(الصفحة 302)
في كتب القدماء بهذا العنوان ، لا من أصحابنا الإمامية ولا من العامة .
نعم، يظهر من تعرّضهم لبعض فروعات المسألة القول ببطلان أصل الصلاة ، كما يظهر من تتبّع كتب الشيخ وغيره . ولنذكر بعضاً من العبارات الظاهرة في ذلك فنقول:
قال الشيخ في الخلاف: لا يجوز أن يؤمّ اُمّي بقارئ فإن فعل أعاد القارئ الصلاة . وقال فيه أيضاً: إذا وقف المأموم قدّام الإمام لم تصح صلاته . وقال فيه أيضاً: إذا صلّى في مسجد جماعة وحال بينه وبين الإمام والصفوف حائل لا تصح صلاته(1) .
وقال في المبسوط: إذا رأى رجلين يصلّيان فرادى ، فنوى أن يأتمّ بهما لم تصحّ صلاته ، لأنّ الاقتداء بإمامين لا يصحّ . وقال : وإذا نوى أن يأتمّ بأحدهما لا بعينه لم يصحّ .
وقال: إذا صلّى رجلان فذكر كلّ واحد منهما أنّه إمام صحّت صلاتهما ، وإن ذكر كلّ واحد منهما أنّه مأموم بطلت صلاتهما ، وإن شكّا فلم يعلم كلّ واحد منهما أنّه إمام أو مأموم لم تصحّ أيضاً صلاتهما ، لأنّ الصلاة لا تنعقد إلاّ مع القطع(2) . وأيضاً حكم ببطلان صلاة المأموم فيما إذا تقدّم على الإمام ، وكذا فيما إذا كان بينه وبين الإمام البعد المفرط ، وكذا فيما إذا كان بينهما حائل . إلى غير ذلك من كلماته الظاهرة في بطلان أصل الصلاة مع كون مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين ما لو أخلّ بوظائف المنفرد وما لو لم يخل(3) .
وقال السيّد في الانتصار في مسألة الاقتداء بولد الزناء: الظاهر من مذهب
- (1) الخلاف 1: 550 ، 555 ، 556 مسألة 291 و299 و300 .
- (2) المبسوط1: 152 و 153 .
- (3) المبسوط 1 : 155 ـ 156 .
(الصفحة 303)
الإمامية أنّ الصلاة خلفه غير مجزئة ، والوجه في ذلك والحجّة له الاجماع وطريقة براءة الذمّة(1) . وقال في مسألة المنع من إمامة الفاسق: دليلنا الاجماع المتكرّر وطريقة اليقين ببراءة الذمّة . . .(2) .
وقال القاضي في المهذب: إذا رأى إنسان رجلين يصلّيان ونوى الائتمام بواحد منهما غير معيّن لم تصحّ صلاته ، وإذا رأى اثنين يصلّيان ، أحدهما مأموم والآخر إمام، فنوى الائتمام بالمأموم لم تصحّ صلاته ، وإذا صلّى رجلان فذكر كلّ منهما . . . أنّه مأموم لم تصحّ صلاتهما(3) .
وقال الحلّي في السرائر: وإذا اختلفا ، فقال كلّ واحد منهما للآخر كنت أئتمّ بك ، فسدت صلاتهما وعليهما أن يستأنفا(4) . وقال أيضاً: ولا تصحّ الصلاة إلاّ خلف معتقد الحقّ بأسره ، عدل في ديانته . . .(5) .
وقال المحقّق في المعتبر: ولا تصحّ وبين الإمام والمأموم حائل يمنع المشاهدة ، وهو قول علمائنا . وقال فيه أيضاً: ولا يقف المأموم قدّام الإمام ، وتبطل به صلاة المؤتم وهو قول علمائنا . . .(6) .
