(الصفحة 332)
القطعيّة . . .(1) .
ويرد عليه ما أوردناه عليه في السابق من أنّ التمسّك بقوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) في موارد الشكّ في اعتبار شيء في الجماعة ، تمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية للمخصّص ، والجواز فيه وإن كان مورداً للاختلاف بينهم إلاّ أنّ الظاهر وفاقاً للقائل عدم الجواز .
وذلك لأنّ محصل دليل المجوّز يرجع إلى أنّ الحجّة من قبل المولى لا تتمّ إلاّ بعد ثبوت الكبرى والصغرى معاً ، والموجود في المقام كبريان معلومتان: إحداهما ما يدلّ على وجوب إكرام كلّ عالم مثلا ، والاُخرى ما يدلّ على النهي عن إكرام الفسّاق من العلماء ، وقد انعقد الظهور لكلّ منهما ، ولكن فرديّة زيد للاُولى معلومة وللثانية مشكوكة ، فبضميمة الصغرى المعلومة إلى الكبرى الاُولى ينتج وجوب إكرام زيد ، وليس في البين ما يزاحمها ، لكون فرديّته لموضوع الثانية مشكوكة ، والحجّة لا تتمّ بالكبرى وحدها ، بل لابدّ من ثبوت الصغرى أيضاً .
ويرد عليه أنّ حكم المخصّص لا يختصّ بالأفراد المعلومة ، وليس وظيفة المولى إلاّ إلقاء الكبريات وبيانها للناس ، وهذه الكبريات حجّة بأنفسها من دون توقّف على تشخيص صغرياتها ، نعم حجّيتها بالنسبة إلى الخارجيّات تتوقّف عليه ، فقول المولى: أكرم العلماء مثلا حجّة على العبد يجب عليه امتثاله ، وإن كان لا يتعين عليه في الخارج إلاّ إكرام من ثبت كونه عالماً .
وبالجملة:
فالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص لا يجوز على ما قرّر في محلّه ، وحينئذ يرد على هذا القائل إنّه مع اعترافه بعدم الجواز كيف تمسّك به هنا؟
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 490 ـ 491 .
- (2) مستدرك الوسائل 4 : 158 ح5 و 8 ; يراجع الوسائل 6 : 37 . أبواب القراءة في الصلاة ب1 ح1 . وص88 ب27 ح4 .
(الصفحة 333)
إن قلت:
إنّ مراده ليس هو التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، بل مراده هو التمسّك به مع الشكّ في مفهوم عنوان المخصّص ، نظير ما إذا تردّد مفهوم الفاسق الخارج عن العلماء الذين يجب إكرامهم بين خصوص مرتكب الكبيرة أو الأعمّ منه ومن مرتكب الصغيرة ، ولا بأس بالتمسّك بالعامّ في مثل ذلك .
قلت:
لو سلّمنا ذلك نقول: إنّ التمسّك بالعامّ في الشبهة المفهومية وإن كان جائزاً إلاّ أنّه لا مجال بعد الجواز لاستكشاف عدم كون المورد المشكوك مصداقاً لعنوان المخصّص ، كما صرّح به ، حيث استكشف من التمسّك بعموم ما يدلّ على احتياج الصلاة إلى فاتحة الكتاب عدم كون المورد المشكوك من أفراد الجماعة .
فإنّه يرد عليه أنّه لا وجه لهذا الاستكشاف ، ضرورة أنّ الحكم الجاري في موضوع الشكّ كيف يمكن أن يرفع الشكّ ؟ فإنّ مورد التمسّك بالعامّ هو المشكوك بما أنّه مشكوك ، فكيف يرفع التمسّك بالعامّ للشكّ ، ويثبت به عدم كونه من أفراد المخصّص كما لايخفى؟!(1)
وكيف كان، ففي مسألة السبق إلى الركوع لو لم يعلم حال المتابعة وأنها واجبة نفساً أو شرطاً بل علم بوجوبها إجمالا وجهان:
أحدهما:
بطلان الصلاة من رأس وعدم صحّتها جماعة ولا فرادى ، نظراً إلى أنّ أمر المتابعة يدور بين الوجوب النفسي والشرطي ، وعلى التقديرين يكون الإخلال بها مبطلا .
