(الصفحة 26)
إنّما هو في صورة احتمال تحقّق الزياة في الفريضة لو أتى بالركعة ونحوها متّصلة ، وأمّا مع عدم هذا الاحتمال فلابد من الإتيان بها متّصلة كما هو ظاهر .
ثمّ إنّه لو شكّ في صحة الصلاة في المقام بضمّ الركعة كذلك ، واحتمل بطلانها بمجرّد تذكّر النقص قبل الإتيان بوظيفة الإحتياط ، فمقتضى الإحتياط الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ثمّ الاستئناف ، وأمّا ما أفاده المحقّق المزبور في عبارته المتقدّمة(1) ـ من أنّ مقتضى القاعدة الجمع بين العمل بالاحتياط والاستئناف للعلم الإجمالي بوجوب أحدهما ـ فلا يعلم له وجه .
لأنّ الظاهر باعتبار عطف الاستئناف على الإحتياط الظاهر في المغايرة ، أنّ المراد بالعمل بالاحتياط هو الإتيان بصلاة الإحتياط ، وحينئذ فيرد عليه أنه لا وجه لعدم مراعات احتمال وجوب ضمّ الركعة متّصلة ، خصوصاً بعدما عرفت من عدم الخلاف فيه بين المتعرضين للمسألة من الأصحاب ، بل لا وجه للإتيان بصلاة الإحتياط أصلا . فلابدّ من الجمع بين ضمّ الركعة متّصلة ، وبين الاستئناف على ماذكرنا ، لأنّ المنشأ للعلم الإجمالي ليس إلاّ احتمالين ، احتمال كون التسليم مانعاً أو مبطلا ، واحتمال عدم كونه كذلك .
فمقتضى احتمال الأول وجوب الاستئناف ليحصل الفراغ عن عهدة التكليف المعلوم تفصيلا المتعلّق بالصلاة المشتملة على أربع ركعات . ومقتضى احتمال الثاني بملاحظة حرمة قطع الصلاة ووجوب الاتمام بعد الشروع فيها هو لزوم ضمّ الركعة متّصلة ، وليس هنا إحتمال ثالث كان مقتضاه الإتيان بصلاة الإحتياط .
وبالجملة:
فالسلام لا يخلو من أحد الأمرين : إمّا أن يكون مانعاً أو مبطلا فيجب الاستئناف ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، فيجب إتمام الصلاة بضمّ الركعة متّصلة ولا وجه للإتيان بالاحتياط أصلا كما لا يخفى .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 383 .
(الصفحة 27)
ثمّ إنّ المحقّق المتقدّم قال في كتاب صلاته ـ بعد العبارة المتقدّمة ، وبعد كلام آخر متضمّن لما أورده على نفسه مع الجواب عنه بما لايخلو عن اضطراب بل نظر ـ ما هذا لفظه :
والأولى أن يقال : إنّ الموضوع في باب الشكوك في ركعات الصلاة هو الشكّ المستمر إلى آخر الوظيفة ، كما أنّ الموضوع في كلّ عمل متدرّج الوجود المتعلّق بعنوان خاصّ ، هو ذلك العنوان الباقي إلى آخر العمل .
وأمّا ما أورد على هذا القول بأنّ لازمه القول: بأنّ من لم يدر أنّ شكّه هل يبقى أم يزول؟ يجوز له رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل
.
ففيه:
أنّ الشخص المفروض له طريق عقلائيّ يقتضي عدم زوال شكّه ، هو الغلبة بحيث يكون خلافه نادراً جدّاً ، فإنّ من استقرّ شكّه بعد التروّي لا يزول عادة قبل الإتيان بتمام الوظيفة ، فلو زال شكّه قبل ذلك يكشف عن خطأ طريقه ، فالسلام المبنيّ على طريق انكشف خطأه بعده كالسلام المبنيّ على القطع الذي انكشف خطأه في دخوله تحت السلام السهوي ، ولو فرضنا أنّ شخصاً لم تكن تلك الغلبة النوعية معتبرة في حقه ، مثل أن تكون الغلبة في مورده شخصاً على خلاف العادة ، نلتزم بجواز رفع اليد عمّا بيده واستئناف العمل ولا ضير فيه(1) . انتهى .
ويرد عليه أنّه إن كان المراد دخول المقام تحت أدلّة السلام السهويّ باعتبار كون السلام السهوي المبنيّ على طريق انكشف خطأه ، كالسلام السهويّ الصادر عن جهل مركّب ، فيشمله الأخبار الواردة في من سلّم سهواً(2) ، فيرد عليه أيضاً وضوح عدم الشمول ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ عن الصلاة .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 384 .