وقال العلاّمة في القواعد: الثالث: عدم تقدّم المأموم في الموقف على الإمام ، فلو تقدّمه المأموم بطلت صلاته(7) ، وفي مفتاح الكرامة في شرح هذه العبارة: قد نقل الإجماع على هذا الشرط في التذكرة ، ونهاية الأحكام في آخر كلامه ،
- (1) الانتصار : 158 .
- (2) الإنتصار : 157 .
- (3) المهذّب 1: 81 .
- (4) السرائر 1 : 288 .
- (5) السرائر 1 : 280 .
- (6) المعتبر2: 416 و 422 .
- (7) قواعد الأحكام 1 : 314 .
(الصفحة 304)
والمنتهى ، والذكرى ، والغريّة ، وإرشاد الجعفرية ، والمدارك ، والمفاتيح ، وظاهر المعتبر ، والكفاية . وفي الأول والرابع والخامس الاجماع على أنّه لو تقدّمه بطلت سواء كان عند التحريمة أو في أثناء الصلاة(1) .
وفي القواعد أيضاً: السادس عدم علوّ الإمام على موضع المأموم بما يعتدّ به ، فتبطل صلاة المأموم لو كان أخفض(2) . وفي مفتاح الكرامة في شرح العبارة : عند علمائنا كما في التذكرة، وعملا برواية عمّار المؤيّدة بعمل الأصحاب ، إذ ليس لها في الفتوى مخالف(3) . . . . وفي القواعد أيضاً: ولو نوى كلّ من الإثنين الإمامة لصاحبه صحّت صلاتهما ، ولو نويا الائتمام أو شكّا فيما أضمراه بطلتا(4) .
وفي المفتاح في شرحه: أمّا البطلان في الأول فعليه الاجماع ، كما في التذكرة ونهاية الأحكام ، وعمل الأصحاب كما في الروض والمسالك والذخيرة(5) . وفي التحرير حكم ببطلان صلاة المأموم إذا كان أسفل أو متقدّماً على الإمام ، وفيما إذا ائتمّ القارئ بالاُمّي(6) إلى غير ذلك من العبارات الظاهرة في بطلان أصل الصلاة .
ودعوى كون الغالب الاخلال بوظائف المنفرد ، وعليه ينزل إطلاق عبائرهم .
مدفوعة بعد ملاحظة كثرة المأموم المسبوق بركعتين أو أزيد ، وعدم سقوط القراءة في الأخيرتين ، وبعد ملاحظة جواز القراءة في الأوليين مع عدم سماع قراءة الإمام في الصلوات الجهرية ولو همهمة ، بل لعلّه كان المشهور وجوبها في هذه الصورة وبعد ملاحظة قلّة موارد زيادة الركن لأجل المتابعة ، وكذا الرجوع إلى
- (1) مفتاح الكرامة 3 : 417 .
- (2) قواعد الأحكام 1 : 315 .
- (3) مفتاح الكرامة 3 : 427 .
- (4) قواعد الأحكام 1 : 315 .
- (5) مفتاح الكرامة 3: 431 .
- (6) تحرير الأحكام 1 : 51 و 53 .
(الصفحة 305)
حفظ الإمام كما لا يخفى .
وكيف كان، فقد ورد في الفرع الذي وقع التعرّض له في أكثر العبارات المتقدّمة رواية واحدة وهي رواية السكوني عن أبي عبدالله ، عن أبيه(عليهما السلام) قال: «قال أمير المؤمنين(عليه السلام) في رجلين اختلفا فقال أحدهما: كنت إمامك ، وقال الآخر : أنا كنت إمامك ، فقال: صلاتهما تامّة» ، قلت: فإن قال كلّ واحد منهما: كنت أئتمّ بك ، قال: «صلاتهما فاسدة وليستأنفا»(1) .
فإنّ الحكم ببطلان صلاتهما في الفرض الأخير مع ترك الاستفصال عن الاخلال بوظائف المنفرد وعدمه خصوصاً مع ملاحظة ما ذكرنا من عدم كون فرض العدم نادراً ، لا ينطبق إلاّ على كون وجود الإمام معتبراً في صحة صلاة المقتدي لا في صحة أصل الاقتداء ، حتّى لا ينافي بطلانه صحة أصل الصلاة .
