(الصفحة 23)
عدم إمكان التتميم لتخلّل صلاة الإحتياط في البين ، وعدم امكان كونها جابرة ، لانّ المفروض كون الصلاة ناقصة بركعتين أو تصحّ بعد تتميمها بهما متّصلة ، فيما لو كان التبيّن قبل الإتيان بالمنافي ، نظراً إلى عدم الدليل على كون صلاة الإحتياط التي تخلّلت في البين مانعاً عن لحوق الأجزاء الباقية ، أو مبطلا للاجزاء السابقة ، خصوصاً بعد كون الإتيان بها بتخيّل ثبوت الأمر بها؟ وجهان ، لا يبعد ثانيهما .
وهنا وجه ثالث ، وهو الاكتفاء في المثال بركعة اُخرى متّصلة بصلاة الإحتياط .
ولكن الانصاف أنه لا دليل على شيء من الوجوه الثلاثة . نعم ، لا دليل أيضاً على مانعية صلاة الإحتياط المتخلّلة في البين ، أو مبطليتها لعدم صدق عنوان الزيادة عليها ، ولهذه الجهة نفينا البعد عن الوجه الثاني ، فتدبّر .
وإن كان تذكّر النقص قبل الإتيان بصلاة الإحتياط ، فالمشهور أنه داخل في مسألة من تذكّر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد(1) ، فيشمله الأخبار الدالّة على وجوب إلحاق مانقص(2) ، وعلى تقدير المناقشة في دخوله فيها موضوعاً ، نظراً إلى انّ مورد تلك الأخبار خصوص صورة ما لو صدر التسليم منه بزعم الفراغ لا مثل المقام . لا ينبغي الخدشة في اشتراك الموردين في الحكم ، نظراً إلى أنّ الحكم المذكور فيها مطابق للقاعدة . والنصّ والاجماع قائمان على أنّ التسليم المأتيّ به في المقام غير موجب للبطلان ولا يمنع عن الاتمام .
وقد تنظّر في الاشتراك أيضاً بعض الاعاظم من المعاصرين حيث قال في كتاب صلاته : وفيه نظر أيضاً لإمكان أن يكون التسليم هنا مانعاً من ضمّ الركعة المتّصلة ، كما يكون مانعاً منه على تقدير التمامية ، وتدارك المنقوص بالمنفصل لا
- (1) الحدائق 9 : 309; جواهر الكلام 12: 378; كشف اللثام 4: 434; مستند الشيعة 7: 94 .
- (2) الوسائل 8 : 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 .
(الصفحة 24)
دليل عليه ، لاختصاص دليله بما إذا كان باقيا على شكّه في حال الإحتياط ، فإذنّ مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط والاستئناف ، للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما(1) . انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علوّ مقامه .
وأنت خبير بأنّه لا فرق بين مسألة من تذكّر نقص الصلاة بعد التسليم بركعة أو أزيد وبين المقام ، من حيث وقوع التسليم في كلا المقامين سهواً ، غاية الأمر أنّ السهو الذي أوجب التسليم في غير محلّه هناك هو السهو بالمعنى المصطلح المعبّر عنه بالجهل المركّب ، والسهو الذي أوجب التسليم في غير محلّه هنا هو السهو والذهول عن الواقع مع الالتفات إليه ، وهو الذي يعبّر عنه بالجهل البسيط .
ولا دليل على كون التسليم هنا مانعاً من لحوق الأجزاء الباقية ، لو لم نقل بقيام الدليل على العدم ، وهو نفس الأخبار الدالّة على البناء على الأكثر والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ، بضميمة ما ورد من التعليل في بعضها من كونها متمّمة على تقدير النقص(2) ، ضرورة أنّ مقتضى قابليّة الصلاة الناقصة للتتميم بصلاة الإحتياط ، عدم كون التسليم المتخلّل في البين مخرجاً عن الصلاة ، ومانعاً عن صلاحية اللحوق ، وإلاّ لم تصلح الصلاة الناقصة للعلاج بالتتميم بها ، كما أنّ مقتضى وقوع صلاة الإحتياط نافلة على تقدير عدم النقص كونه في تلك الصورة مخرجاً محلّلا .
وبالجملة :
الأمر بالبناء على الأكثر والتسليم في مورد السهو المقارن للتردّد والشكّ ، مع احتمال زواله بمجرّد الفراغ عن الصلاة ، وعدم بقائه إلى انقضاء زمان الإتيان بوظيفة الإحتياط دليل على عدم مانعية التسلم ، وإلاّ فكيف يمكن إيجاب
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 383 .
- (2) الوسائل 8 : 212 ـ 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة .
(الصفحة 25)
التسليم عليه مع هذا الاحتمال .
وإن شئت قلت : إنّ الحكم المجعول في مورد الشكّ في عدد الركعات وهو البناء على الأكثر ، إمّا أن يقال باختصاص مورده بما إذا لم يزل الشكّ بعد الفراغ عن الصلاة قبل الإتيان بصلاة الإحتياط ، وإمّا أن يقال بعدم الاختصاص ، بل يعمّ مفروض المقام أيضاً .
فإن قيل بالأوّل ، فلازمه عدم جواز البناء على الأكثر إلاّ لمن يعلم ببقاء شكّه إلى انقضاء زمان الإتيان بوظيفة الإحتياط ، ومن المعلوم عدم الاختصاص به .
وإن قيل بالثاني ، فلازمه عدم بطلان الصلاة بالتسليم ، لأنه لا يجتمع الحكم بالبناء على الأكثر ثمّ التسليم الذي كان محطّ النظر فيه تصحيح الصلاة التي شكّ فيها بالنسبة إلى ركعاتها مع بطلانهابسبب التسليم في صورة تذكّر النقص التي هي مورد للحكم أيضاً .
