(الصفحة 28)
وهنا لا يكون التسليم كذلك ، وإن كان جاهلا من حيث تخيل أنّ حكمه البناء على الأكثر الذى مورده صورة استمرار الشكّ إلى آخر الإتيان بوظيفة الإحتياط على ما هو المفروض ، إلاّ أنه من جهة التسليم لا يكون كذلك ، لأنه لا يسلّم بزعم الفراغ بعد العلم بلزوم الإتيان بصلاة الإحتياط فتدبر .
وإن كان مراده اشتراك المقام مع السلام السهوي من حيث الحكم وإن لم يكن المقام مشمولا للأخبار الواردة فيه ، فهو وإن كان صحيحاً تامّاً إلاّ أنه لا يحتاج في إثبات ذلك إلى سلوك الطريق الذي سلكه ، بل يكفي في ذلك نفس الأخبار الوادرة في الشكوك ، الآمرة بالبناء على الأكثر والتسليم ، بتقريب أنّ إيجاب التسليم عليه في هذه الصورة لا يجتمع مع كونه مانعاً عن اللحوق أو مبطلا للأجزاء السابقة ومخرجاً لها عن الصحة التأهلية فتأمّل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر عدم بطلان الصلاة ، ووجوب ضمّ الركعة أو أزيد متّصلة ، كما لاخلاف فيه بين المتعرّضين على ما عرفت .
هذا كله فيما لو كان تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط .
وأمّا لو كان تذكّره في أثناء صلاة الإحتياط ففيه وجوه أربعة :
أحدها :
القول برفع اليد عن المقدار الذي صلّى من صلاة الإحتياط وإلغائه والإتيان بالنقص منضماً كالصورة المتقدّمة ، وهي ما لو تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط ، نظراً إلى أنّ مقتضى كون صلاة الإحتياط متمّمة على تقدير النقص ، عدم كون السلام الواقع قبل التمامية محلّلا مخرجاً ، وعدم كون التكبيرة مبطلةً ، فلا مانع من لحوق ما بقي بما سبق .
وإتمام صلاة الإحتياط لا دليل عليه بعد اختصاص مورده بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر العمل بالوظيفة الاحتياطية ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأدلّة الواردة فيمن سلّم سهواً اشتراك المقام مع موردها في الحكم فتدبر .
(الصفحة 29)
ثانيها :
القول بلزوم صلاة الإحتياط ، نظراً إلى عدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» للمقام ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ لا مثل المقام ، وعدم اختصاص مورد دليل الإحتياط بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر صلاة الإحتياط ، بل يعمّ مثل المقام ممّا كان الشكّ مستمرّاً إلى حين الشروع في صلاة الإحتياط .
ثالثها :
التفصيل بين ما إذا كانت صلاة الإحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، واشتغل بعد البناء على الأكثر والتسليم بركعة قائماً ، فتذكّر كون صلاته ثلاثاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في واحد منهما ، كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً ، فتذكّر كونها ثلاثاً .
وكما في الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع إذا تذكّر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وكما إذا اشتغل في هذا الفرض بركعتين جالساً ـ بناءً على جواز تقديمهما ـ وتذكّر كون صلاته ركعتين .
ومرجع هذا التفصيل إلى لزوم الاتمام في الصورة الاُولى ، ووجوب الإلغاء وإتمام ما نقص متّصلا في غيرها من الصور ووجهه يستفاد من الوجهين المتقدّمين ويحتمل الاستئناف في غير الصورة الاُولى .
رابعها :
البطلان ولزوم الاستئناف مطلقاً ، نظراً إلى عدم إمكان العلاج لعدم شمول أدلّة الإحتياط للمقام ، بعد اختصاص موردها بصورة بقاء الشكّ إلى آخر صلاة الإحتياط ، وعدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» له أيضاً ، لاختصاص مورده بما إذا سلّم بزعم الفراغ ، ومع عدم العلاج لابدّ من الطرح ثمّ الاستئناف .
ثمّ إنّ المتعرّضين للمسألة من الأصحاب رضوان الله عليهم بين من اقتصر على ذكر الوجوه المحتملة من دون ترجيح ، وبين من رجّح بعضها على الآخر كالعلاّمة(قدس سره) ، حيث اختار الاستئناف في القواعد والتذكرة والتحرير(1) ، وحكي عن
- (1) قواعد الأحكام 1 : 305; تذكرة الفقهاء 3: 367; تحرير الأحكام 1 : 50 .
