(الصفحة 257)
مالَه في الآخرة من خلاق وَلَبِئس ما شَرَوا بِهِ أنفُسَهُم لو كَانُوا يَعلَمُون}(1) انتهى محكيّ ما أفاده العلاّمة الطباطبائي في هذا الباب(2) .
وأورد عليه صاحب الجواهر ستّة إيرادات:
أحدها:
إنّه يلزم على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد أن يكون ما عداها صغائر ، وأنّه لا يقدح في العدالة فعلها بل لابدّ من الإصرار ، وبدونه تقع مكفرة لاتحتاج إلى توبة ، فمثل اللواط وشرب الخمر وترك صوم يوم من شهر رمضان وشهادة الزور ونحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في عدالة ولا تحتاج إلى توبة وهو واضح الفساد .
وكيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البيّنة على أنه لاط في زمان قبل زمان أداء الشهادة بيسير ؟! كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع ، وإن شئت فانظر إلى كتب الرجال وما يقدحون به في عدالة الرجل ، وفي رواية ابن أبي يعفور السابقة: «أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واللسان»(3) ونحو ذلك ، بل في ذلك إغراء الناس في كثير من المعاصي فإنّه قلّ من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العذاب بعد معرفة أن لا عقاب عليه .
ثانيها:
إنّه قد ورد في السنّة في تعداد الكبائر ما ليس مذكوراً فيما حصره مع النص عليه فيها بأنّه كبيرة ، وقوله(عليه السلام) : ـ في جواب السؤال عن الكبائر ـ «كلّ ما أوعد الله عليه النار»(4) ، لاينافيه ولو لكونه(عليه السلام) يعلم كيف توعّد الله عليها بالنار.
قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد الله عليها النار ،
- (1) البقرة: 102 .
- (2) جواهر الكلام 13: 310 ـ 316; مفتاح الكرامة 3 : 92 ـ 94 .
- (3) راجع 3 : 228 .
- (4) الفقيه 3: 373 ح 1758 ; الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح24 .
(الصفحة 258)
فانظر إلى ما في حسنة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الكبائر؟ فقال: هنّ في كتاب عليّ(عليه السلام) سبع ـ إلى أن قال: ـ فقلت: هذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم ، قلت: فأكل الدرهم من مال اليتيم ظلماً أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة ، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر ، قال: أيّ شيء أوّل ما قلت لك؟ قلت: الكفر ، قال: فإنّ تارك الصلاة كافر ـ يعني من غير علّة ـ(1) . من انّه كيف أدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره(عليه السلام) لقوله تعالى:
{ما سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلّين}(2) .
ثالثها:
قال الله تعالى:
{حرّمت عليكم الميتة والدَّم ولحم الخنزير وما اُهلّ لغير الله بِهِ . . . وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق}(3) فإنّه إن اُريد بالإشارة كلّ واحد فقد حكم بالفسق ، واحتمال إرادة الاضرار بعيد ، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق ، بل مجرّد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر .
رابعها:
إنّه قد ورد في السنّة التوعّد بالنار ـ وأيّ توعّد ـ على كثير من المعاصي وبناءً على ما ذكر لابدّ وأن يراد بها إمّا الإصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر وكلّه مخالف للظاهر من غير دليل يدلّ عليه .
خامسها:
إنّ فيما رواه عبدالعظيم بن عبدالله الحسني ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر، معلّلا ذلك بأنّ الله تعالى نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمّداً ، أو شيئاً ممّا فرض الله ، لأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: «من ترك الصلاة متعمّداً فقد برئ من ذمّة الله وذمّة رسوله»(4) ، فانظر كيف استدلّ على كونه كبيرة بما ورد
- (1) الكافي 2: 212 ح8 ; الوسائل 15: 321 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح4 .
- (2) المدّثر; 42 ـ 43 .
- (3) المائدة: 3 .
- (4) الكافي 2: 217 ح24; الوسائل 15: 318 . أبواب جهاد النفس ومايناسبه ب46 ح2 .
(الصفحة 259)
من السنّة .
سادسها:
نقل الإجماع على أنّ الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر(1) ، وقد أورد عليه بهذا الأخير تلميذه صاحب مفتاح الكرامة ، حيث قال: وليت شعري ماذا يقول في الإصرار على الصغائر ، فإنّه كبيرة إجماعاً ، وليس في القرآن المجيد وعيد عليه بالنار ، ولعلّي أسأله عنه شفاهاً(2) .
ويرد عليه أيضاً مضافاً إلى ما ذكر أنّ الظاهر كون المقسم للكبيرة والصغيرة هي المعاصي الوجودية التي تتحقّق بالوجودات الصادرة من المكلّف ، وعليه فيسقط من جملة ما عدّه من الكبائر مثل ترك الصلاة ، ومنع الزكاة ، والتخلّف عن الجهاد وكتمان ما أنزل الله ونقض العهد واليمين ، وقطع الرحم ، وعدم الحكم بما أنزل الله وترك الحج ، لأنّها كلّها معاصي عدميّة .
