(الصفحة 66)
النقيصة هي الزيادة والنقيصة السهويتان ، واضحة من حيث التعبير بكون السجدتين هما سجدتي السهو ، ومن جهة توصيف الزيادة بالدخول عليك كما لا يخفى .
نعم ، الذي يقتضيه التتبّع والتفحّص في شتات الأخبار الواردة في الأبواب المختلفة ، أنّ للمرسلة معارضات كثيرة ، ولابأس بايراد جملة منها فنقول :
منها :
صحيحة زرارة الواردة فيمن جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه ، وأخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه ، الدالّة على أنه إن فعل ذلك ناسياً أو ساهياً أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته(1) ، وجه المعارضة أنّ الظاهر من قوله(عليه السلام) : «فلا شيء عليه» هو نفي ثبوت تكليف عليه من وجوب الإعادة أو غيرها كالسجدتين للسهو ، فدلّ على ثبوت سجدتي السهو مع نقصان الجهر أو الاخفات في موضعهما .
ويمكن المناقشة في المعارضة: تارة بأنّ الظاهر من قوله: «فلا شيء عليه» هو نفي خصوص وجوب الإعادة عليه ، لأنّ الظاهر أنّ هذه الجملة بيان لمفهوم الجملة الاُولى الدالّة على وجوب الإعادة على من فعل ذلك متعمّداً ، فيختصّ بذلك ولا دلالة لها على نفي سجود السهو .
واُخرى بأنّه على تقدير دلالتها على نفي وجوب سجود السهو أيضاً لا تكون صالحة للمعارضة ، لانّ الإخلال بالجهر أو الإخفات في مواضعهما خارج عن مورد المرسلة ، لانّ المتبادر من النقيصة هو نقص الأجزاء الواجبة كما لا يخفى .
ومنها :
صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم الواردتان في نسيان القراءة الدالّتان على أنّ من نسيها فلا شيء عليه ـ كما في الأولى ـ أو فقد تمّت صلاته ولا شيء
- (1) الفقيه 1: 227 ح1003; التهذيب 2: 162 ح635; الإستبصار 1: 313 ح1163; الوسائل 6: 86 . أبواب القراءة في الصلاة ب26 ح1 .
(الصفحة 67)
عليه ـ كما في الثانية(1) ـ .
ومنها :
حديثا ابن حازم(2) وحسين بن حمّاد(3) الواردان في السهو عن القراءة في الصلاة كلّها ، الدالاّن على تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ـ كما في الأول ـ أو مع حفظهما ـ كما في الثاني ـ والانصاف أنه لا دلالة لهما على نفي وجوب سجود السهو ، لانّ غاية مدلولهما تمامية الصلاة مع إتمام الركوع والسجود ، وهي لا تنافي وجوب السجود للسهو بناءً على ما هو الحقّ عندنا من عدم كون الاخلال بسجود السهو في مورد وجوبه مضرّاً بتماميّة الصلاة خلافاً للعامة(4) .
ومنها :
الأخبار الواردة في جواز العدول عن سورة إلى اُخرى في بعض الموارد(5) من غير تعرّض لسجود السهو ، ويمكن المناقشة في معارضتها للمرسلة بعدم كون مورد تلك الأخبار زيادة مشمولة للمرسلة حتّى يقع بينهما التعارض .
ومنها :
خبر عبدالله بن ميمون القداح الوارد في نسيان تسبيح الركوع الدالّ على تمامية الصلاة ، وخبر عليّ بن يقطين الوارد في نسيان تسبيح الركوع والسجود الدالّ على نفي البأس بذلك(6) .
ومنها :
رواية إسمعيل بن جابر عن أبي عبدالله(عليه السلام) الدالّة على وجوب الرجوع للسجود ما لم يركع فيما إذا نسي السجدة الثانية فذكر وهو قائم ، مع انّ الرجوع مستلزم لوقوع القيام أو هو مع القراءة كلاًّ أو بعضاً زيادة في الصلاة ، وظاهر
- (1) الفقيه 1: 227 ح1005; التهذيب 2: 146 ح569; الكافي 3: 347 ح1; الوسائل 6: 87 أبواب القراءة في الصلاة ب27 ح1 و2 .
