(الصفحة 144)
وأنت في صلاة العصر وقد صلّيت منها ركعتين فانوها الاُولى ، ثمّ صلّ الركعتين الباقيتين وقم فصلّ العصر ، وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصلّ العصر حتّى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصلّ العصر ثمّ صلّ المغرب ، فإن كنت قد صلّيت المغرب فقم فصلّ العصر .
وإن كنت قد صلّيت من المغرب ركعتين ثمّ ذكرت العصر فانوها العصر ثمّ قم فأتمّها ركعتين ، ثمّ تسلّم ثمّ تصلّي المغرب ، فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصلّ المغرب ، وإن كنت ذكرتها وقد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثمّ سلّم ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة ، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتّى صلّيت الفجر فصلّ العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الاُولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثمّ قم فصلّ الغداة وأذّن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلّي الغداة ، إبدأ بالمغرب ثمّ العشاء ، فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صلّ الغداة ثمّ صلّ العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصلّ الغداة ثمّ صلّ المغرب والعشاء إبدأ بأوّلهما ، لأنهما جميعاً قضاء أيّهما ذكرت فلا تصلّهما إلاّ بعد شعاع الشمس» . قال: قلت: ولِمَ ذلك؟ قال: «لأنّك لست تخاف فوتها»(1) .
وقد تكلّمنا في بعض ما يتعلّق بهذه الرواية في بعض المباحث المتقدّمة ، ويستفاد من سياقها الإشعار بما هو المعروف عند العامّة من تباين وقتي صلاتي الظهر والعصر وكذا العشائين .
وكيف كان ، فغاية مدلولها إعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة بالنسبة إلى صلوات يوم وليلة لا أزيد ، في خصوص صورة اتّصال الحاضرة بالفائتة وعدم
- (1) الكافي 3: 291 ح1; التهذيب 3: 158 ح340; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب63 ح1 .
(الصفحة 145)
الفصل بينهما .
لأنّ غاية مفادها ترتّب الظهر الحاضرة على الغداة الفائتة ، وكذا العصر على الظهر ، والمغرب على العصر ، والعشاء على المغرب ، والغداة على العشائين معاً ، ولا دلالة لها على أزيد ممّا ذكر من اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة السابقة المتّصلة بالحاضرة ، أو الشريكة للمتّصلة في الوقت ، لدلالتها على ترتّب الغداة الحاضرة على المغرب الفائتة أيضاً ، باعتبار شركتها مع العشاء الفائتة المتّصلة في الوقت .
ويستفاد منه بعد إلغاء الخصوصية من حيث المغرب والعشاء إعتبار الترتيب بين المغرب الحاضرة والظهر الفائتة أيضاً ، لاشتراكها مع العصر الفائتة المتّصلة في الوقت ، لكن في خصوص صورة فوات السابقة أيضاً كما في المغرب والعشاء .
وبالجملة:
فما يستفاد من الرواية ليس إلاّ اعتبار الترتيب في خصوص صلوات يوم وليلة ، مع اتّصال الحاضرة بالفائتة ، أو اشتراك الفائتة غير المتّصلة مع المتّصلة بحسب الوقت مع فرض فوتها أيضاً .
ودعوى إنّه لا مجال لتوهم الاختصاص ، مدفوعة بمنع ذلك بعد كون المعروف في ذلك الزمان بين المسلمين الذين كانوا يراجعون إلى مثل أبي حنيفة ذلك ، كما عرفت آنفاً عند نقل أقوال العامّة ، نعم ذيلها يدلّ على عدم لزوم مراعات الفورية ، باعتبار قوله(عليه السلام) في مقام تعليل تأخير قضاء العشائين إلى بعد شعاع الشمس ، فيما لو خشي أن تفوته الغداة إن بدأ بالمغرب: «لأنّك لست تخاف فوتها» .
أمّا ما رواه عنه عبيد «إبنه» فهي ما رواه عن أبي جعفر(عليه السلام) أيضاً قال: «إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت اُخرى ، فإن كنت تعلم أنّك إذا صلّيت التي فاتتك كنت من الاُخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فإنّ الله عزّوجلّ يقول:
{أقم الصلاة
(الصفحة 146)
لذكري}(1) ، وإن كنت تعلم أنك إذا صلّيت التي فاتتك ، فاتتك التي بعدها فابدأ بالّتي أنت في وقتها واقض الاُخرى»(2) والظاهر من صدر هذه الرواية وإن كان هو اعتبار الترتيب بين الحاضرة والفائتة مطلقاً فيما إذا لم يلزم من الابتداء بالفائتة فوت وقت الحاضرة ، إلاّ أنّ ذيلها باعتبار قوله(عليه السلام): «فاتتك التي بعدها» يدلّ على أنّ المراد بالحاضرة هي الحاضرة التي تكون متّصلة بالفائتة ، لظهور كلمة «بعد» في البعدية المتصلة كما لا يخفى .
وأمّا ما رواه عنه عمر بن اُذينة فهي ما رواه عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال: «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحقّ بوقتها فليصلّها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها»(3) .
وأمّا رواية عبد الرحمن بن أبي عبدالله ، فهي ما رواه عن الإمام الصادق(عليه السلام)قال: سألت أباعبدالله(عليه السلام)عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة اُخرى؟ فقال: «إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلّى حين يذكرها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمّها بركعة ثمّ صلّى المغرب ثمّ صلّى العتمة بعدها، وإن كان صلّى العتمة وحده فصلّى منها ركعتين ثمّ ذكر أنه نسي المغرب
- (1) طه: 14 .
