(الصفحة 284)
فيها تعرّض لهذه الجهة أصلا .
فالإنصاف انّه لا محيص عن حمل الرواية على ما ذكره الشيخ في عبارته المتقدّمة ، من أنّ المراد بالباب هو باب المسجد الذي كان عن يمينه أو يساره ، وبحياله هو الصفّ الخارج عن المسجد المتّصل بالصفّ الداخل أعمّ من المشاهد وغيره مع حفظ الإتّصال .
نعم، يبقى الكلام في قوله(عليه السلام) بعد ذلك: «وهذه المقاصير إنّما أحدثها الجبّارون . . .» ، والظاهر أنّ المقاصير كانت من بدع معاوية ، وكان غرضه من إحداثها التحفّظ لنفسه عمّن يريد قتله ، ومن هذه الجهة كان بابها مسدوداً في حال الصلاة أيضاً ، والظاهر أنّه كان لها باب من خارج المسجد ، وكان ذلك الباب مختصّاً بالإمام لأجل الدخول والخروج .
وحينئذ فإن كان مراد من خصّ الصحّة في السترة والجدار الواقع بين الصفّين المشتمل على الباب بخصوص من كان حياله ، أنّ المراد بالباب في قوله(عليه السلام): «إلاّ من كان حيال الباب» هو باب المقصورة بحيث كان غرضه تخصيص الحكم بالصحّة بالمأمومين الواقعين في مقابل باب المقصورة ، الذين لا يتجاوزون عن عدّة قليلة .
فيرد عليه ـ مضافاً إلى ما ذكر من أنّ الظاهر عدم كون باب المقصورة مفتوحاً بل كان مسدوداً ، لأنّ الغرض من إحداثها لم يكن يتمّ إلاّ بذلك ـ أنّ الظاهر كون المراد بالباب هو باب المسجد لا باب المقصورة ، ويدور الأمر حينئذ بين أن يكون المراد هو الباب الواقع في الجدار الذي هو مقابل للإمام والمأمومين ، وبين أن يكون المراد هو الباب الواقع في الجدار الذي كان في يمين المسجد أو يساره ، وبين أن يكون المراد هو الباب الواقع خلف المأمومين الذين يصلّون في داخل المسجد .
لامجال للإحتمال الأول، لعدم كون الجدارالمقابل حائلابوجه،فلامعنى لاستثناء من كان حيال الباب الواقع فيه ، كما أنّه لا مجال للاحتمال الأخير لعدم كون المتعارف
(الصفحة 285)
في المساجد ، إشتمال الطرف الواقع خلف المأمومين على الجدار فضلا عن الباب .
ويؤيّده أنّه لم يتعرّض شيخ الطائفة(قدس سره) لهذا الفرع في عبارته المتقدّمة في المبسوط ، مع أنّه على هذا التقدير كان أولى بالتعرّض كما لا يخفى ، فينحصر حينئذ في أن يكون المراد هو الباب الواقع في الجدار في طرف اليمين أو اليسار ، كما عرفت في عبارة الشيخ(قدس سره) .
وحينئذ فقوله(عليه السلام): «وهذه المقاصير . . .» ، كان مسوقاً لدفع توهّم ربما يمكن أن يتحقّق لزرارة ـ راوي الحديث ـ من أجل حكمه(عليه السلام) بنفي الصلاة مع السترة أو الجدار بين الإمام والمأمومين ، أو بينهم بعضهم مع بعض .
توضيحه إنّه حيث نفى الإمام الصلاة مع وجود السترة أو الجدار كان ذلك موجباً لتوهّم أنّه كيف يجتمع ذلك مع الصلاة خلف المقاصير مع وجود الساتر والحائل؟ فدفع هذا التوهّم بالحكم ببطلان الصلاة خلف تلك المقاصير أيضاً ، وأنّها كانت من بدع الجبّارين ، ولم يكن في زمان أحد من الناس يعني الخلفاء الثلاثة .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لو فرض جدار واقع بين الصفوف بحيث كان في مقابل الصفّ المتأخّر ، وخلف الصفّ المتقدّم ، وكان ذلك الجدار مشتملا على باب ، ففي هذه الصورة لا مجال لدعوى اختصاص الحكم بالصحّة في الصفّ المتأخّر بخصوص من وقع منهم حيال الباب ، بل الظاهر صحة صلاة جميعهم لأجل كونهم متّصلين(1) .