- (2) الكافي 3: 348 ح3; التهذيب 2: 146 ح570; الوسائل 6: 90 . أبواب القراءة في الصلاة ب29 ح2 .
- (3) الفقيه 1: 227 ح1004; التهذيب 2: 148 ح579; الوسائل 6: 93 . أبواب القراءة في الصلاة ب30 ح3 .
- (4) المجموع 4: 152; بداية المجتهد 1: 264; الخلاف 1: 462; تذكرة الفقهاء 3: 359 مسألة 365 .
- (5) راجع الوسائل 6: 100 ، أبواب القراءة في الصلاة ب36 .
- (6) التهذيب 2: 157 ح612 و614; الوسائل 6: 320 . أبواب الركوع ب15 ح1 و2 .
(الصفحة 68)
الرواية عدم وجوب سجدتي السهو لأجل ذلك . ومثلها رواية أبي بصير ـ ليث المرادي ـ في الدلالة على وجوب الرجوع للسجود فيما إذا نسي سجدة واحدة مادام لم يركع ، وعدم التعرّض لوجوب سجدتي السهو ، بل ظاهرها العدم(1) .
ومنها :
الأخبار الكثيرة الواردة في نسيان التشهّد الأول الدالّة على وجوب الرجوع إليه مادام لم يركع(2) ، من غير تعرّض لوجوب السجدتين للسهو من جهة زيادة القيام أو هو مع التسبيحات كلاًّ أو بعضاً ، بل ظاهرها بقرينة المقابلة مع ما إذا تذكّر بعد الركوع ـ حيث حكم فيه بالقضاء وسجدتي السهو ـ عدم وجوبهما هنا .
ومنها :
الأخبار الواردة في نسيان القنوت الدالّة على أنه لا شيء معه(3) .
وغير ذلك ممّا يستفاد منه خلاف ما تدلّ عليه المرسلة . ومع ثبوت المعارض لها لابدّ من ترجيحه لأجل ثبوت الشهرة من حيث الفتوى على خلافها كما عرفت ، ويؤيّده ما ذكره الشيخ في المبسوط حيث إنّه بعد اختيار أنّ سجدتي السهو لاتجبان إلاّ في خمسة مواضع ، وحكاية أنّ في أصحابنا من قال : تجبان في كلّ زيادة ونقصان ، وعليه تجبان في كلّ زيادة على أفعال الصلاة أو هيآتها ، فرضاً كانت أو نفلا ، وكذلك كلّ نقيصة كذلك ، قال : إلاّ أنّ الأول أظهرفي الروايات والمذهب(4) .
وبالجملة :
فالأقوى ما ا ختاره الشيخ(قدس سره) لما عرفت .
ثمّ إنّ سجود السهو في موارد وجوبه هل يكون شرطاً لصحّة الصلاة بحيث كان الاخلال به مضرّاً بها ، أو أنّ التكليف الوجوبيّ المتعلّق به تكليف نفسيّ ، غاية
- (1) التهذيب 2: 153 و152 ح602 و598; الاستبصار 1: 359 و358 ح1361 و1360; الفقيه 1: 228 ح1008; الوسائل 6: 364 و 365 . أبواب السجود ب14 ح1 و4 .
- (2) راجع الوسائل 6: 401 . أبواب التشهّد ب7 .
- (3) راجع الوسائل 6: 285 . أبواب القنوت ب15 .
- (4) المبسوط 1 : 123 ـ 125 .
(الصفحة 69)
الأمر أنّ موجبه أمر وقع في الصلاة من زيادة أو نقصان على ما عرفت ؟ وجهان ، والظاهر أنه لا خلاف بيننا نصاً وفتوى في عدم كون الإخلال به موجباً لبطلان الصلاة .
نعم ، حكي عن الشيخ في الخلاف أنه قال بالوجوب ، وكونهما شرطاً في الصحّة حيث قال : سجود السهو واجب وشرط في صحة الصلاة(1) كما أنه حكي ذلك عن المصابيح مع نسبته فيه إلى بقية الأصحاب(2) ، لأنّهم كانوا قائلين بوجوب المبادرة ، وعن الذخيرة والكفاية أنه أحوط(3) .
