(الصفحة 337)
وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا في بحث المتابعة أنّه بناءً على ما اخترناه في هذا الباب من كون وجوب المتابعة نفسيّاً لو سبق إلى الركوع عمداً تبطل صلاته من جهة وقوع الركوع عصياناً للتكليف النفسيّ المتعلّق بالمتابعة ، والمحرّم لا يصلح لأن يصير مقرّباً أو جزءً لما هو المقرّب .
وهكذا الكلام لو سبق إلى السجود عمداً ، لأنّه لا فرق بينهما بعد كون الواجب هي المتابعة في كل فعل ، وأمّا لو سبق إلى الركوع نسياناً فقد عرفت أنّ المستند في حكمه هي رواية ابن فضّال المتقدّمة ، وهي مضافاً إلى أنّه لم يعلم العمل بها لما عرفت من أنه لم يتعرّض لمسألة السبق إلى الركوع أحد من أصحابنا الإمامية إلى زمان المحقّق .
نعم أورد الشيخ(رحمه الله) هذه الرواية في زيادات التهذيب(1) من غير إشعار بكونها معمولا بها ، لا يستفاد منها وجوب المتابعة ، بل غايته السؤال عن حكم الرجل الذي سبق الإمام إلى الركوع ثمّ رفع رأسه منه ، والجواب دالّ على الصحّة وعدم كون ذلك مفسداً لعمله(2) .
ولكن لا يبعد عدم كون السبق إليهما موجباً لبطلان الصلاة ، بل الظاهر جريان حكم المتابعة فيه . وأمّا رفع الرأس من الركوع أو السجود فإن كان سهواً فمقتضى الروايات الواردة فيه أنّه يرجع إلى الركوع مثلا ، ويتابع الإمام في بقائه ، ويعدّ ركوعه الثاني بقاءً للركوع الأول حكماً لا حقيقة .
وأمّا إذا كان ذلك عمداً ، فالظاهر أنّه لا يقدح ذلك بصحّة صلاته ، لعدم تحقق الاخلال بالمتابعة فيما هو من أجزاء الصلاة ، لأنّ الاخلال بها إنّما وقع في الرفع وهو
- (1) التهذيب 3: 277 ح 811 ; الوسائل 8 : 391 . أبواب صلاة الجماعة ب48 ح4 .
- (2) ولذا استشكل سيّدنا الاُستاذ (مد ظلّه) في حاشية العروة (ص61) في السبق إلى الركوع سهواً، ـ قال: ـ وأولى منه بالاشكال السبق إلى السجود لخروجه عن مورد جميع الروايات الواردة في هذا المقام . «المقرّر» .
(الصفحة 338)
من مقدّمات الأجزاء ، والقيام الحادث بعد الرفع لا يكون بتمامه جزءً ، بل الجزء إنّما هو قيام مّا ، والمفروض تحقق المتابعة بالنسبة إليه كما عرفت .
الفرع الثالث: رفع الرأس قبل الإمام بتخيّل السجدة الاُولى
لو رفع رأسه من السجود فرأى الإمام في السجدة فتخيّل أنّها الاُولى فعاد إليها بقصد المتابعة فبان كونها الثانية ، أو تخيّل أنّها الثانية فسجد اُخرى بقصد الثانية فبان أنـّها الاُولى ، حكم في العروة بأنّها تحسب ثانية في الاُولى ومتابعة في الثانية ولكن احتاط بإعادة الصلاة في الصورتين بعد الاتمام(1) .
هذا ، وقد استشكل بعض الأعاظم على ما في العروة بأنّ صيرورة أجزاء الصلاة جزء موقوفة على الإتيان به بقصد الجزئية وإن كان على نحو الاجمال ، والمفروض أنّه لم يأت بالسجدة بقصد أنّها جزء من الصلاة في الصورة الاُولى ، نعم لو أتى بها بقصد الأمر الواقعي مع تخيّل أنّ الأمر الواقعي كان متعلقاً بالسجدة للمتابعة، تقع السجدة المأتيّ بها جزءً لتحقّق القصد إجمالا .