- (1) وعليه فلا يبقى وجه للاحتياط اللزومي على ما في تعليقة سيّدنا الاستاذ «مدّ ظلّه العالي» على العروة الوثقى فضلا عن الجزم بالبطلان ، لأنّ ذلك كلّه مبنيّ على أن يكون المراد بالباب هو باب المقصورة ، وقد عرفت أنّ الظاهر كون المراد به هو الباب الواقع في يمين المسجد أو يساره ، وقد استظهر الأستاذ «دام ظلّه» من الرواية ذلك ، نظراً إلى عبارة الشيخ المتقدّمة ، وبذلك قد عدل عمّا في التعليقة فلا تغفل . «المقرّر» .
(الصفحة 286)
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه في رواية زرارة أنّها تشتمل على ثلاث عبارات:
1 ـ
قوله(عليه السلام) : «ينبغي أن تكون الصفوف تامّة متواصلة . . .» ، وقد عرفت أنّه لا ينبغي الارتياب في أنّ هذه الجملة لا تدلّ على أزيد من حكم استحبابيّ بملاحظة كلمة «ينبغي» وقيام الإجماع بل الضرورة على ذلك .
2 ـ
قوله(عليه السلام) : «إن صلّى قوم وبينهم وبين الإمام ما لا يتخطّى . . .» ، الذي يكون العبارة الثانية على ما في الفقيه ، والعبارة الاُولى على ما في الكافي ، وقد عرفت أنّ ظاهرها لا يجتمع مع العبارة الاُولى ، حيث إنّها تدلّ على استحباب كون الفصل أقلّ ممّا لا يتخطّى وهذه ظاهرة في بطلان الجماعة أو أصل الصلاة مع كون الفصل قدر ما لا يتخطّى .
ويمكن الجمع بينهما بوجوه:
أحدها:
حمل هذه العبارة على شدّة تأكّد الاستحباب نظراً إلى أنّ الظاهر كون المراد بما لا يتخطّى في المقامين أمراً واحداً ، وهو المسافة والبعد الذي لا يمكن طيّه بخطوة .
ثانيها:
حمل ما لا يتخطّى في العبارة الاُولى على البعد والمسافة ، وفي هذه العبارة على مقدار العلوّ بمعنى وجود حائل لا يمكن طيّه بخطوة ، بل يحتاج إلى خطوة لأجل الصعود ، واُخرى لأجل النزول ، نظراً إلى تفريع قوله(عليه السلام) : «فان كان بينهم سترة أو جدار . . .» .
ثالثها:
حمل ما لا يتخطّى في هذه العبارة على البعد الذي لا يمكن طيّه بخطوات ، لا بخطوة واحدة فقط .
رابعها:
حمله على البعد الذي لا يمكن طيّه بخطوة في جميع حالات الصلاة التي منها حال السجود كما عرفت . هذا ، وقد ظهر لك أنّ أحسن وجوه الجمع هو
(الصفحة 287)
الوجه الأول .
3 ـ
قوله(عليه السلام) : «فإن كان بينهم سترة أو جدار . . .» ، وهو الدليل الفريد في اعتبار عدم الحائل في باب الجماعة ، لأنّ الروايات الواردة في هذا الباب التي جمعها في الوسائل في أبواب مختلفة ، وإن كانت كثيرة ربما تبلغ ثلاث عشرة رواية ، لكن بعضها لا يرتبط بهذا المقام . وبعضها قد تكرّر نقلها في تلك الأبواب وبعضها تدلّ على عدم مانعية الستر مطلقاً ، أو بالنسبة إلى خصوص النساء ، ولا بأس بإيراد جملة منها فنقول:
منها:
رواية منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّي اُصلّي في الطاق يعني المحراب؟ فقال: «لا بأس إذا كنت تتوسّع به»(1) . ولم يظهر لنا ارتباط هذه الرواية بباب الجماعة ، كما أنّه لم يظهر لنا المراد من السؤال والجواب الواقعين فيها .
