(الصفحة 43)
2 ـ عدم شمول قاعدة الشكّ بعد الفراغ للشكّ الحادث بعد التسليم هنا . وفي تقريب عدم جريانها وجهان :
أحدهما :
ما قرّره الشارح المحقّق الهمداني(قدس سره) في المصباح ، حيث قال : إنّ ما دلّ على عدم الإعتناء بالشكّ في الشي بعد الخروج عنه ، لا يتناول مثل هذا الخروج الذي اختاره ، لا لزعم الفراغ بل تعبّداً صوناً للصلاة ، من أن تلحقها زيادة بفعل ما يحتمل كونه تتمّة لها ، فما لم يتحقّق الفراغ من الإحتياط لا يعلم بحصول الفراغ من الصلاة ، فضلا عن أن ينصرف إليه ما دلّ على عدم الاعتناء بشكّه(1) . انتهى .
وتوضيحه ، إنّ لسان الأدلّة الدالّة على عدم الاعتناء بالشكّ في الشي بعد الخروج منه ظاهر في كون المراد من الخروج هو الخروج بزعم الفراغ من الصلاة ، بحيث يشتغل بعده بما هو مقصود له من الأعمال والحركات ، فإنّ قوله(عليه السلام): «كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فامضه ، ولا إعادة عليك فيه»(2) ظاهر في كون الشكّ العارض بعد مضيّ الصلاة والطهور ، وتخيّل حصول فراغ الذمّة عنهما ، ولذا حكم بمعاملة المضيّ معهما كما هما ماضيان .
ومرجعه إلى عدم كون الإعتقاد بالإتيان بجميع ما له دخل في المأمور به المتحقّق في حال الاشتغال ، بالإتيان به منخرماً حكماً بسبب الشكّ العارض ، بعد مضيّ العمل وتخيّل حصول الفراغ منه .
ومن الواضح اختصاص ذلك بما إذا خرج من العمل بزعم الفراغ ، وأمّا لو خرج منه تعبّداً صوناً للصلاة من لحوق الزيادة بسبب الإتيان بما يحتمل كونه متمّما ، فلا يكون هذا الخروج موجباً لمضيّ العمل حتّى يلزم معه معاملة الأمر
- (1) مصباح الفقيه كتاب الصلاة: 575 .
- (2) التهذيب 1: 364 ح1104; الوسائل 1: 471 . أبواب الوضوء ب42 ح6 .
(الصفحة 44)
الماضي ، فالانصاف تمامية هذا الوجه وعدم شمول دليل القاعدة لمثل المقام .
ثانيهما :
ما أفاده المحقّق الحائري(قدس سره) ممّا تقدّم(1) وحاصله: إنّ دليل الشكّ بعد الفراغ ينصرف إلى الفراغ بعنوان آخر الركعات واقعاً ، بمعنى أن يأتي المصلّي بالجزء الأخير بتخيل أنه الجزء الأخير ، لابناءً بواسطة تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فبنى على الأكثر وسلّم زاعماً أنه محكوم بذلك .
وبالجملة:
التسليم المحقّق لموضوع الفراغ الذي تجري فيه القاعدة ، إنّما هو التسليم الذي كان مأموراً به من الشارع ، وأما فيما لو سلّم بناءً بواسطة تخيّل الأمر من حيث تخيّل بقاء الشكّ السابق ، فلا يكون هذا النحو من التسليم موجباً لتحقّق الفراغ أصلا . والفرق بين هذا الوجه والوجه السابق واضح ، فإنّ مقتضى الوجه السابق عدم جريان القاعدة في مثل المقام ، ولو لم ينقلب الشكّ الحادث في الأثناء إلى شكّ آخر أصلا لعدم الفراغ المتعقّب لوجوب الإتيان بالنقيصة المحتملة مشمولا لدليل القاعدة ، ومقتضى هذا الوجه التفصيل بين صورتي الانقلاب وعدمه ، بجريان القاعدة فيما لو لم ينقلب لكون التسليم مأموراً به شرعاً . وعدم جريانها في صورة الانقلاب لعدم كونه مأموراً به ،بل الإتيان به إنّما هو لتخيّل الأمر من حيث بقاء الشكّ السابق .