وهكذا الكلام في الصورة الثانية ، حيث إنّ مقتضى القاعدة احتسابها ثانية ، إلاّ أن يرجع قصده إلى الإتيان بالسجدة المأمور بها فعلا مع تخيل أنّها الثانية ، فانكشف كونها مطلوبة بعنوان المتابعة(2) .
والظاهر احتسابها ثانية في الصورة الاُولى ومتابعة في الثانية ، لأنّ المطلوبيّة بعنوان المتابعة لا تخرج المطلوب بها عن الجزئية للصلاة ، فإنّ الركوع أو السجود
- (1) العروة الوثقى 1 : 617 مسألة 11 .
- وقد نهى عن ترك هذا الإحتياط في الصورتين سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (أدام الله أظلاله على رؤوس المسلمين) في حاشية العروة ص61 . «المقرّر».
- (2) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 497 .
(الصفحة 339)
المعاد لأجل المتابعة لا يكون عملا خارجاً من الصلاة أتى به لأجل المتابعة ، ولو قلنا بكون المتابعة واجبة نفساً ، بل الظاهر أنّه أيضاً جزء من الصلاة .
ومرجع ذلك إلى أنّ الملاك في باب الجماعة هو عمل الإمام الذي تقع المتابعة فيه ، فما دام كونه مشتغلا بالجزء يقع عمل المأموم المتابع متّصفاً بوصف الجزئية ، وإن وقع مكرّراً بعنوان المتابعة ولا يخرج عن الجزئية ، ومجرّد تخيّل المأموم أنّ سجدة الامام سجدة ثانية ، والإتيان بالسجدة بهذا القصد لا يخرج عمل المأموم عن صدق المتابعة ، كما أنّ تخيّل كون سجدة الإمام سجدة اُولى والإتيان بها بقصد المتابعة لا يوجب خروجها عن كونها سجدة ثانية .
والسرّ في ذلك ما عرفت من أنّ العمل الواقع بعنوان المتابعة لا ينافي مع الجزئية ، وانّ الملاك في باب الجماعة هو عمل الإمام ، فالظاهر ما حكم به في العروة .
مسألة : التأخر الفاحش عن الإمام
قد تكلّمنا فيما سبق في الاخلال بالمتابعة الواجبة نفساً على ما استظهرناه من جهة التقدّم والسبق على الإمام بكلتا صورتيه ـ العمد والسهو ـ ولنتكلّم الآن في الاخلال لها بالتخلّف عن الإمام بالإتيان بالفعل مؤخّراً عنه ، وهو الذي قد عبّر عنه في كلام الشيخ(رحمه الله) ومن تبعه بالتأخّر الفاحش(1) الذي يكون المراد منه بحسب الظاهر هو التخلّف عن الإمام ، وعدم رعاية المتابعة له في ركن أو أزيد ، وكيف كان فنقول : قد ورد في هذا الباب روايات :
- (1) كتاب الصلاة للشيخ الانصاري : 345 و349 ، وفيه : «التخلّف الفاحش»; مصباح الفقيه : 647; كتاب الصلاة للمحقّق الحائري : 488 ـ 489 .
(الصفحة 340)
منها :
رواية حفص بن غياث التي رواها المشايخ الثلاثة كلّ بسند مستقلّ قال : سمعت أبا عبدالله(عليه السلام) يقول في رجل أدرك الجمعة وقد ازدحم الناس فكبّر مع الإمام وركع ولم يقدر على السجود ، وقام الإمام والناس في الركعة الثانية ، وقام هذا معهم ، فركع الإمام ولم يقدر هذا على الركوع في الثانية من الزحام وقدر على السجود ، كيف يصنع؟ فقال أبو عبدالله(عليه السلام) : «أمّا الركعة الاُولى فهي إلى عند الركوع تامّة ، فلمّا لم يسجد لها حتى دخل في الركعة الثانية لم يكن ذلك له ، فلمّا سجد في الثانية فإن كان نوى هاتين السجدتين للركعة الاُولى فقد تمّت له الاُولى ، فإذا سلّم الإمام قام فصلّى ركعة فسجد فيها ثم يتشهّد ويسلّم ، وإن كان لم ينو السجدتين للركعة الاُولى لم تجز عنه للاُولى ولا للثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنّهما للركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة يسجد فيها .