ومنها:
رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربض فرس»(2) . وهذه الرواية أيضاً مجملة وليس فيها إشعار بكونها مرتبطة بباب الجماعة ، كما أنّه ليس المراد بالقبلة هي الكعبة ، بل المراد بها هو الجدار المقابل ، ولعلّ النهي عن الزيادة عن مربض فرس لأجل كونه مع الزيادة عليه يصير قدّام المصلّي مختلف الناس ، وبه يختلّ التوجّه الذي هو المقصود في الصلاة .
ومنها:
رواية الحسن بن الجهم قال: سألت الرضا(عليه السلام) عن الرجل يصلّي بالقوم في مكان ضيّق ويكون بينهم وبينه ستراً ، أيجوز أن يصلّي بهم؟ قال: «نعم»(3) . ويحتمل قويّاً أن يكون الستر تصحيف الشبر ، وعليه فلا ربط لها بباب الحائل ، ولا
- (1) التهذيب 3: 52 ح 181; الوسائل 8: 409 . أبواب صلاة الجماعة ب61 ح 1 .
- (2) الفقيه 1: 253 ح 1145; الوسائل 8 : 410 . أبواب صلاة الجماعة ب62 ح3 .
- (3) التهذيب 3: 276 ح 804 ; الوسائل 8 : 408 . أبواب صلاة الجماعة ب59 ح3 .
(الصفحة 288)
معارضة بينها وبين رواية زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه إن كان بينهم سترة أو جدار فليست تلك لهم بصلاة .
ومنها:
رواية عمّار الدالّة على نفي البأس فيما إذا كان بين النساء وبين إمام القوم حائط أو طريق ، وسيأتي نقلها والتكلّم في مدلولها .
بقي في المقام أمران:
الأمر الأول: هل الشبابيك والجدار من الزجاج مانع من الوحدة أم لا؟
التحقيق في حكمهما أنّه إن قلنا: بأنّ نفي الصلاة مع وجود السترة أو الجدار في رواية زرارة المتقدّمة متفرّع على الحكم بنفيها ، فيما إذا كان بين الصفوف قدر ما لا يتخطّى ، بأن كان الصادر «الفاء» دون «الواو» ، فالظاهر حينئذ بطلان الصلاة مع كون الحائل مشبّكاً أو جداراً من زجاج ، لأنّ الملاك حينئذ هو كون الفاصل قدراً لا يمكن طيّه بخطوة ، لا لأجل المسافة بل لأجل العلوّ والارتفاع ، فالملاك هو ارتفاع الفاصل بذلك المقدار ، ومن المعلوم تحقق هذا الملاك في مثل الشبابيك والجدار من الزجاج . وإن لم نقل بالتفريع أو شككنا فيه ، فالحكم بالصحّة أو البطلان متفرّع على ملاحظة أنّ مانعية الجدار والسترة هل هي لأجل كونهما مانعين عن المشاهدة أو لأجل كونهما مانعين عن تحقق الوحدة المعتبرة في الجماعة؟
ويمكن أن يستفاد من العبارات الواقعة في الرواية صدراً وذيلا ، أنّ المقصود من الجميع اعتبار الوحدة ، وأنّه لابدّ في صلاة الجماعة من ارتباط صلاة المأمومين مع الإمام ، وكذا المأمومين بعضهم مع بعض بحيث تعدّ صلاتهم كأنّه صلاة واحدة صادرة من شخص واحد ، وتحقق هذا الارتباط كما أنّه يتوقّف على ثبوت المقارنة المكانية من جهة عدم الفصل والبعد الكثير بين مواقفهم ، وعدم الحائل من الجدار أو السترة كذلك .