(الصفحة 319)
وكذا السجود والتكبير(1) ، وبين ما ورد في باب الوضوء من قوله تعالى:
{إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق . . .}(2) من جهة إفادة الشرطية .
فكما أنّه لا إشكال في أنّ مفاد هذه الآية الشريفة بيان اشتراط الصلاة بالوضوء ، وأنّ الأمر به أمر إرشادي والغرض منه الإرشاد إلى شرطية الوضوء للصلاة لا وجوبه في نفسه ، فكذلك لا ينبغي الإشكال في ظهور الرواية النبوية الدالّة على أنّه «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في اشتراط المتابعة في صحة القدرة ، ولا فرق بين الآية والرواية من هذه الجهة أصلا .
هذا ، ولكنّ الأمر ليس كما ذكره ، فإنّه هناك حيث يكون في البين عنوان آخر متعلّق للوجوب ، وقد علّق وجوب الوضوء على إرادة القيام إليه لا يكاد يفهم من ذلك إلاّ مدخلية الوضوء في حصول الغرض من الأمر المتعلّق بذلك العنوان ، وأنّه لا يكاد يحصل ذلك الغرض إلاّ بعد كون الإتيان به في حال كونه متوضّئاً وممتثلا للأمر المتعلّق بالوضوء .
وأمّا هنا فإنّه وإن كان في البين عنوان آخر أيضاً; وهو الائتمام، وقد تعلّق به الأمر الاستحبابي ، إلاّ أنه لا تكون الرواية بصدد بيان اشتراطه بشرط مثل نية الائتمام مثلا ، فإنّك عرفت سابقاً أنّ هذه الرواية على تقدير صدورها عن النبيّ(صلى الله عليه وآله)قد صدرت بعد مضيّ سنين متعدّدة من إقامته بالمدينة ، مع أنّه كانت الصلاة جماعة متداولة بين المسلمين من أوّل قدوم النبيّ(صلى الله عليه وآله) بها بل قبل قدومه .
ولا ينبغي توهّم كون الجماعة متداولة بينهم سنين تقرب من عشر ، وبعد ذلك
- (1) راجع 3 : 314 .
- (2) المائدة: 6 .
(الصفحة 320)
بيّن النبيّ(صلى الله عليه وآله) أنّها تحتاج إلى كذا وكذا ، فالرواية لا تكون بصدد بيان هذه الجهة أصلا ، بل التأمّل فيها يقضي بكون مفادها بيان نفس الائتمام بما له من المعنى عند العرف ، وأنّ الاقتداء والائتمام في باب الصلاة معناه هو الاقتداء المتداول بين الناس في أمورهم الاجتماعية التي من شأنها جعل واحد منهم رئيساً ومتبوعاً .
فكما أنّ الاقتداء عرفاً وجعل واحد متبوعاً في جهة من الجهات لا يكاد يتحقّق إلاّ بمتابعته في الجهة التي اقتدى به في تلك الجهة ، فإنّه مع الاخلال بالمتابعة لا يكاد يرى تابع ومتبوع لتقوّمه بالانتظام والوحدة ، فكذلك الاقتداء في باب الصلاة .
وبالجملة:
فالرواية ناظرة إلى أنّ جعل الإمام إنّما هو كجعله في سائر الاُمور الاجتماعية التي يكون الغرض من جعل المتبوع فيها معلوماً لكلّ واحد من الناس ، فكما أنّ الغرض منها هو الائتمام بالمتبوع والمتابعة له في الجهة التي كان فيها متبوعاً ، كذلك الغرض من جعل الإمام في باب الجماعة في الصلاة هو الائتمام به والاقتداء والتبعية له .
فغاية نظر الرواية هو بيان معنى الائتمام في لسان الشرع ، وأنّه هو المعنى العرفي المعهود بين أهل العرف في أمورهم العادية ، وليست بصدد إفادة اشتراط الائتمام بشيء أصلا حتّى يكون الاخلال به موجباً لعدم تحقّقه .