أمّا مثل ترك الصلاة ومنع الزكاة فواضح ، وأمّا كتمان ما أنزل الله ، فالآية الواردة فيه ظاهرة في أنّ الواجب هو التبيين والكتمان تركه ، وهكذا نقض العهد واليمين ، وكذا قطع الرحم والحكم بغير ما أنزل الله ، كما يظهر من آيتيهما ، وأيضاً الظاهر أنّ المراد بالمعاصي الكبيرة هي المعاصي التي يمكن أن تقع من المسلم غير الكافر .
وعليه فيسقط من جملة ما ذكره مثل الكفر بالله العظيم والإضلال عن سبيل الله ، ولذا لم يعدّ في جملة الكبائر في بعض الروايات الدالّة على أنّ الكبائر خمس(3) ، حيث إنّه بعد ذلك عدّها ستّاً ، وهذا دليل على أنه لا يكون مثل الشرك بالله معدوداً من الكبائر .
- (1) جواهر الكلام 13 : 316 ـ 318 .
- (2) مفتاح الكرامة 3: 94 .
- (3) الخصال: 273 ح16; علل الشرائع: 475 ح2; الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح27 .
(الصفحة 260)
وأيضاً تدخل جملة ممّا عدّه من الكبائر في الظلم الذي عدّه منها ، فتلك الجملة من أقسام الظلم لا أنـّها قسيمة له ، وذلك مثل قتل النفس ، وأكل مال اليتيم ، والمنع من مساجد الله ، والاستهزاء بالمؤمنين ، وإيذاء رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، وقذف المحصنات ، والمحاربة ، وقطع السبيل . وعليه فلا يبقى إلاّ مقدار قليل لا يتجاوز عن الإثنى عشر كما لايخفى .
الروايات الواردة في الصغيرة والكبيرة
إنّ الروايات الواردة في هذا الباب كثيرة ، وقد أوردها في الوسائل في الباب السادس والأربعين من أبواب جهاد النفس(1) ، ولكنّها مختلفة من حيث المفاد ، لأنّ جملة منها واردة في تفسير الكبائر وبيان الضابط لها ، وجملة منها دالّة على عددها وأنّها خمس أو سبع أو تسع أو أزيد على اختلاف بين هذه الطائفة أيضاً ، وجملة منها واردة في عدّ بعض المعاصي من الكبائر من غير تعرّض لتفسيرها ولا كونها في مقام تعدادها ، وبعض منها غير مرتبط بعنوان الباب الذي عقده ، وهو تعيين الكبائر التي يجب اجتنابها مثل رواية الأصبغ(2) .
والعمدة من الروايات الدالّة على عدد الكبائر وأنّها أزيد من التسع ثلاث روايات:
1 ـ
رواية عبدالعظيم الحسني(3) .
- (1) الوسائل 15: 318 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه .
- (2) الوسائل 15 : 321 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح3 .
- (3) الوسائل 15: 318 .أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح2 .
(الصفحة 261)
2 ـ
رواية الفضل بن شاذان عن الرضا(عليه السلام)(1) .
3 ـ
ما رواه الصدوق بإسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) في حديث شرائع الدين(2) .
وأمّا الروايات الدالّة على أنّها سبع:
فمنها:
رواية ابن محبوب ،
ومنها:
رواية عبيد بن زرارة .
ومنها:
رواية أبي بصير ،
ومنها:
رواية محمد بن مسلم ،
ومنها:
رواية أحمد بن عمر الحلبي .
ومنها:
رواية عبدالرحمن بن كثير(3) .
هذا ، ولكن ذكر في رواية أبي بصير أنّ الكبائر سبعة وعدّها ثمانية، لكنّه قال في ذيلها: إنّ التعرّب والشرك واحد . وفي رواية محمّد بن مسلم أسقط عقوق الوالدين وعدّ السابقة كلّ ما أوجب الله عليها النار مع أنّه تعريف للكبائر وضابط لها ، لا أنّه من أفرادها ، ولذا يحتمل أن يكون الراوي قد سهى عن العقوق ، وذكر موضعه هذه السابعة .
وفي رواية عبدالرحمن بن كثير أسقط التعرّب وأكل الربا بعد البيّنة ، وذكر موضع السابعة إنكار حقّنا ، وفي إسقاط التعرّب بعد ذكر الشرك لا مانع لأنّه بمنزلته ، كما مرّ في رواية أبي بصير المتقدّمة ، وفي رواية أبي الصامت(4) ذكر أنّ أكبر الكبائر سبع وأسقط التعرّب وأكل الربا بعد البيّنة ، وذكر موضع السابعة إنكار ما أنزل الله .
ولكن قد عرفت أنّ اسقاط التعرّب بعد ذكر الشرك لا بأس به ، لأنّ مرجع التعرّب إلى الحال التي كان عليها قبل الهجرة إلى دار الإسلام لغرض الإسلام والايمان ، فمرجعه إلى الرجوع والارتداد عن الإسلام بعد الهجرة من الكفر إليه ،
- (1 ، 2) الوسائل 15 : 329 ، 331 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح33 و 36 .
- (3) الوسائل 15 : 318 ـ 329 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح1 ، 4 ، 16 ، 6 ، 32 ، 22 .
- (4) التهذيب 4: 149 ح417; الوسائل 15: 325 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح20 .