ويرد على هذا الوجه:
أوّلا :
عدم جريان القاعدة ، ولو كان التسليم مأموراً به ، لاختصاصها بالخروج الذي اختاره لزعم الفراغ لا تعبّداً ، صوناً للصلاة من لحوق الزيادة بفعل ما يحتمل كونه متمّماً ، كما عرفت .
وثانياً :
إنّ مرجع القول بانتفاء الأمر في صورة الانقلاب إلى كون الشكّ
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري: 372 ـ 373 .
(الصفحة 45)
الموضوع لأدلّة الشكوك هو الشكّ الباقي الذي لم ينقلب إلى شكّ آخر ، ومقتضى ذلك عدم جواز إجراء أحكام الشكوك على شيء من الشكوك الحادثة في الأثناء ، لعدم العلم ببقائه وعدم انقلابه إلى شكّ آخر ، فالظاهر عدم اختصاص موضوع أدلّة الشكوك بالشكّ الباقي إلى آخر الإتيان بصلاة الإحتياط ، بل يعمّ ما إذا انقلب بعد الفراغ أيضاً .
وكيف كان ، فلا خفاء في عدم شمول دليل الشكّ بعد الفراغ لمثل المقام ، فيجب الاعتناء بهذا الشكّ والإتيان بالنقيصة المحتملة .
وهل الواجب الإتيان بها موصولة كما اختاره المحقّق الحائري(قدس سره) في كلامه المتقدّم ، أو أنّ اللازم الإتيان بها مفصولة ، كما إذا كان الشكّ حادثاً في الأثناء ولم يتبدل إلى شكّ آخر وجهان :
والظاهر هو الوجه الثاني ، لأنه بعد تحقّق التسليم ووقوعه في محلّه ـ لكونه مأموراً به من الشارع ـ لا يبقى معنى للاتّصال ، بل تصير الركعة التي يأتي بها بهذا العنوان أمراً غير مرتبط بالصلاة ، فاللازم الإتيان بها مفصولة لتكون صلاة مستقلة صالحة للتتميم على تقدير نقص الفريضة .
وبالجملة:
فلا فرق بين المقام وبين ما إذا كان الشكّ الحادث في الأثناء باقياً بعد الصلاة من حيث لزوم تدارك النقيصة المحتملة مفصولة ، صوناً للصلاة من وقوع الزيادة فيها ، فالظاهر هو الوجه الثاني .
وبقي من الصور ، صورتان :
1 ـ
انقلاب الشكّ بين الإثنتين والثلاث إلى الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع .
2 ـ
انقلابه إلى الشكّ بين الثلاث والأربع والحكم فيهما البطلان ، لانّ مرجع الانقلاب بحسب حاله الأول بعد لزوم الإتيان بركعة موصولة في الشكّ بين
(الصفحة 46)
الإثنتين والثلاث إلى كونه بحسب حاله الفعلي مردّداً بين الثلاث والأربع والخمس في الصورة الاُولى وبين الأربع والخمس في الصورة الثانية .
فذلكة أحكام الصور:
قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ عشرين صورة التي تتحصّل من ضرب الشكوك الخمسة المنصوصة المنقلب عنها في الشكوك الأربعة المنقلب إليها مختلفة من حيث الحكم ، فأربع منها حكمها البطلان ، وستّ منها حكمها الصحّة والتمامية وعدم وجوب شيء ، وأربع منها حكمها لزوم العمل على وفق الشكّ المنقلب إليه بلا اشكال ، والباقية حكمها كذلك على الأقوى ، وإن وقع فيها الإشكال والخلاف .