(الصفحة 30)
الجعفرية والبيان والارشاد واللمعة والألفية وشرحها للكركي ، والدرّة عدم الالتفات ، والمحكيّ عن الشهيد في الدروس الإتمام مع المطابقة والإشكال مع المخالفة ، وعن جامع المقاصد الاستئناف مع المخالفة دون الموافقة(1) .
ودعوى أنّه يستفاد إشعاراً بل دلالة من رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك اختصاص أدلّة الإحتياط بما إذا كان الشكّ الحادث في الأثناء باقياً إلى آخر الإتيان بصلاة الإحتياط ، مدفوعة مضافاً إلى عدم الدلالة ، بل ولا الإشعار ،
- (1) البيان : 151; وفيه: ولو ذكر في الثانية فوجهان: أقربهما الإتمام; اللمعة : 18; إرشاد الأذهان 1: 270; الدروس 1 : 205; جامع المقاصد 2 : 491; وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 358 ، عن الجعفريّة والألفية وشرحها والدرّة .
- وهنا تفصيل آخر استقربه سيّدنا العلاّمة الاستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ في تعليقته المباركة على كتاب العروة ص68 ، حيث قال: والأقرب التفصيل بأنّ النقص المتبيّن إن كان هو الذي جعلت هذه الصلاة جابرة له شرعاً ، فالواجب إتمامها وإن خالفته في الكمّ والكيف ، كالركعتين من جلوس مع تبيّن النقص بركعة بل وكذا إذا أمكن تتميمها كذلك ، كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث ، قبل أن يركع في الثانية منهما ، وأمّا في غيرما ذكر فالواجب قطعها وإتمام أصل الصلاة ، ولا يترك الاحتياط بالإعادة فيهما خصوصاً الثاني . انتهى .
- ومبنى ما أفاده على شمول أدلة الاحتياط لصورة تبيّن النقص في الأثناء وعدم اختصاص موردها بما إذا كان الشك باقياً إلى آخر صلاة الاحتياط . غاية الأمر أنه فيما إذا لم يمكن كون ما بيده جابراً للنقص المتبيّن ، ولم يمكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام مع تبيّن الثلاث بعدما ركع في الثانية منهما ، لا معنى للإتمام بعد كون تشريع الاحتياط لجبران النقص ، ولزوم إتمام أصل الصلاة إنّما هو لعدم الدليل على مانعية الاُمور المتخللة غير القابلة للوقوع جزء لو لم نقل باستفادة عدم مانعيتها من نفس أدلة الاحتياط الآمرة بها كما لايخفى .
- وكيف كان ، فالظاهر شمول أخبار الاحتياط للشك الحادث في أثناء الصلاة الباقي إلى زمان الشروع في صلاة الاحتياط وإن زال بعد الشروع ، وفاقاً لمن فصّل بين ما إذا كانت صلاة الاحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في أحدهما ، فأوجب إتمام ما بيده من صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى والرجوع إلى حكم من تذكّر النقص في الصورة الثانية . كبعض المحققين في التعليقة على العروة .
- فإنّ إيجاب إتمام صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى متوقف على كون المقام مشمولا لأدلة الاحتياط ، وإن كان يرد عليه أنه بعد الاعتراف بالشمول لا وجه للتفصيل بين الصورتين ، بل الظاهر عدم الفرق بينهما كما صرّح به سيدناالاستاذ(مدظلّه العالي)فيماتقدّم من عبارته.نعم لابدّمن تخصيص موردهابماإذالم يمكن كون مابيده جابرة ولم يمكن تتميمها كذلك ، لعدم إمكان كونه جابراً ، وتشريع الاحتياط إنما هو للجبران والتدارك . «المقرّر»
(الصفحة 31)
لأنّ الرواية قد رويت مختلفة بثلاثة متون :
أحدها :
ما رواه الصدوق بإسناده عن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال له : «يا عمّار أجمع لك السهو كلّه في كلمتين : متى ما شككت فخذ بالأكثر ، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنك نقصت»(1) .