- (1) والانصاف أنّ عباراته في هذا المقام مختلفة جدّاً ، حيث إنّه يستفاد من بعضها أنّ التمسّك بعموم قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب» من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصّص ، وقد صرّح في بعضها بأنّ الشبهة هنا من جهة المفهوم ، وأنّه ليس لنا مشكوك في الخارج ، وفي ثالث بعدم كون الشبهة في الموضوع ولا في المفهوم ، لعدم كون مفهوم الجماعة من المفاهيم المجملة ، بل الدليل الدالّ على مشروعيّتها ليس له إطلاق ، وأنّ المتيقّن منه قسم خاصّ من الجماعة ، والموارد المشكوكة تبقى بلا دليل ، فلا مانع من التمسّك بالعموم الدالّ على لزوم القراءة ، فلا تغفل . «المقرّر».
(الصفحة 334)
أمّا على التقدير الأول فلأنّ المتابعة وإن لم تكن على هذا التقدير شرطاً لا في أصل الصلاة ولا في القدوة ، إلاّ أنّ الاخلال بها بالسبق إلى الركوع يوجب أن يكون الركوع محرّماً ، لأنّ الأمر بالشيء وإن كان لا يقتضي النهي عن الضدّ الخاصّ ، إلاّ أنّه فيما لو لم يكن الضدّ الخاصّ عصياناً للأمر بحيث كانت مخالفته متحقّقة بنفس ذلك الضد ولم يكن لعصيانه واقع غيره .
وأمّا فيما كان عصيان الأمر بالضدّ متحقّقاً بنفس إيجاد الضدّ الآخر كما في الضدّين اللّذَين لا ثالث لهما ، فالأمر بالشيء فيه يقتضي النهي عن الضدّ بلا ريب ، فعلى تقدير كون وجوب المتابعة نفسيّاً لا مجال للإشكال في أنّ مخالفته بالسبق إلى الركوع يوجب وقوع الركوع محرّماً ، ومعه لا يصلح لأن يقع مقرّباً أو جزءً لما هو مقرّب .
وأمّا على التقدير الثاني فلأنّه مع الاخلال بالمتابعة على فرض كونها شرطاً للقدوة لا لأصل الصلاة لا تقع الصلاة صحيحة لا جماعة ولا فرادى ، أمّا جماعة فواضح ، لأنّ المفروض الاخلال بشرطها ، وأمّا فرادى فلأنّها غير مقصودة والمقصود وقوعها جماعة ، وهي غير واقعة ، فلا تكون صحيحة أصلا .
ثانيها:
صحة الصلاة فرادى لا البطلان ولا الصحّة جماعة ، لأنّ التكليف النفسيّ الذي هو أحد طرفي العلم الإجمالي أعني الحجّة الإجمالية لا يكون على تقدير ثبوته بمنجّز ، لأنّ الطرف الآخر لا يكون تكليفاً ، ومع عدم التنجّز لا يكون الركوع الذي به تتحقّق مخالفته محرّماً لكي لا يصلح للجزئية لما هو المقرّب ، واحتمال الشرطية للقدوة لا يترتّب عليه على تقدير كونه موافقاً للواقع إلاّ بطلان القدوة دون أصل الصلاة .
ودعوى كون وقوعها فرادى غير مقصود فكيف تقع فرادى؟!
مدفوعة بأنّ ما يفتقر إلى القصد إنّما هو نفس عنوان الصلاة ، وكذا صيرورتها
(الصفحة 335)
جماعة ، وأمّا وقوعها فرادى فلا يحتاج إلى قصد آخر زائداً على قصد عنوان الصلاة ، فلا مانع بعد عدم تأثير قصد الاقتداء في صيرورة الصلاة صلاة المقتدي من وقوعها صلاة المنفرد وإن لم تكن بهذه الصفة مقصودة .
نعم، لو قلنا في موارد اختلال بعض شروط الجماعة ـ كثبوت الحائل بين الإمام والمأموم أو تحقق فصل معتدّ به بينهما ، أو غيرهما من الموارد ـ ببطلان أصل الصلاة وصيرورتها فاسدة من رأس ، يصير البطلان في المقام محتملا أيضاً .