أمّا الأربع التي حكمها البطلان فهي انقلاب الشكّ بين الإثنتين والثلاث إلى شيء من الشكوك الأربعة الاُخر ، ووجه البطلان فيها إمّا العلم التفصيلي بتحقّق الزيادة في الصلاة كما في بعضها ، أو العلم الإجمالي بالزيادة أو النقيصة كما في بعضها الآخر .
وأمّا الستّ التي حكمها الصحّة والتمامية ، وعدم وجوب شيء ، فهي ما لو كان الشكّ المنقلب عنه هو الشكّ بين الأربع والخمس ، والشكّ المنقلب إليه واحداً من الشكوك الثلاثة التي كان أحد طرفيها أو أطرافها احتمال التمامية ، وهي الشكّ بين الإثنتين والأربع ، والشكّ بين الثلاث والأربع ، والشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع ، أو بالعكس .
والوجه في الصحّة ما عرفت من أنّه لو كان الشكّ المنقلب إليه هو الشكّ بين الأربع والخمس ، يتحقّق العلم بعدم النقص ، فلا معنى للتدارك وإن كان محتملا في الأثناء ، ولو كان الشكّ المنقلب عنه هو الشكّ بين الأربع والخمس يكون الشكّ الحادث بعد الصلاة شكّاً بعد الفراغ الحقيقي ، لانّ المفروض أنّه أتى بالجزء الأخير
(الصفحة 47)
بعنوان أنّه الجزء الأخير كما تقدّم .
وأمّا الأربع التي حكمها لزوم العمل على وفق الشكّ المنقلب إليه بلا كلام ، فهي الصور التي كان الشكّ المنقلب إليه هو الشكّ بين الإثنتين والثلاث ، والشكّ المنقلب عنه واحداً من الشكوك الأربعة الاُخر . والسرّ في ذلك هو أنّه مع وجود الشكّ المنقلب إليه يعلم بنقصان الصلاة وعدم كون التسليم واقعاً في محلّه ، فالشكّ الحادث بعده شكّ في أثناء الصلاة حقيقة ، وقد تقدّم أنه لو تبدّل الشكّ إلى شكّ آخر في الأثناء لابدّ من العمل على وفق الشكّ المنقلب إليه بلا إشكال .
وأما الستّ الباقية التي حكمها أيضاً لزوم العمل على وفق الشكّ المنقلب إليه على الأقوى ، وإن وقع فيها الإشكال والخلاف تارة من حيث إلحاقها بالستّ المتقدّمة التي حكمها الصحّة والتمامية وعدم وجوب شيء ، نظراً إلى زوال ما حدث في الأثناء وعروض الموجود بعد الفراغ ، فلا أثر لشيء منهما ، وأُخرى من حيث لزوم الإتيان بالنقيصة المحتملة بالاحتمال الموجود موصولة كما عن المحقّق المتقدّم .
فهي الصور الستّ الأخيرة التي تتحصّل من انقلاب واحد من الشكوك التي أحد طرفيها أو أطرافها احتمال التمامية ، والآخر احتمال النقيصة إلى شكّ آخر من تلك الشكوك كما عرفت . وعليك بملاحظة الجدول المرقوم في الذيل :
الصور الأربع التي حكمها لزوم العمل على طبق الشكّ الثاني بلا إشكال:
- الشكّ المنقلب عنه
الشكّ بين الثلاث والأربع
الشكّ بين الاثنتين والأربع
الشكّ بين الإثنتين والثلاث والأربع
الشكّ بين الأربع والخمس
الشكّ بين الأربع والخمس
-
الشكّ المنقلب إليه
الشكّ بين الإثنتين والثلاث
الشكّ بين الإثنتين والثلاث
الشكّ بين الإثنتين والثلاث
الشكّ بين الإثنتين والثلاث
الشكّ بين الإثنتين والثلاث