وإن شئت قلت: إنّ صدور هذه الرواية بعد مضيّ سنين متعدّدة من زمان الإتيان بالصلاة في جماعة دليل على عدم بطلان الصلاة بالاخلال بالمتابعة ، وإن كانت الرواية ظاهرة في وجوبها ، لأنّ تعرّض النبيّ(صلى الله عليه وآله) لذلك إنّما هو لأجل ردع بعض من المصلّين في جماعة ، حيث لم يكن يراعى المتابعة مسامحة ، فالرواية بصدد بيان إيجابها ردعاً لمن لم يراع ، وحينئذ فمع عدم مراعاته في طول سنين وعدم بيان النبيّ(صلى الله عليه وآله) يستكشف عدم كون الاخلال بها مضرّاً بصحّة أصل الصلاة أو القدوة .
(الصفحة 321)
فانقدح من جميع ذلك أنّه لابدّ من الالتزام بما عليه المشهور من عدم كون وجوب المتابعة وجوباً شرطياً أصلا .
ثمّ إنّه على التقديرين ـ أي الوجوب النفسي للمتابعة أو الشرطي الراجع إلى مدخليتها في الصحة ـ هل الواجب هي المتابعة في جميع الأفعال أو معظمها؟ وجهان:
الظاهر هو الوجه الأول لقوله(صلى الله عليه وآله) : «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» الظاهر في لزوم الائتمام والمتابعة ما دام كونه إماماً ، وما ذكر متفرّعاً عليه فإنّما هو على سبيل المثال ، والغرض وجوب المتابعة في جميع الأفعال والهيئات الصادرة عن الامام من قيام وقعود وانحناء وسجود ووضع ورفع .
واحتمال كون الواجب خصوص المتابعة في معظم الأفعال مع أنّه لا يتجاوز عن حدّ الاحتمال ولا يكاد يساعده ظواهر شيء من الأدلّة مجمل جدّاً ، لأنّه لم يعلم أنّ المراد هو المعظم مفهوماً أو مصداقاً ، وعليه يقع الاختلال في الجماعة ، لأنّه يختار أحد المتابعة في الركوع والآخر المتابعة في السجود والثالث المتابعة في غيرهما ، وكيف كان فلا مجال لهذا الاحتمال أصلا .
ويقع الكلام بعد ذلك بناءً على استفادة الوجوب الشرطي من الرواية النبويّة: «إنّما جعل الإمام ليؤتمّ به» في أنّ الاقتداء العملي والمتابعة المستفادة شرطيّتها هل هو شرط بالنسبة إلى مجموع الصلاة ، بحيث كان الاقتداء في كلّ فعل شرطاً في اتّصاف مجموع الصلاة بوصف الوقوع في جماعة وكان الاخلال بالمتابعة ولو في فعل واحد مانعاً عن اتّصاف الصلاة بذلك الوصف ، أو أنّ المتابعة في كلّ فعل شرط لوقوع نفس ذلك الفعل جماعة ، بحيث زاد ثواب خصوص ذلك الفعل على ما لو وقع فرداً بخمس وعشرين درجة ، أو بأربع وعشرين(1) ، فالاخلال بالمتابعة في الركوع مانع عن اتّصافه بكونه ركوعاً قدويّاً ، ولا يقدح في اتّصاف السجود بهذا
- (1) راجع الوسائل 8 : 285 . أبواب صلاة الجماعة ب 1 .