هذا بحسب ما رواه الصدوق والشيخ ، وأمّا الكليني فرواه إلى قوله : لم تجز عنه للأولى ولا للثانية ، وفي التهذيب زيادة على ما في الفقيه وهي : إنّه قال حفص : فسألت عنها ابن أبي ليلى فما طعن فيها ولا قارب(1) .
وهذه الرواية تشتمل على حكمين مخالفين لما يستفاد من الروايات الواردة في باب صلاة الجماعة ، لأنّها تدلّ بظاهر على أنّ المأموم الذي فاته السجود من الركعة الاُولى والركوع من الركعة الثانية ، لا بدّ له أن ينوي السجدتين من الركعة الثانية للركعة الاُولى ، وإلاّ لم تجز عنه للأولى ولا للثانية .
ومرجع ذلك إلى أنه لابدّ في اتّصاف كلّ جزء من أجزاء الركعة بوصف الجزئيّة للركعة الاُولى أو الثانية من تعلّق القصد بذلك ، وأنّه لو لم يتعلّق القصد بهذه الجهة لم يحتسب الجزء المأتيّ به جزءً للركعة الاُولى وللثانية ، مع أنّ الظاهر على ما
- (1) الكافي 3 : 429 ح9; الفقيه 1 : 270 ح1235; التهذيب 3 : 21 ح78; الوسائل 7 : 335 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح2 .
(الصفحة 341)
يشهد به النصّ والفتوى أنه لا مدخليّة لهذا القصد في تحقّق ذاك الاتّصاف .
وكذلك الرواية تدلّ بذيلها المرويّ في التهذيب والفقيه على أنّه إذا لم يأت بالسجدتين من الركعة الثانية للإمام بنيّة الركعة الاُولى ، فعليه أن يسجد سجدتين اُخريين ينوي بهما الركعة الاُولى ، وعليه بعد ذلك ركعة تامّة ، مع أنّه يلزم على ذلك زيادة السجود الذي هو ركن وهي مبطلة .
نعم ، ذكر الشهيد(رحمه الله) في محكيّ الذكرى(1) أنّه لا بأس بالعمل بهذه الرواية لاشتهارها بين الاصحاب وعدم وجود ما ينافيها ، وزيادة السجود مغتفرة في المأموم كما لو سجد قبل إمامه ، وهذا التخصيص يخرج الروايات الدالّة على الابطال بزيادة السجود عن الدلالة ، وأمّا ضعف الراوي فلا يضرّ مع الاشتهار ، على أنّ الشيخ قال في الفهرست : إنّ كتاب حفص معتمد عليه(2) ، انتهى .
ويمكن أن يقال : بعدم كون الذيل تتمّة للرواية بل هو فتوى الصدوق ، كما هو دأبه في كتاب الفقيه ، حيث يذكر فتواه بعد نقل الرواية ، ولعلّه صار سبباً لإضافة الشيخ أيضاً ، حيث إنّه زعم كونه جزءً للرواية ، ولم يرجع إلى المصدر لكثرة اشتغاله .
ومنها :
رواية عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن الرجل يكون في المسجد إمّا في يوم الجمعة وإمّا في غير ذلك من الأيّام ، فيزحمه الناس إمّا إلى حائط وإمّا إلى أُسطوانة ، فلا يقدر على أن يركع ولا يسجد حتى رفع الناس رؤوسهم ، فهل يجوز له أن يركع ويسجد وحده ثمّ يستوي مع الناس في الصفّ؟ قال : «نعم لا بأس بذلك»(3) .
- (1) الذكرى 4 : 127; الوسائل 7 : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ذ ح2 .
- (2) الفهرست : 61 .
- (3) التهذيب 3: 248 ح680 وفيه: «حتى يرفع الناس»; الوسائل 7 : 336 . أبواب صلاة الجمعة وآدابها ب17 ح3.