- (2) الكافي 3: 293 ح4 ; التهذيب 2: 172 ح686 وص268 ح1070; الاستبصار 1: 287 ح1051; الوسائل 4: 287 . أبواب المواقيت ب62 ح2 .
- (3) الكافي 3: 292 ح3; التهذيب 2: 266 ح1059 وص172 ح685 وج3 : 159 ح341; الاستبصار 1: 286 ح1046; الوسائل 4: 284 . أبواب المواقيت ب61 ح3 وص287 ب62 ح1 وج8 : 256 . أبواب قضاء الصلوات ب2 ح3 .
(الصفحة 147)
أتمّها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات ، ثمّ يصلّي العتمة بعد ذلك»(1) ، وهذه الرواية وإن كان صدرها مطلقاً ، ظاهراً في ترتّب الحاضرة على الفائتة ، ووجوب الابتداء بها مطلقاً إلاّ أنّ قوله(عليه السلام): «وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة» ظاهر في أنّ الفائتة هي الفائتة المتّصلة بالحاضرة كما لا يخفى .
وأمّا رواية عمرو بن يحيى فهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: سألته عن رجل صلّى على غير القبلة ، ثمّ تبيّنت القبلة وقد دخل وقت صلاة اُخرى؟ قال: «يعيدها قبل أن يصلّي هذه التي قد دخل وقتها . . .»(2) وهذه الرواية كالتي قبلها ممّا عبّر فيه بهذه العبارة وهي انكشاف الحال ، وقد دخل وقت صلاة اُخرى وإن كانت في بادئ النظر ظاهرة في الاطلاق ، إلاّ أنّ المنساق إلى الذهن منها ، والمتبادر عند أهل العرف هو أنّ المراد بصلاة اُخرى هي الصلاة التي تكون بعد الفائتة متّصلة بها .
بقي في هذا المقام روايتان:
1 ـ
ما رواه أبو بصير قال: سألته عن رجل نسي الظهر حتّى دخل وقت العصر؟ قال: «يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلاّ أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة ، فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثمّ تقضي التي نسيت»(3) وهذه الرواية مضافاً إلى أنّها مشعرة بتباين وقتي الظهرين ، كما يقول به العامّة ، لا دلالة لها إلاّ على مجرّد ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها .
2 ـ
ما رواه صفوان بن يحيى عن أبي الحسن(عليه السلام) قال: سألته عن رجل نسي
- (1) الكافي 3: 293 ح5 ; التهذيب 2 : 269 ح1071; الوسائل 4: 291 . أبواب المواقيت ب63 ح2 .
- (2) التهذيب 2: 46 ح149; الاستبصار 1: 297 ح1098; الوسائل 4: 313 . أبواب القبلة ب9 ح5 .
- (3) الكافي 3: 292 ح2; التهذيب 2: 172 ح684 وص268 ح1069; الإستبصار 1: 287 ح1050; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب62 ح8 .
(الصفحة 148)
الظهر حتّى غربت الشمس ، وقد كان صلّى العصر؟ فقال: كان أبو جعفر(عليه السلام) أو كان أبي(عليه السلام) يقول: «إن أمكنه أن يصلّيها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلاّ صلّى المغرب ثمّ صلاّها»(1) .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ مقتضى التأمّل في الروايات التي استدلّ بها على المضايقة أنه لا دلالة لشيء منها على لزوم فورية القضاء الذي هو واحد من المطالب الثلاثة المتقدّمة ، وكذا لا دلالة لها على ترتّب الحاضرة على الفائتة مطلقاً ، بل القدر المتيقّن الذي تدلّ عليه هو ترتّب الحاضرة على الفائتة المتّصلة بها ، أو الشريكة للمتّصلة في الوقت ، سواء كانت المتّصلة حينئذ فائتة أيضاً كما هو المفروض في رواية زرارة الطويلة أم لم تكن كذلك ، كما هو المفروض في رواية صفوان الأخيرة .
وليس في البين دليل يوجب إلغاء الخصوصية بعد كون الاشتراط واعتبار ترتّب الحاضرة على الفائتة يحتاج إلى الدليل ، وأمّا العدول منها إليها فهو تابع لاعتبار الترتيب ، بمعنى أنّ ما يعتبر فيه الترتيب يجب فيه العدول مع التذكّر في الأثناء ، كما تدلّ عليه رواية زرارة الطويلة فتدبّر جيّداً .
هذا كله مقتضى الروايات الواردة في المضايقة من حيث أنفسها مع قطع النظر عن المعارضات ، ولابدّ من ملاحظتها أيضاً ، ونقول قبل إيراد المعارضات والنظر فيها: إنّ ترتّب الحاضرة على الفائتة الذي هو عمدة المطالب الثلاثة المتقدّمة ، هل هو بمعنى كون كلّ فائتة شرطاً مستقلاًّ لصحّة الحاضرة ، بحيث كانت كثرة الشروط وقلّتها دائرة مدار قلّة الفوائت وكثرتها ، أو بمعنى كون مجموعها شرطاً واحداً في صحة الحاضرة ، ومرجعها إلى أنّ الشرط هو فراغ الذمّة وعدم اشتغالها بالفائتة
- (1) الكافي 3 : 293 ح6 ; التهذيب 2: 269 ح1073; الوسائل 4 : 289 . أبواب المواقيت ب62 ح7 .