراك الشريكتين في الوقت في اشتراط الإتيان بهما في صحة اللاحقة ، كما عرفت أنه يستفاد من رواية زرارة الطويلة وغيرها ، والمفروض في المثال تحقق السابقة صحيحة لأجل الغفلة والذهول عن الفوائت ، فيجوز الدخول في اللاحقة ولو مع الالتفات .
وهذا بخلاف الاحتمالين الأوّلين ، فإنه بناءً عليهما لابد من إفراغ الذمّة من الفوائت ليتحقّق شرط صحة الحاضرة أو شروطها ، وأمّا الثمرة بين الاحتمالين فتظهر فيما لو تعذر الإتيان ببعض الفوائت لأجل ضيق الوقت مثلا ، فإنه لا يسقط الباقي عن الشرطية بناءً على الاحتمال الأول ، لاستقلال كلّ واحدة منها بالشرطية .
وأمّا بناءً على الاحتمال الثاني فلايكون تحصيل الشرط مقدوراً ، لأنّ المفروض أنّ الشرط هو إفراغ الذمّة عن الاشتغال بالفوائت وهو متعذّر ، فيسقط عن الشرطية ، فلا موجوب للإتيان بالمقدورة منها .
إذا عرفت ذلك نقول: الظاهر أنه لا يظهر من أحد من الأصحاب الالتزام بالاحتمال الثاني ، وكذا الاحتمال الثالث ، وأمّا الاحتمال الأول فالالتزام به أيضاً لا
(الصفحة 150)
يمكن بعد عدم الالتزام بالاحتمال الثالث ، لأنّه بعد ما لم تكن كلّ سابقة شرطاً لصحّة اللاحقة المتّصلة بها ، كيف يمكن الالتزام بأنّ الفوائت السابقة كلّ واحدة منها شرط مستقل لصحّة الحاضرة كما لا يخفى ، وسيأتي التكلّم في هذه الجهة إن شاء الله تعالى .
ولنرجع إلى الروايات الدالّة على المواسعة التي سردها صاحب الجواهر(قدس سره)(1)ويبلغ مجموعها إلى تسع عشرة رواية ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ، حيث أنّ أكثرها يدلّ على عدم وجوب المبادرة ونفي الفورية ، وجملة منها على عدم اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة ، وبعضها عدم وجوب العدول .
أمّا ما يدلّ منها على عدم وجوب المبادرة:
فمنها:
ذيل رواية زرارة الطويلة المتقدّمة الدالّة على عدم لزوم الإتيان بالعشائين الفائتتين فيما إذا خشي أن تفوته الغداة إن بدأ بالمغرب بعد الغداة فوراً ، بل يجوز تأخير هما إلى بعد شعاع الشمس ، معلّلا بعدم خوف الفوت بالنسبة إليهما .
ومنها:
ما رواه الشهيد في محكيّ الذكرى عن زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فلا صلاة نافلة حتّى يبدأ بالمكتوبة» ، قال: فقدمت الكوفة فأخبرت الحكم بن عيينة وأصحابه ، فقبلوا ذلك منّي ، فلمّا كان في القابل لقيت أبا جعفر(عليه السلام) ، فحدّثني أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) عرس في بعض أسفاره وقال: من يكلؤنا؟ فقال بلال: أنا ، فنام بلال وناموا حتّى طلعت الشمس ، فقال: يا بلال ما أرقدك؟ فقال: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) أخذ بنفسي الذي أخذ بأنفاسكم ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «قوموا فتحوّلوا عن مكانكم الذي أصابكم فيه الغفلة» . وقال: يا بلال أذّن ، فأذّن ، فصلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله) ركعتي الفجر وأمر
(الصفحة 151)
أصحابه فصلّوا ركعتي الفجر ، ثمّ قام فصلّى بهم الصبح ، ثمّ قال: «من نسي شيئاً من الصلاة فليصلّها إذا ذكرها ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول:
{وأقم الصلاة لذكري}»(1) .
قال زرارة: فحملت الحديث إلى الحكم وأصحابه ، فقال: نقضت حديثك الأول ، فقدمت على أبي جعفر(عليه السلام) فأخبرته بما قال القوم ، فقال: يا زرارة ألا أخبرتهم أنه قد فات الوقتان جميعاً ، وأنّ ذلك كان قضاء من رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟»(2) .
ومنها:
مضمرة سماعة الواردة في الواقعة التي رواها زرارة ، حيث قال: سألته عن رجل نسي أن يصلّي الصبح حتّى طلعت الشمس؟ قال: «يصلّيها حين يذكرها ، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) رقد عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس ثمّ صلاّها حين استيقظ ، ولكنّه تنحّى عن مكانه ذلك ثمّ صلّى»(3) .
ومنها:
رواية عمّار بن موسى عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن الرجل ينام عن الفجر حتّى تطلع الشمس وهو في سفر ، كيف يصنع؟ أيجوز له أن يقضي بالنهار؟ قال: «لا يقضي صلاة نافلة ولا فريضة بالنهار ، ولا يجوز له ولا يثبت له ، ولكن يؤخِّرها فيقضيها بالليل»(4) ، والظاهر أنّ النهي عن قضاء الصلاة ـ فريضة كانت أو نافلة ـ بالنهار إنّما هو لأجل كون المسافر على الراحلة في النهار دون الليل ، ولكنّها تدلّ مع ذلك على عدم لزوم المبادرة كما لا يخفى .