فدعوى احتمال كون التسليم هنا مانعاً عن ضمّ الركعة المتّصلة ، كما احتمله(قدس سره) ، ممّا لا وجه لها . ويؤيّد ما ذكرنا أنه لا خلاف بين من تعرّض للمسألة من الأصحاب في الحكم المذكور وهو وجوب ضمّ الركعة أو الركعتين متّصلة ، والعجب أنّه(قدس سره) قد عبّر عنه بقوله :
وقد يقال: مع ما عرفت من عدم الخلاف فيه بين المتعرّضين .
إن قلت :
إنّ مقتضى ما ذكرت هو الإتيان بصلاة الإحتياط مع تذكّر النقص ، لا الإتيان بالركعة أو نحوها متّصلة كما هو المدّعى .
قلت :
إنّ صلاة الإحتياط إنّما هي مجعولة لأن تكون قابلة للتتميم على تقدير النقص ، ولوقوعها نافلة على تقدير عدمه ، فموردها خصوص صورة احتمال النقص وأمّا مع تيقّن النقص فلا مجال لها أصلا .
وإن شئت قلت : لزوم صلاة الإحتياط المشتملة على تكبيرة الاحرام ونحوها
(الصفحة 26)
إنّما هو في صورة احتمال تحقّق الزياة في الفريضة لو أتى بالركعة ونحوها متّصلة ، وأمّا مع عدم هذا الاحتمال فلابد من الإتيان بها متّصلة كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو شكّ في صحة الصلاة في المقام بضمّ الركعة كذلك ، واحتمل بطلانها بمجرّد تذكّر النقص قبل الإتيان بوظيفة الإحتياط ، فمقتضى الإحتياط الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ثمّ الاستئناف ، وأمّا ما أفاده المحقّق المزبور في عبارته المتقدّمة(1) ـ من أنّ مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط والاستئناف للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ـ فلا يعلم له وجه .
لأنّ الظاهر باعتبار عطف الاستئناف على الإحتياط الظاهر في المغايرة ، أنّ المراد بالعمل بالاحتياط هو الإتيان بصلاة الإحتياط ، وحينئذ فيرد عليه أنه لا وجه لعدم مراعات احتمال وجوب ضمّ الركعة متّصلة ، خصوصاً بعدما عرفت من عدم الخلاف فيه بين المتعرضين للمسألة من الأصحاب ، بل لا وجه للإتيان بصلاة الإحتياط أصلا . فلابدّ من الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ، وبين الاستئناف على ماذكرنا ، لأنّ المنشأ للعلم الإجمالي ليس إلاّ احتمالين ، احتمال كون التسليم مانعاً أو مبطلا ، واحتمال عدم كونه كذلك .
فمقتضى احتمال الأول وجوب الاستئناف ليحصل الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم تفصيلا المتعلّق بالصلاة المشتملة على أربع ركعات . ومقتضى احتمال الثاني بملاحظة حرمة قطع الصلاة ووجوب الاتمام بعد الشروع فيها هو لزوم ضمّ الركعة متّصلة ، وليس هنا إحتمال ثالث كان مقتضاه الإتيان بصلاة الإحتياط .
وبالجملة:
فالسلام لا يخلو من أحد الأمرين : إمّا أن يكون مانعاً أو مبطلا فيجب الاستئناف ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، فيجب إتمام الصلاة بضمّ الركعة متّصلة ولا وجه للإتيان بالاحتياط أصلا كما لا يخفى .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 383 .
(الصفحة 27)
ثمّ إنّ المحقّق المتقدّم قال في كتاب صلاته ـ بعد العبارة المتقدّمة ، وبعد كلام آخر متضمّن لما أورده على نفسه مع الجواب عنه بما لايخلو عن اضطراب بل نظر ـ ما هذا لفظه :
والأولى أن يقال : إنّ الموضوع في باب الشكوك في ركعات الصلاة هو الشكّ المستمر إلى آخر الوظيفة ، كما أنّ الموضوع في كلّ عمل متدرّج الوجود المتعلّق بعنوان خاصّ ، هو ذلك العنوان الباقي إلى آخر العمل .
وأمّا ما أورد على هذا القول بأنّ لازمه القول: بأنّ من لم يدر أنّ شكّه هل يبقى أم يزول؟ يجوز له رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل
.
ففيه:
أنّ الشخص المفروض له طريق عقلائيّ يقتضي عدم زوال شكّه ، هو الغلبة بحيث يكون خلافه نادراً جدّاً ، فإنّ من استقرّ شكّه بعد التروّي لا يزول عادة قبل الإتيان بتمام الوظيفة ، فلو زال شكّه قبل ذلك يكشف عن خطأ طريقه ، فالسلام المبنيّ على طريق انكشف خطأه بعده كالسلام المبنيّ على القطع الذي انكشف خطأه في دخوله تحت السلام السهوي ، ولو فرضنا أنّ شخصاً لم تكن تلك الغلبة النوعية معتبرة في حقه ، مثل أن تكون الغلبة في مورده شخصاً على خلاف العادة ، نلتزم بجواز رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل ولا ضير فيه(1) . انتهى .
ويرد عليه أنّه إن كان المراد دخول المقام تحت أدلّة السلام السهويّ باعتبار كون السلام السهوي المبنيّ على طريق انكشف خطأه ، كالسلام السهويّ الصادر عن جهل مركّب ، فيشمله الأخبار الواردة في من سلّم سهواً(2) ، فيرد عليه أيضاً وضوح عدم الشمول ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ عن الصلاة .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 384 .
- (2) الوسائل 8 : 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 .