(الصفحة 57)
منهم إلى وجوبه بنفسه ، بل ذهب جمع من هذه الطائفة إلى عدم وجوب التشهّد أصلا وكونه سنّة محضة(1) .
وبالجملة:
فالظاهر عندنا أنّ القعود واجب في حال التشهّد لا لنفسه بل لأجله .
وحينئذ فالسهو عن القعود في حاله لا ينفكّ إمّا عن الاعتقاد بالإتيان بالتشهّد ، وإمّا عن الاعتقاد بكون الركعة التي فرغ منها من أوتار ركعات الصلاة ، ولا يكاد يمكن أن يتحقّق السهو عنه دون التشهّد ، فالسهو عنه عبارة اُخرى عن السهو عن التشهّد ، وعليه فيعارض الخبرين من هذه الجهة الروايات الكثيرة الواردة في نسيان التشهّد ، الدالّة على أنّه لو تذكّر قبل أن يركع في الثالثة يجب عليه الرجوع لتداركه ، وظاهرها بقرينة الحكم بوجوب السجدتين في الشقّ الآخر من شقّي مسألة نسيان التشهّد ، وهو ما لو تذكّر بعد الركوع من الركعة الثالثة عدم وجوبهما في هذا الشقّ كما لايخفى .
وأمّا القعود بين السجدتين فهو وإن كان واجباً خلافاً لبعض العامّة كأبي حنيفة ومن يحذو حذوه(2) ، إلاّ أنّ الظاهر أنه لا يكاد ينفكّ السهو عنه عن السهو عن السجدة الأخيرة ، وحينئذ تقع المعارضة بين الخبرين وبين الروايات الكثيرة الواردة في نسيان سجدة واحدة ، الدالّة على وجوب العود للتدارك مع التذكّر قبل أن يركع في الركعة اللاحقة .
وهذه الروايات غير متعرّضة لسجدتي السهو أصلا ، بل ظاهرها عدم
- (1) المجموع 3: 449 ـ 450; 462; المغني 1: 606 ـ 613; الشرح الكبير 1: 634; الخلاف 1: 364 و367 مسألة 121 و 126; تذكرة الفقهاء 3: 227 ـ 228 .
- (2) المغني لابن قدامة 1: 598; المجموع 3: 440; الخلاف 1: 360 مسألة 117; تذكرة الفقهاء 3: 190 مسألة 261 .
(الصفحة 58)
الوجوب ، ومن المعلوم أنّ الترجيح معها ، لأنّ المشهور بين القدماء وجوب السجدتين في خمسة مواضع فقط ، وسيجئ نقل عبارة الشيخ في كتاب المبسوط ، ومع ذلك لا ينبغي ترك الإحتياط .
ثمّ إنّ المحقّق في المعتبر بعد الإشكال على الاستدلال بخبر عمّار المتقدّم بأنّه نادر ينفرد به عمّار الساباطي ، وهو فطحيّ ، فلا يعمل به ، قال : ويعارضه بما رواه سماعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «من حفظ سهوه فاتمّه فليس عليه سجدتا السهو»(1) . وهذا يؤيّد ما ذكرنا ، فتدبّر .
ثمّ إنّه على تقدير الوجوب ، فهل يكون الموجب هو القعود في موضع القيام وكذا العكس ، أو نقصان القعود أو القيام في مواضع وجوبهما ، أو عنوان تبدّل القعود إلى القيام والعكس المتقوّم بعدم واحد ووجود ضدّه؟ . كلّ محتمل ، ولكنّ الظاهر هو الوجه الثاني كما لايخفى .
ثمّ إنّ الروايات الواردة في موجبات سجود السهو كثيرة ربما تبلغ ثلاثين أو أزيد ، وقد ورد أكثرها في السهو بالمعنى المصطلح ، أعني المقارن للجهل المركّب ، وجملة منها في السهو المساوق للجهل البسيط ، وهذه الطائفة على قسمين : قسم منها وارد في خصوص الظنّ ، والقسم الآخر في خصوص الشكّ .