هذا ، والتحقيق في المقام أنّ هنا مسائل متعدّدة مفترقة من حيث الملاك والحكم :
1 ـ
ما لو كانت الجماعة فاقدة لشيء من الشروط المعتبرة فيها ، أو واجدة لشيء من الموانع المخرّبة لها ، من دون أن يكون المصلّي جماعة عالماً بذلك ، بل كان معتقداً لاستجماعها لجميع الاُمور المعتبرة فيها وجوداً أو عدماً ، ثمّ انكشف الخلاف ، كما إذا انكشف بعد الفراغ ثبوت الحائل ، أو تحقق الفصل ، أو غيرهما من الاُمور التي دلّ الدليل على اعتبارها في الجماعة .
وقد تعرّضنا لهذه المسألة فيما سبق ، واستشكلنا في صحة الصلاة فرادى أيضاً بعد عدم وقوعها جماعة ، نظراً إلى رواية السكوني المتقدّمة(1) التي كانت معمولا بها عندهم ، الدالّة على أنّه لو قال كلّ واحد من الرجلين المصليين لصاحبه: «كنت أئتمّ بك» تكون صلاة كلّ واحد منهما فاسدة ، ويجب عليهما الاستئناف والإعادة ، من دون تفصيل بين صورتي الاخلال بوظائف المنفرد وعدمه .
2 ـ
ما كان الحكم مشكوكاً، وكان الجهل متعلقاً بالحكم الشرطيّ مع كونه بسيطاً ، بمعنى أنّه لم تعلم مدخلية شيء في الجماعة من دون أن يكون الطرف الآخر
- (1) الكافي 3: 375 ح3; الوسائل 8: 352 . أبواب صلاة الجماعة ب29 ح1 .
(الصفحة 336)
هو احتمال التكليف النفسي ، بل كان أمر الشيء دائراً بين الشرطية للجماعة وعدم الشرطية ، من دون تعلّق تكليف به ، فالفرق بين المسألتين أنّ الجهل في المسألة الاُولى جهل مركّب ، ومرجعه إلى اعتقاد المصلّي كون صلاته مستجمعة لجميع شرائط الجماعة ثمّ انكشف الخلاف بعد ذلك ، وفي هذه المسألة جهل بسيط ومرجعه إلى تردّد المكلّف في اعتبار شيء في الجماعة .
ومن هنا قد انقدح أنّ المجهول في المسألة الاُولى هو الموضوع الخارجي ، وفي الثانية هو الحكم الشرعيّ ، غاية الأمر أنّ المراد بالحكم هو الحكم الشرطي لا التكليفي ، وهذه المسألة هي التي ذكر المحقّق المتقدّم(1) أنّ الأصل فيها يقتضي الشرطية ، نظراً إلى عموم قوله: «لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب»(2) .
واستشكل القائل بجريان استصحاب بقاء الجماعة على الشيخ الأنصاري(قدس سره)بأنّ الشبهة فيها إنّما تكون من جهة المفهوم ، وليس لنا مشكوك البقاء في الخارج ، وهذه هي التي اعترضنا فيها على ذلك المحقّق بعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية لعنوان المخصّص أوّلا ، وعدم جواز استكشاف فقد عنوان المخصّص من التمسّك بالعامّ ثانياً، كما عرفت مفصّلا .
3 ـ
ما إذا كان الحكم مشكوكاً وكان الجهل متعلقاً بالحكم الشرطيّ ، ولكن كان الطرف الآخر هو احتمال تكليف نفسيّ ، وقد عرفت أنّه في هذه المسألة يكون في الاخلال بالمتابعة في السبق إلى الركوع وجهان ، وقد عرفت أيضاً أنّ الحقّ عدم تنجّز التكليف النفسي بسبب العلم الإجمالي ، وعدم ترتّب أثر على احتمال الشرطية ، لأنّه يصير بعد عدم تنجّز التكليف النفسي كالمسألة الثانية التي هي مجرى البراءة مطلقاً على ما هو الحقّ ، وقد تقدّم سابقاً .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 490 ـ 491 .
- (2) راجع 3 : 332 .