وعن المعتبر(4) أنه ربما يظهر منه موافقة الخلاف وقوّاه في مفتاح الكرامة ، حيث إنّه بعد نقل هذا القول قال : قلت: هو قويّ جدّاً بحسب الأصول والقواعد وظواهر الأخبار ، لأنّ العبادة إن كانت إسماً للصحيح ـ كما هو الصحيح ـ يكون المكلّف مع هذا الخلل غير ممتثل ، لأنّ الشارع قد جعل هذه السجدة تداركاً لخللها ، فالصلاة حينئذ مطلوبة مع هذه السجدة ومأموراً بها بهذا الوجه ، فلو ترك السجدة عمداً لا يكون آتياً بالمأمور به على وجهه ، بل لو ترك سهواً يكون كذلك أيضاً ، إلاّ أن نقول بصحّتها من دليل أو قاعدة في صورة السهو .
نعم لو قيل: بأنّها إسم للأعمّ يكون الإتيان بسجدة السهو واجباً برأسه ، من غير مدخلية له في صحة الصلاة لأصالة الصحّة ، أو قيل : بأنّ كلّ خلل في الصلاة خطأً أوسهواً غير مضرّ، لعموم قوله(عليه السلام): «رفع عن اُمّتي الخطأ والنسيان» ، وكلاهما غير مرضيّين ، خصوصاً في مقام قد جعل الشارع أمراً من الأمور تداركاً للسهو.
- (1) الخلاف 1: 462 مسألة 203 .
- (2) مصابيح الظلام: أواخر ج7 ، مفتاح 201 ، ذ شرح قول الماتن: «ولو أهملها»; مفتاح الكرامة 3: 375 .
- (3) ذخيرة المعاد: 382; كفاية الأحكام : 26; المسألة الخامسة من الطرف الثاني .
- (4) المعتبر 2: 402 .
(الصفحة 70)
وتتبّع أحكام السهو يوجب على القطع بفساد أصالة الصحّة في غير كثير الشكّ ، ومن كان شكّه بعد الخروج عن موضع الشكّ ، وقد ورد في غير واحد من الأخبار «فاسجد سجدتي السهو» والفاء للتعقيب بلا مهلة وربما منع ، لكنّ المتبادر من جميع أخبار المسألة أنّهما بعيد التسليم وليس في مدّة العمر ، وفي بعضها بعد التسليم وفي بعضها وأنت جالس(1) . إنتهى بعض كلامه رفع مقامه .
والظاهر ما عرفت من عدم كونهما شرطاً ، وذهاب الشيخ إليه في كتاب الخلاف الذي قد صنّف في محيط جميع فقهاء المسلمين ، وكان المقصود من تصنيفه إيراد الفتاوى المتداولة بينهم لايسدّنا عن الخلاف ، خصوصاً مع ذهابه في سائر كتبه إلى ما ذكرنا ، كما أنّ اختيار السيّد(قدس سره) في كتاب المصابيح لا يصرفنا عن ذلك ، خصوصاً بعد كون ذلك الكتاب متفرّقات جمعت بعد موت مؤلّفه ، ونسبة ذلك إلى بقيّة الأصحاب مردودة ، لما عرفت من عدم الخلاف بينهم ظاهراً في عدم الشرطية .
وأمّا ما استدلّ به لهذا القول الذي قوّاه صاحب المفتاح فيرد عليه:
أوّلا :
إنّ العبادة وإن كانت إسماً للصحيح على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّ الصحيح الموضوع له هو عنوان واحد لا يختلف بحسب اللّغة والملل ، ويدلّ عليه تحقّق عنوان الصلاة على ما في الكتاب العزيز في شريعة موسى وعيسى(عليهما السلام) ، كقوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام) :
{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً}(2) وذلك العنوان هو عنوان التخضّع والتخشّع بنحو مخصوص; غاية الأمر تحقّق الاختلاف بين الأديان في تلك الكيفية وذلك النحو ، وحينئذ فالاخلال بالسجدتين المأمور
- (1) مفتاح الكرامة 3 : 375 ـ 376 .
- (2) مريم: 31 .