(الصفحة 322)
الوصف لو لم يقع الاخلال بالمتابعة فيه؟
ولا يبتنى ذلك على أنّ الصلاة هل هي اسم لنفس الأفعال والأقوال والهيئات الواقعة فيها التي يوجد شيء منها وينعدم، ويوجد شيء آخر ، أو أنها عبارة عن الخضوع والخشوع المتحقّق بالشروع، ويستمر إلى آخر الأفعال؟ وذلك لأنّه على التقدير الثاني أيضاً يمكن البحث في أنّ الصلاة التي هي عبارة عن الأمر الواحد الذي يستمرّ بعد وجوده ، هل يكون وقوعها في جماعة مشروطاً برعاية المتابعة في جميع الأفعال الواجبة معه ، بحيث كان الاخلال بها ولو في خصوص التسليم مضرّاً ومانعاً عن وقوع شيء منها كذلك ، أو أنّ المتابعة في كلّ فعل شرط لوقوع الحال المقارن معه متّصفاً بوصف الجماعة؟
وكيف كان، فعلى تقدير استفادة الشرطية يقع الكلام في أنّ المشروط له المتابعة هل هو المجموع أو الأبعاض؟ ولا يذهب عليك أنّ إجمال الرواية على هذا التقدير دليل على ما ذكرنا من عدم كونها بصدد إفادة الوجوب الشرطيّ أصلا حتّى يقع فيها الاجمال من هذه الحيثية ، بل مفادها مجرّد الحكم التكليفيّ النفسي ، ولا تقدح مخالفته بصحّة الصلاة ولا بصحّة الاقتداء أصلا كما لا يخفى .
ثمّ إنّك عرفت أنّ الروايات الواردة من طرقنا أكثرها واردة في رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام ، وبعضها وارد في خصوص السبق إلى الركوع ، ولابدّ لنا من التكلّم في هذين الفرعين فنقول:
فروع:
الفرع الأول: رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل الإمام
لو رفع الرأس من الركوع أو السجود قبل أن يرفع الامام رأسه ، ففيه صورتان:
(الصفحة 323)
1 ـ
ما إذا كان ذلك مسبباً عن السهو والذهول عن كون صلاته جماعة ، أو عن الظنّ بكون الإمام قد رفع رأسه فرفع وانكشف الخلاف ، وأنّه لم يرفع الإمام رأسه بعد .
2 ـ
ما إذا وقع ذلك عن تعمّد والتفات .
أمّا الصورة الاُولى ، فالحكم فيها بمقتضى بعض الأخبار الواردة من طرقنا أنّه يجب عليه العود واللحوق بالإمام في الركوع حتّى كان متابعاً له في حدوث الركوع وبقائه(1) ، غاية الأمر أنّ البقاء هنا لا يكون بقاءً حقيقيّاً لتخلّل الرفع ، بل بقاء حكميّ اعتبره الشارع بقاء للركوع الأول وإن كان بحسب الواقع ركوعاً ثانوياً .
فإذا كان الحكم كذلك فإن عاد ولحق بالإمام في الركوع ، وإن خالف ولم يتابع الإمام في بقاء الركوع ولم يعد إليه مع كون الواجب عليه العود واللحوق ، فإن قلنا: بأنّ المتابعة واجبة شرطاً وأنّ الاخلال بها يقدح في الصلاة ، أو في القدوة في مجموع الصلاة ، أو في الجزء الذي خالف فيه والأجزاء اللاحقة ، أو في خصوص الجزء الذي لم يتابع فيه ، فاللازم القول ببطلان الصلاة أو القدوة في المجموع أو البعض .
وإن لم نقل باعتبار المتابعة شرطاً وقلنا: بأنّ الرواية النبوية المروية بطرق العامّة(2) التي هي الأصل في هذا الحكم لا دلالة لها على أزيد من إفادة تكليف نفسيّ في حال القدوة ، كما استظهرنا ذلك منه ، فاللازم في المقام أن يقال: إنّ ترك المتابعة لا يؤثّر في بطلان الصلاة ولا في بطلان القدوة أصلا ، بل غايته أنّه معصية لتكليف نفسيّ مستقلّ لا يترتّب عليها إلاّ استحقاق العقوبة .
ولا مجال لأن يقال: إنّ ترك المتابعة الذي به يتحقّق العصيان متّحد مع إدامة
- (1) راجع الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح 4 .
- (2) راجع 3 : 314 .