أمّا ما ورد في السهو بالمعنى المصطلح فهي كثيرة جدّاً ، ولكن موردها مختلف ، فطائفة منها واردة في التكلّم نسياناً ، وهي رواية ابن أبي يعفور الواردة في الشكّ بين الإثنتين والأربع(2) ، ورواية عبدالرحمن بن الحجّاج(3) ورواية
- (1) المعتبر 2: 399; الوسائل 8: 238 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب23 ح4 .
- (2) الكافي 3: 352 ح4; التهذيب 2: 186 ح739; الاستبصار 1: 372 ح1315; الوسائل 8: 219 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب11 ح2 .
- (3) الكافي 3: 356 ح4; التهذيب 2: 191 ح755; الإستبصار 1: 378 ح1433; الوسائل 8: 206 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب4 ح1 .
(الصفحة 59)
الأعرج(1) هذا ، وقد اتّفق الأصحاب أيضاً على مقتضى هذه الطائفة ، وأنّ التكلّم نسياناً يوجب السجدتين كما عرفت .
وطائفة منها واردة فيما إذا نسي التشهّد الأول حتّى يركع في الركعة الثالثة ، وهي رواية الفضيل بن يسار والحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام)(2) ، ورواية عليّ بن أبي حمزة(3) ورواية سليمان بن خالد وابن أبي يعفور والحسين بن أبي العلاء ورواية قرب الاسناد المرويّة في الوسائل(4) وغير ذلك ممّا ورد بهذا المضمون ، وقد اتّفق الأصحاب هنا أيضاً على ذلك(5) .
وطائفة ثالثة واردة في نسيان سجدة واحدة حتّى يركع في الركعة اللاحقة ، وهي رواية معلّى بن خنيس ، وما رواه البرقي في المحاسن المحكيّ في الوسائل(6) ، ومرسلة سفيان بن السمط(7) ، ولكنّ الانصاف أنّه لا دلالة لشي منها على الوجوب ، ولكن يغنينا عن ذلك إتّفاق الأصحاب عليه كالتشهّد المنسي(8) ، فيستكشف من ذلك وجود نصّ معتبر ، غاية الأمر أنّه لم يصل إلينا .
- (1) الكافي 3: 357 ح6; التهذيب 2: 345 ح1433; الوسائل 8: 203 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح16 .
- (2) الكافي 3: 356 و357 ح2 و8 ; التهذيب 2: 345 و344 ح1431 و1429; الوسائل 6: 405 و406 . أبواب التشهّد ب9 ح1 و3 .
- (3) التهذيب 2: 344 ح1430; الكافي 3: 357 ح7; الوسائل 8 : 244 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب26 ح2 .
- (4) التهذيب 2: 157 ـ 159 ح616 و618 ـ 620; الاستبصار 1: 362 و363 ح1374 و 1375; الفقيه 1: 231 ح1026; قرب الاسناد: 168 ح727; الوسائل 6: 402 ـ 404 . أبواب التشهّد ب7 ح3 و4 و5 و8 .
- (5) مدارك الأحكام 4 : 242 .
- (6) التهذيب 2: 154 ح606; الاستبصار 1: 359 ح1363; المحاسن 2: 50 ح1150; الوسائل 6: 366 ، 367 . أبواب السجود ب14 ح5 و7 .
- (7) التهذيب 2: 155 ح608; الاستبصار 1: 361 ح1367; الوسائل 8 : 251 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح3 .
- (8) رياض المسائل 2 : 527 .
(الصفحة 60)
ثمّ إنّه قد وقع اشتباه في نقل متن المرسلة ، حيث إنّ الشيخ(قدس سره) في التهذيب بعدما ذكر عبارة المقنعة في نسيان سجدة واحدة استدلّ لحكمه بالمرسلة ونقلها ، ثمّ بيّن انطباقها على المورد بكلام(1) ، وقد توهّم جماعة من المحدّثين كصاحبي الوافي وترتيب التهذيب أنّ ذلك الكلام أيضاً من تتمّة الرواية (2) ، ولكن صاحب الوسائل وجمع آخر قد سلموا من هذا الإشتباه ، وسيأتي نقل متن المرسلة .