ثانيها :
مارواه الشيخ باسناده عن سعد ، عن محمد بن الحسين ، عن موسى ابن عمر ، عن موسى بن عيسى ، عن مروان بن مسلم ، عن عمّار بن موسى الساباطي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن شيء من السهو في الصلاة؟ فقال : «ألا أعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت لم يكن عليك شيء؟» قلت : بلى ، قال : «إذا سهوت فابن على الأكثر ، فإذا فرغت وسلّمت فقم فصلّ ما ظننت أنّك نقصت ، فإن كنت قد أتممت لم يكن عليك في هذه شيء ، وإن ذكرت أنّك كنت نقصت كان ما صلّيت تمام ما نقصت»(2) .
ثالثها :
مارواه الشيخ أيضاً باسناده عن احمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن عليّ ، عن معاذ بن مسلم ، عن عمّار بن موسى قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام): «كلّما دخل عليك من الشكّ في صلاتك فاعمل على الأكثر» ، قال : «فاذا انصرفت فاتمّ ما ظننت أنّك نقصت»(3) .
والتي يتوهّم فيها الدلالة أو الإشعار من هذه المتون الثلاثة هي الرواية المرويّة بالطريق الثاني . وأمّا ما رويت بالطريقين الآخرين ، فلا إشعار فيها فضلا عن الدلالة كما لا يخفى . ومع ثبوت هذا النحو من الاختلاف لا مجال للاستدلال بشيء منها ، إلاّ فيما تشترك فيه كما هو ظاهر .
- (1) الفقيه 1: 225 ح992; الوسائل 8: 212 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح1 .
- (2) التهذيب 2 : 349 ح1448; الوسائل 8 : 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 .
- (3) التهذيب2: 193 ح762; الاستبصار1: 376ح1426; الوسائل8:213.أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح4.
(الصفحة 32)الإخلال بصلاة الاحتياط
ومن أحكام صلاة الإحتياط انه لو زاد فيها ركعة أو ركناً أو نقص كذلك بحيث لا يقبل التدارك فلا إشكال في بطلانها ، وأمّا بطلان الصلاة في هذه الصورة وكذا فيما لونسي الإحتياط ودخل في فريضة اُخرى ، وذكر بعد ما كان ما أتى به نسياناً منافياً للفورية ، فيبتني على ملاحظة الأدلّة .
فإن قلنا: باستفادة اعتبار الفوريّة منها ، كما ربما يدّعى أنّها ظاهرها ، فمقتضى ذلك بطلان الصلاة السابقة ، وعدم كون نقصها المحتمل قابلا للتدارك ، وإن قلنا: بعدم ظهور الأدلّة في اعتبار الفوريّة ، بل غاية ما يقال: إنّ القدر المتيقّن من مفادها كون ما يوتى به عقيب السلام من دون فصل معتدّ به جابراً(1) ، فالأدلة وإن لم يكن لها اطلاق يدلّ على جواز التراخي ، ولكن لا دلالة لها أيضاً على منع الفصل من صحة صلاة الإحتياط ووقوعها جابرة للنقص; ومع هذا الحال يجب الإحتياط بالجمع بين صلاة الإحتياط والاستئناف ، إلاّ أن يكون هنا أصل شرعيّ يوجب جواز الاكتفاء بصلاة الإحتياط .
ثمّ إنّ المحقّق الحائري(قدس سره) بعدما عقد للمقام مسألتين ، إحداهما : مسألة إبطال صلاة الإحتياط ، والاُخرى : مسألة نسيانها والدخول في فريضة اُخرى مرتّبة أو غير مرتبة ، قد قرّر الأصل المحتمل في المسألة الاُولى من وجوه تأتي ، وأشار في المسألة الثانية إليها .
ويرد عليه اتّحاد ملاك المسألتين والدليل فيهما ، لأنّ الاخلال في كلتيهما إنّما وقع بالفورية التي يحتمل اعتبارها ، غاية الأمر أنّ الإخلال بها في المسألة الاُولى من حيث الابطال ، وفي المسألة الثانية من حيث الدخول في فريضة اُخرى .
وأمّا الاُصول التي قرّرها :
- (1) الوسائل 8: 213 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب8 ح3 ، 4 وص 217 ب10 ح4 ـ 6 .