- (2) الوسائل 8 : 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 .
(الصفحة 28)
وهنا لا يكون التسليم كذلك ، وإن كان جاهلا من حيث تخيل أنّ حكمه البناء على الأكثر الذى مورده صورة استمرار الشكّ إلى آخر الإتيان بوظيفة الإحتياط على ما هو المفروض ، إلاّ أنه من جهة التسليم لا يكون كذلك ، لأنه لا يسلّم بزعم الفراغ بعد العلم بلزوم الإتيان بصلاة الإحتياط فتدبر .
وإن كان مراده اشتراك المقام مع السلام السهوي من حيث الحكم وإن لم يكن المقام مشمولا للأخبار الواردة فيه ، فهو وإن كان صحيحاً تامّاً إلاّ أنه لا يحتاج في إثبات ذلك إلى سلوك الطريق الذي سلكه ، بل يكفي في ذلك نفس الأخبار الوادرة في الشكوك ، الآمرة بالبناء على الأكثر والتسليم ، بتقريب أنّ إيجاب التسليم عليه في هذه الصورة لا يجتمع مع كونه مانعاً عن اللحوق أو مبطلا للأجزاء السابقة ومخرجاً لها عن الصحة التأهلية فتأمّل .
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر عدم بطلان الصلاة ، ووجوب ضمّ الركعة أو أزيد متّصلة ، كما لاخلاف فيه بين المتعرّضين على ما عرفت .
هذا كله فيما لو كان تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط .
وأمّا لو كان تذكّره في أثناء صلاة الإحتياط ففيه وجوه أربعة :
أحدها :
القول برفع اليد عن المقدار الذي صلّى من صلاة الإحتياط وإلغائه والإتيان بالنقص منضماً كالصورة المتقدّمة ، وهي ما لو تذكّر النقص قبل صلاة الإحتياط ، نظراً إلى أنّ مقتضى كون صلاة الإحتياط متمّمة على تقدير النقص ، عدم كون السلام الواقع قبل التمامية محلّلا مخرجاً ، وعدم كون التكبيرة مبطلةً ، فلا مانع من لحوق ما بقي بما سبق .
وإتمام صلاة الإحتياط لا دليل عليه بعد اختصاص مورده بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر العمل بالوظيفة الاحتياطية ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الأدلّة الواردة فيمن سلّم سهواً اشتراك المقام مع موردها في الحكم فتدبر .
(الصفحة 29)
ثانيها :
القول بلزوم صلاة الإحتياط ، نظراً إلى عدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» للمقام ، لأنّ مورده ما إذا سلّم بزعم الفراغ لا مثل المقام ، وعدم اختصاص مورد دليل الإحتياط بما إذا كان الشكّ باقياً إلى آخر صلاة الإحتياط ، بل يعمّ مثل المقام ممّا كان الشكّ مستمرّاً إلى حين الشروع في صلاة الإحتياط .
ثالثها :
التفصيل بين ما إذا كانت صلاة الإحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، كما إذا شكّ بين الثلاث والأربع ، واشتغل بعد البناء على الأكثر والتسليم بركعة قائماً ، فتذكّر كون صلاته ثلاثاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في واحد منهما ، كما إذا اشتغل في الفرض المذكور بركعتين جالساً ، فتذكّر كونها ثلاثاً .
وكما في الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع إذا تذكّر كون صلاته ثلاثاً في أثناء الاشتغال بركعتين قائماً ، وكما إذا اشتغل في هذا الفرض بركعتين جالساً ـ بناءً على جواز تقديمهما ـ وتذكّر كون صلاته ركعتين .
ومرجع هذا التفصيل إلى لزوم الاتمام في الصورة الاُولى ، ووجوب الإلغاء وإتمام ما نقص متّصلا في غيرها من الصور ووجهه يستفاد من الوجهين المتقدّمين ويحتمل الاستئناف في غير الصورة الاُولى .
رابعها :
البطلان ولزوم الاستئناف مطلقاً ، نظراً إلى عدم إمكان العلاج لعدم شمول أدلّة الإحتياط للمقام ، بعد اختصاص موردها بصورة بقاء الشكّ إلى آخر صلاة الإحتياط ، وعدم شمول أدلّة «من سلّم سهواً» له أيضاً ، لاختصاص مورده بما إذا سلّم بزعم الفراغ ، ومع عدم العلاج لابدّ من الطرح ثمّ الاستئناف .