وهنا رواية واحدة تدلّ على صحة الصلاة لو زيدت فيها ركعة سهواً ، غاية الأمر وجوب سجدتي السهو من أجل ذلك ، وهي رواية زيد بن عليّ بن الحسين عن آبائه ، عن عليّ(عليهم السلام)(3) ولكنّها ـ مضافاً إلى مخالفتها لاُصول المذهب من حيث اشتمالها على أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) صلّى بالقوم الظهر خمس ركعات ثمّ سجد السجدتين بعد ا لتذكّر ـ شاذّ لا يعمل بها ، لأنّ زيادة الركعة توجب الاستئناف بمقتضى الأخبار الكثيرة .
ورواية اُخرى واردة في نقصان ركعة وأنّه يوجب السجدتين ، وهي رواية عيص بن القاسم(4) ولكن من الواضح أنّ الموجب للسجود في ذلك المورد إنّما هو السلام سهواً ، وإلاّ فمجرّد نسيان الركعة من حيث هو لا يوجب السجود ، نعم يقع الكلام في السلام السهوي وأنّه هل يكون بنفسه موجباً للسجود ، أو لأجل أنّه من مصاديق الكلام سهواً ، حيث إنّك عرفت أنّ السلام من كلام الآدميّين؟ ، فيه وجهان .
وروايتان واردتان فيمن قام في موضع القعود أو بالعكس ، وهما روايتا
- (1) التهذيب 2: 155 .
- (2) الوافي 8 : 992; ترتيب التهذيب 1: 378 .
- (3) التهذيب 2: 349 ح1449; الاستبصار 1: 377 ح1432; الوسائل 8: 233 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح9 .
- (4) التهذيب 2: 350 ح1451 و ص149 ح586; الوسائل 8: 198 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح8 .
(الصفحة 61)
معاوية بن عمّار وعمّار الساباطي المتقدّمتان(1) .
ورواية واحدة واردة فيمن قرأ موضع التسبيح أو بالعكس ، وهي رواية عمّار المتقدّمة .
ورواية واحدة واردة في مطلق الزيادة والنقيصة ، وهي مرسلة سفيان بن السمط(2) التي يجي نقلها والتكلّم في مفادها .
قال الشيخ في المبسوط : وهي تعمّ كلّ فعل وهيئة وفرض ونفل ، ولكنّه بعيد(3) . هذه هي الروايات الواردة في السهو بالمعنى المصطلح .
وأمّا ما ورد منها في خصوص الظنّ ، فهي رواية الحلبي الواردة في الشكّ بين الثلاث والأربع الدالّة على وجوب سجدتي السهو إذا ذهب الوهم إلى الأربع(4) ، وقد أفتى على طبقها عليّ بن بابويه(5) ، ولكنّه شاذّ ، ورواية إسحاق بن عمّار الواردة فيمن ذهب وهمك إلى التمام أبداً في كلّ صلاة(6) ، ورواية محمد بن مسلم(7) ، ولم يعمل على طبق هذه الرواية أحد من الأصحاب رضوان الله عليهم أجمعين .
وأما الروايات الواردة في خصوص الشكّ فعلى طائفتين ، طائفة منها غير معمول بها ، كرواية سهل بن اليسع الواردة فيمن لا يدري أثنتين صلّى أم ثلاثاً أم أربعاً الدالّة على أنّه يبني على يقينه ويسجد سجدتي السهو بعد التسليم(8) ، ورواية
- (1) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح1 و2 .
- (2) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح2 و 3 .
- (3) المبسوط 1: 125 .
- (4) الكافي 3: 353 ح8 ; الوسائل 8: 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح5 .
- (5) مختلف الشيعة 2: 411 و 424; الذكرى 4: 86 .
- (6) التهذيب 2: 183 ح730; الوسائل 8: 211 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب7 ح2 .
- (7) الكافي 3: 352 ح5; الوسائل 8: 217 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب10 ح 4 .
- (8) الفقيه 1: 230 ح1023; الوسائل 8: 223 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب13 ح2 .