(الصفحة 262)
وفي رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبدالله(عليه السلام) عدّها عشرة من غير تعرّض لكونها عشرة ، وأضاف إلى السبع المذكورة في الروايات السابقة القنوط من رحمة الله ، واليأس من روح الله ، والأمن من مكر الله(1) .
والظاهر أنّ الأوّلين واحد ، وقد ذكرت هذه الزيادة في رواية عبدالعظيم المتقدّمة، وفي رواية اُخرى لمحمّد بن مسلم(2) عدّ أكبر الكبائر ثمانية من غير تعرّض لكونها ثمانية ، وحيث انّه عدّ فيها التعرّب والشرك أمرين وقد عرفت أنّهما واحد فلا اختلاف بينها وبين الروايات الدالّة على أنّها سبعة .
وفي رواية اُخرى لعبيد بن زرارة(3)، ذكر أنّ الكبائر خمس وأسقط العقوق والتعرّب ، ولكن ذكر الشرك في موضعهما من دون عدّه الشرك من جملة الخمس ، ففي الحقيقة لم يذكر فيها خصوص العقوق ، وهذه الرواية تؤيّد ما ذكرنا من خروج الشرك بالله عن دائرة الكبائر ، لأنّ المراد بها هي المعاصي التي يمكن أن تقع من المسلم في حال إسلامه والشرك لا يلائم ذلك .
وفي مرسل ابن أبي عمير ذكر أنّها خمس(4) كالرواية السابقة ، وعدّ الشرك والتعرّب أمرين ، وبعدما عرفت من اتّحادهما يرجع إلى الأربعة ففي الحقيقة أسقطت منها ثلاثة: القتل، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات .
وأمّا الروايات الدالّة على أنّ الكبائر كثيرة فقد عرفت أنّها ثلاث روايات:
- (1) الكافي 2: 213 ح10; الوسائل 15: 324 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح13 .
- (2) الخصال: 411 ح15; الوسائل 15: 330 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح35 .
- (3) عقاب الاعمال: 277 ح 1; علل الشرائع: 475 ح3; الخصال: 273 ح17; الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح28 .
- (4) الوسائل 15: 327 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح27 .
(الصفحة 263)
1 ـ
رواية الأعمش الدالّة على أنـّها ثلاث وثلاثون(1) .
2 ـ
رواية عبدالعظيم الدالّة على أنّها عشرون(2) .
3 ـ
رواية الفضل الدالّة على أنّها ثلاث وثلاثون(3) . والظاهر إتّحادها مع رواية الأعمش والاختلاف بينهما يسير ، لأنّه ذكر في رواية الأعمش أنّ الاشتغال بالملاهي التي تصدّ عن ذكر الله عزّوجلّ مكروهة، ولكنّه عدّ من الكبائر في رواية الفضل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا محيص عن الالتزام باتّصاف سبع من المعاصي بكونها كبيرة بقول مطلق ، وهي السبع المذكورة في الروايات الدالّة على أنّ الكبائر سبع ، أو أكبرها سبع ، أو على أنّ رتبة سائر الكبائر أدنى من رتبتها كما تدلّ عليه رواية الأعمش .
وأمّا ما عدى السبع فما ذكر في مثل رواية الأعمش فالظاهر أنّها كبيرة بالإضافة إلى ما دونها صغيرة بالإضافة إلى السبع التي هي فوقها ، وبمثل هذا يجمع بين ما دلّ على أنّ الزنا والسرقة ليستا من الكبائر كروايتي محمّد بن حكيم ومحمّد ابن مسلم(4) ، وما دل على أنّهما منها كروايتي الفضل والأعمش .
وجه الجمع ، أنّ ما دلّ على عدم كونهما من الكبائر يراد به عدم كونهما من الكبائر بقول مطلق ، وعدم كونهما في عرض المعاصي التي هي أكبر الكبائر ، وما دلّ على كونهما، منها يراد به أنّهما كبيرتان بالإضافة إلى ما تحتهما من المعاصي .
- (1) الوسائل 15: 331 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح36 .
- (2 ، 3) الوسائل 15: 318 و 329 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح2 و33 .
- (4) الوسائل 15: 325 و 330 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب46 ح18 و35 .