ثمّ إنّ المتعرّضين للمسألة من الأصحاب رضوان الله عليهم بين من اقتصر على ذكر الوجوه المحتملة من دون ترجيح ، وبين من رجّح بعضها على الآخر كالعلاّمة(قدس سره) ، حيث اختار الاستئناف في القواعد والتذكرة والتحرير(1) ، وحكي عن
- (1) قواعد الأحكام 1 : 305; تذكرة الفقهاء 3: 367; تحرير الأحكام 1 : 50 .
(الصفحة 30)
الجعفرية والبيان والارشاد واللمعة والألفية وشرحها للكركي ، والدرّة عدم الالتفات ، والمحكيّ عن الشهيد في الدروس الإتمام مع المطابقة والإشكال مع المخالفة ، وعن جامع المقاصد الاستئناف مع المخالفة دون الموافقة(1) .
ودعوى أنّه يستفاد إشعاراً بل دلالة من رواية عمّار الواردة في مطلق الشكوك اختصاص أدلّة الإحتياط بما إذا كان الشكّ الحادث في الأثناء باقياً إلى آخر الإتيان بصلاة الإحتياط ، مدفوعة مضافاً إلى عدم الدلالة ، بل ولا الإشعار ،
- (1) البيان : 151; وفيه: ولو ذكر في الثانية فوجهان: أقربهما الإتمام; اللمعة : 18; إرشاد الأذهان 1: 270; الدروس 1 : 205; جامع المقاصد 2 : 491; وحكاه في مفتاح الكرامة 3: 358 ، عن الجعفريّة والألفية وشرحها والدرّة .
- وهنا تفصيل آخر استقربه سيّدنا العلاّمة الاستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ في تعليقته المباركة على كتاب العروة ص68 ، حيث قال: والأقرب التفصيل بأنّ النقص المتبيّن إن كان هو الذي جعلت هذه الصلاة جابرة له شرعاً ، فالواجب إتمامها وإن خالفته في الكمّ والكيف ، كالركعتين من جلوس مع تبيّن النقص بركعة بل وكذا إذا أمكن تتميمها كذلك ، كالركعتين من قيام إذا تبيّنت الثلاث ، قبل أن يركع في الثانية منهما ، وأمّا في غيرما ذكر فالواجب قطعها وإتمام أصل الصلاة ، ولا يترك الاحتياط بالإعادة فيهما خصوصاً الثاني . انتهى .
- ومبنى ما أفاده على شمول أدلة الاحتياط لصورة تبيّن النقص في الأثناء وعدم اختصاص موردها بما إذا كان الشك باقياً إلى آخر صلاة الاحتياط . غاية الأمر أنه فيما إذا لم يمكن كون ما بيده جابراً للنقص المتبيّن ، ولم يمكن تتميمها كذلك كالركعتين من قيام مع تبيّن الثلاث بعدما ركع في الثانية منهما ، لا معنى للإتمام بعد كون تشريع الاحتياط لجبران النقص ، ولزوم إتمام أصل الصلاة إنّما هو لعدم الدليل على مانعية الاُمور المتخللة غير القابلة للوقوع جزء لو لم نقل باستفادة عدم مانعيتها من نفس أدلة الاحتياط الآمرة بها كما لايخفى .
- وكيف كان ، فالظاهر شمول أخبار الاحتياط للشك الحادث في أثناء الصلاة الباقي إلى زمان الشروع في صلاة الاحتياط وإن زال بعد الشروع ، وفاقاً لمن فصّل بين ما إذا كانت صلاة الاحتياط موافقة للمنقوص كمّاً وكيفاً ، وبين ما إذا كانت مخالفة له فيهما أو في أحدهما ، فأوجب إتمام ما بيده من صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى والرجوع إلى حكم من تذكّر النقص في الصورة الثانية . كبعض المحققين في التعليقة على العروة .
- فإنّ إيجاب إتمام صلاة الاحتياط في الصورة الاُولى متوقف على كون المقام مشمولا لأدلة الاحتياط ، وإن كان يرد عليه أنه بعد الاعتراف بالشمول لا وجه للتفصيل بين الصورتين ، بل الظاهر عدم الفرق بينهما كما صرّح به سيدناالاستاذ(مدظلّه العالي)فيماتقدّم من عبارته.نعم لابدّمن تخصيص موردهابماإذالم يمكن كون مابيده جابرة ولم يمكن تتميمها كذلك ، لعدم إمكان كونه جابراً ، وتشريع الاحتياط إنما هو للجبران والتدارك . «المقرّر»