وحمل الفساد المحمول على الصلاة على فسادها من حيث كونها جماعة خلاف ظاهر الرواية ، وكذا ظاهر العبارات المتقدّمة بل بعضها ممّا لا يمكن حملها على ذلك ، فإنّ إيجاب الإعادة كما حكم به الشيخ فيما إذا ائتمّ قارئ باُمّي(2) لا يكاد ينطبق على بطلان خصوص الجماعة فقط كما هو ظاهر ، مع أنّ البطلان رتب على الائتمام كذلك لا على فقدان القراءة ونحوها .
هذا، ويؤيّد البطلان بل يدلّ عليه رواية زرارة المتقدّمة الواردة في مسألة الحائل(3) ، فإنّ ظاهرها نفي أصل الصلاة مع وجود السترة ، أو الجدار ، أو كون الفصل بين الصفوف قدر ما لا يتخطّى ، وفيها عبارات ظاهرة في بطلان أصل
- (1) الكافي 3: 375 ح3; الفقيه 1 : 250 ح1123; التهذيب 3: 54 ح186; الوسائل 8: 352 . أبواب صلاة الجماعة ب29 ح1 .
- (2) الخلاف 1: 550 مسألة 291 .
- (3) الوسائل 8 : 407 أبواب صلاة الجماعة ب59 ح1 .
(الصفحة 306)
الصلاة ، وكذا رواية عمّار الساباطي المتقدّمة(1) الواردة في باب العلوّ الظاهرة في أنّه لو قام الإمام على شبه دكّان أو سقف والمأمومون على الأرض لا تكون صلاة المأمومين بمجزية أو جائزة أصلا كما لا يخفى ، ومن هنا يمكن نسبة الفتوى بذلك إلى الكليني والصدوق والشيخ بإيرادهم هذه الروايات في جوامعهم ، بل وإلى أرباب الجوامع التي أخذها هؤلاء منها ، كجامع حسين بن سعيد وغيره من الجوامع الأوّليّة .
هذا ، ولكن ظاهرجعل تلك الاُمور شروطاً لعنوان الجماعة دون أصل الصلاة ، أنّ الاخلال بشيء من تلك الاُمور يوجب عدم تحقق ذلك العنوان دون عنوان الصلاة ، فيصير مقتضى القاعدة حينئذ عدم البطلان فيما لو لم يخل بوظائف المنفرد .
ولكن في مقابل القاعدة ، الأقوال المتقدّمة والروايات الكثيرة الظاهرة في بطلان أصل الصلاة دون القدوة فقط ، ومن هنا يشكل الأمر ، ولأجله ذهب صاحب الجواهر وكثير من المتأخّرين إلى الصحّة نظراً إلى القاعدة المعتضدة بالروايات الواردة فيما لو فقد بعض أوصاف الإمام مثل ما ورد فيما لو انكشف كون الإمام على غير وضوء ، أو كونه كافراً ، أو مستدبراً ، أو غير قاصد لعنوان الصلاة ممّا يدلّ على صحة صلاة المأمومين وعدم وجوب الإعادة عليهم .
بدعوى عدم ظهور الفرق بين مورد هذه الروايات وبين سائر الموارد ، وأنّه يستفاد من تلك الروايات بأنّه مع عدم تحقق الاقتداء لأجل فقد بعض ما له دخل فيه ، لا موجب لعدم تحقق عنوان الصلاة أيضاً(2) .
ولكن يرد عليه أنّ ظاهر تلك الروايات الصحّة ولو مع الاخلال بوظائف
- (1) الوسائل 8 : 411 . أبواب صلاة الجماعة ب63 ح1 .
- (2) جواهر الكلام 14; 2 ـ 12 .