(الصفحة 264)
تعداد الكبائر
لا بأس بذكر الكبائر حسب ما تستفاد من الروايات الواردة في هذا المقام ، رجاء أن يكون الملاحظ لها والناظر فيها يجتنب إن شاء الله تعالى عن جميعها، بعد النظر والتوجّه لو لم يكن مجتنباً. فنقول: الكبائر ـ نعوذ بالله منها ـ عبارة عن:
1 ـ
الشرك بالله .
2 ـ
قتل النفس التي حرّم الله تعالى .
3 ـ
عقوق الوالدين .
4 ـ
الفرار من الزحف .
5 ـ
أكل مال اليتيم ظلماً .
6 ـ
أكل الربا بعد البيّنة .
7 ـ
قذف المحصنات ، وهذه هي السبع التي تكون من الكبائر بقول مطلق .
8 ـ
الزنا .
9 ـ
اللواط .
10 ـ
السرقة .
11 ـ
أكل الميتة .
12 ـ
أكل الدم .
13 ـ
أكل لحم الخنزير .
14 ـ
أكل ما أُهلّ لغير الله به من غير ضرورة .
15 ـ
البخس في الميزان والمكيال .
16 ـ
الميسر .
(الصفحة 265)
17 ـ
شهادة الزور .
18 ـ
اليأس من روح الله .
19 ـ
الأمن من مكر الله .
20 ـ
معونة الظالمين .
21 ـ
الركون إليهم .
22 ـ
اليمين الغموس الفاجرة .
23 ـ
الغلول .
24 ـ
حبس الحقوق من غير عسر .
25 ـ
الكذب .
26 ـ
استعمال التكبّر والتجبّر .
27 ـ
الإسراف والتبذير .
28 ـ
الخيانة .
29 ـ
الاستخفاف بالحجّ ، ولعلّ المراد به ليس هو تركه ، بل الإتيان به عن استخفاف .
30 ـ
المحاربة لأولياء الله .
31 ـ
الاشتغال بالملاهي .
32 ـ
السحر .
الإصرار على الصغائر
يبقى الكلام بعد ذلك في أنّ الإصرار على الذنوب أي الصغائر منها هل يكون من الكبائر أم لا؟ مقتضى روايتي الأعمش والفضل وغيرهما من الروايات الاُخر
(الصفحة 266)
الواردة في هذا الباب التي جمعها في الوسائل في باب (46) و (47) من أبواب جهاد النفس، أنّ الإصرار على الصغائر من الذنوب أيضاً من جملة الكبائر ، وفي بعضها أنّه لا كبيرة مع الاستغفار ، ولا صغيرة مع الإصرار(1) .
وقد روي هذا المضمون بطرق العامّة عن ابن عبّاس أيضاً(2) ، والمستفاد من الروايات الواردة في هذا المقام أمران:
1 ـ
إنّ الاصرار على الصغائر من الذنوب من جملة الكبائر .
2 ـ
إنّ معنى الإصرار هو مجرّد الإتيان بشيء من الذنوب مع عدم التوبة والندم عند الالتفات إلى ارتكابه ، سواء كان عازماً على الإتيان به ثانياً أو لم يكن عازماً عليه ، لأنّ المناط في عدم تحقق الإصرار هو الندم والعزم على عدم العود عند الالتفات والتوجّه إلى صدور هذه المعصية منه ، فمع فقده يتحقّق الإصرار كما لايخفى .
وبالجملة:
فلا إشكال في تحقق الإصرار مع الإكثار فعلا ، والإتيان بالمعصية في الخارج مكرّراً ، سواء كانت من سنخ واحد أو من جنسين أو الأجناس ، كما أنّه لا إشكال في عدم تحقق عنوان الإصرار مع الإتيان بذنب مرّة واحدة ثمّ الندم عليه بحيث كان يسوئه التذكّر والالتفات إلى إتيانه .
والظاهر تحقق هذا العنوان أيضاً مع الإتيان به مرّة وكونه بحيث لو تهيأت له مقدّماته يأتي به مرّة ثانية ، إنّما الإشكال في تحقّقه بمجرّد الإتيان مع الالتفات إليه ، وعدم الندم عليه ، وعدم كون تذكره مسيئاً له ، والظاهر أيضاً تحقّقه به لقوله تعالى:
{والَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أو ظَلَمُوا أنْفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَنْ
- (1) التوحيد: 407 ح6; الوسائل 15: 335 . أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب47 ح11 .
- (2) الكشاف1: 503 .