ومنها:
رواية إسماعيل بن جابر المروية في محكيّ الذكرى قال: سقطت عن بعير فانقلبت على أمّ رأسي ، فمكثت سبع عشرة ليلة مغمى عليّ ، فسألته عن ذلك؟
- (1) طه : 14 .
- (2) الذكرى 2 : 422; الوسائل 4: 285 . أبواب المواقيت ب61 ح6 ، والتعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة « مجمع البحرين 4: 86 » .
- (3) الكافي 3 : 294 ، ح8; الوسائل 8: 267 . أبواب قضاء الصلوات ب5 ح1 .
- (4) التهذيب 2: 272 ح1081; الاستبصار 1: 289 ح1057; الوسائل 8: 258 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح6 .
(الصفحة 152)
فقال: «إقض مع كلّ صلاة صلاةً»(1) .
ومنها :
ما رواه ابن طاووس عن قرب الإسناد للحميري ، عن عبدالله بن الحسن ، عن جدّه عليّ بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر(عليهما السلام) ، قال: وسألته عن رجل نسي المغرب حتّى دخل وقت العشاء الآخرة؟ قال: «يصلّي العشاء ثمّ المغرب» . وسألته عن رجل نسي العشاء فذكر بعد طلوع الفجر كيف يصنع؟ قال: «يصلّي العشاء ثمّ الفجر» . وسألته عن رجل نسي الفجر حتّى حضرت الظهر؟ قال: «يبدأ بالظهر ، ثمّ يصلّي الفجر ، كذلك كلّ صلاة بعدها صلاة»(2) ، وصدرها ظاهر فيما يقول به العامّة من تباين وقتي العشائين ، فالحكم بوجوب تقديم العشاء على المغرب موافق لهم .
ومنها:
ما حكي عن ابن طاووس أنّه وجد في أمالي السيّد أبي طالب عليّ بن الحسين الحسني بسند متّصل إلى جابر بن عبدالله قال : قال رجل: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله)وكيف أقضي؟ قال: «صلّ مع كلّ صلاة مثلها» . قال: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله) قبل أم بعد؟ قال: «قبل»(3) .
ومنها:
ما رواه عمّار الساباطي قال: قال سليمان بن خالد لأبي عبدالله(عليه السلام) وأنا جالس: إنّي منذ عرفت هذا الأمر اُصلّي في كلّ يوم صلاتين ، أقضي ما فاتني قبل معرفتي ، قال: «لا تفعل ، فإنّ الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت الصلاة»(4) .
- (1) الذكرى 2: 427; الوسائل 8: 267 . أبواب قضاء الصلوات ب4 ح15 .
- (2) رسالة عدم المضايقة المطبوع في مجلّة تراثنا 7 : 339; قرب الاسناد: 169ـ170 ح738 ـ 740; الوسائل 8: 255 . أبواب قضاء الصلوات ب1 ح7 ـ 9 .
- (3) رسالة عدم المضايقة المطبوع في مجلّة تراثنا 7 : 344; بحار الانوار 85: 331 .
- (4) الذكرى2 : 432; اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي : 361 رقم 677; الوسائل 1: 127 . أبواب مقدّمة العبادات ب31 ح4 .
(الصفحة 153)
ومنها:
الروايات المتعدّدة التي رواها جماعة من الصحابة كابن مسلم والحلبي وغيرهما ، وربما تبلغ خمس روايات ، وهي تدلّ على جواز قضاء الفائتة أيّ ساعة شاء المكلّف ، كصحيح ابن مسلم قال: سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار؟ قال: «يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء»(1) .
وصحيح الحلبي قال: سئل أبو عبدالله(عليه السلام) عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: «متى شاء ، إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء»(2) .
وصحيح ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول: «صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار»(3) .
وخبر عنبسة العابد قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن قول الله عزّوجل:
{وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً}(4) قال: «قضاء صلاة الليل بالنهار وصلاة النهار بالليل»(5) .
والمرسل عن الصادق(عليه السلام) أيضاً قال: «كلّ ما فاتك من صلاة الليل فاقضه بالنهار ، قال الله تبارك وتعالى:
{وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكوراً}»(6) .
وأمّا ما يدلّ على عدم اعتبار الترتيب:
فمنها:
خبر جابر المتقدّم .
ومنها:
رواية إسماعيل بن جابر المتقدّمة .
- (1) الكافي 3: 452 ح7 ; التهذيب 2: 163 ح640;الوسائل 4 : 241 . أبواب المواقيت ب39 ح6 .
- (2) الكافي 3: 452 ح6; التهذيب 2: 163 ح639; الوسائل 4: 41 . أبواب المواقيت ب39 ح7 .
- (3) التهذيب 2: 174 ح692; الإستبصار 1: 290 ح1063; الوسائل 4: 243 . أبواب المواقيت ب39 ح12 .
- (4) الفرقان : 62 .
- (5) التهذيب 2: 275 ح1093; الوسائل 4: 275 . أبواب المواقيت ب57 ح2 .
- (6) الفقيه 1 : 315 ح1428 ; الوسائل 4: 275 . أبواب المواقيت ب57 ح4 .