(الصفحة 70)
وتتبّع أحكام السهو يوجب على القطع بفساد أصالة الصحّة في غير كثير الشكّ ، ومن كان شكّه بعد الخروج عن موضع الشكّ ، وقد ورد في غير واحد من الأخبار «فاسجد سجدتي السهو» والفاء للتعقيب بلا مهلة وربما منع ، لكنّ المتبادر من جميع أخبار المسألة أنّهما بعيد التسليم وليس في مدّة العمر ، وفي بعضها بعد التسليم وفي بعضها وأنت جالس(1) . إنتهى بعض كلامه رفع مقامه .
والظاهر ما عرفت من عدم كونهما شرطاً ، وذهاب الشيخ إليه في كتاب الخلاف الذي قد صنّف في محيط جميع فقهاء المسلمين ، وكان المقصود من تصنيفه إيراد الفتاوى المتداولة بينهم لايسدّنا عن الخلاف ، خصوصاً مع ذهابه في سائر كتبه إلى ما ذكرنا ، كما أنّ اختيار السيّد(قدس سره) في كتاب المصابيح لا يصرفنا عن ذلك ، خصوصاً بعد كون ذلك الكتاب متفرّقات جمعت بعد موت مؤلّفه ، ونسبة ذلك إلى بقيّة الأصحاب مردودة ، لما عرفت من عدم الخلاف بينهم ظاهراً في عدم الشرطية .
وأمّا ما استدلّ به لهذا القول الذي قوّاه صاحب المفتاح فيرد عليه:
أوّلا :
إنّ العبادة وإن كانت إسماً للصحيح على ما هو التحقيق ، إلاّ أنّ الصحيح الموضوع له هو عنوان واحد لا يختلف بحسب اللّغة والملل ، ويدلّ عليه تحقّق عنوان الصلاة على ما في الكتاب العزيز في شريعة موسى وعيسى(عليهما السلام) ، كقوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام) :
{وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيّاً}(2) وذلك العنوان هو عنوان التخضّع والتخشّع بنحو مخصوص; غاية الأمر تحقّق الاختلاف بين الأديان في تلك الكيفية وذلك النحو ، وحينئذ فالاخلال بالسجدتين المأمور
- (1) مفتاح الكرامة 3 : 375 ـ 376 .
- (2) مريم: 31 .
(الصفحة 71)
بهما بعد الصلاة لا يوجب عدم تحقّق عنوانها حتّى لا يكون ممتثلا فتدبر .
وثانياً:
إنّ دعوى كون السجدة تداركاً للخلل الواقع في الصلاة وهي مطلوبة مع هذه السجدة ومأمور بها بهذا الوجه; أوّل الكلام ، فإنّا لا نسلّم أن تكون الصلاة مطلوبة مع هذه السجدة بحيث كانت السجدة مأموراً بها بالأمر الضمني أو الغيري وكونها تداركاً للخلل .
ممنوعة ، لعدم الدليل عليه ، فلعلّها كانت عقوبة لأصل السهو الواقع في الصلاة ، كما استظهرنا ذلك سابقاً في سجود السهو المسبّب عن الشكّ بين الأربع والخمس(1) ، حيث ذكرنا أنّ احتمال الزيادة مدفوع بالأصل ، والتكليف بالسجود مسبّب عن أصل تحقّق السهو في الصلاة ، ويؤيّد ما ذكرنا من عدم قدح الاخلال بسجود السهو في صحة الصلاة رواية عمّار بن موسى المتقدّمة الدالّة على أنّ نسيان سجدتي السهو لا يضرّ بالصلاة ، بل يسجدهما متى ذكر(2) ، فإنّها وإن كانت مشتملة على ما لا يقول به الأصحاب من الأحكام ، إلاّ أنه لا يضرّ بالاستدلال بها في غير تلك الموارد كما هو واضح .
هذا كلّه ما يتعلّق بذلك عند أصحابنا الإمامية ، وأما العامّة فقد اختلفوا في ذلك ، والظاهر أنّ القائلين بالوجوب ـ وأنّ سجود السهو فرض ـ كأبي حنيفة ومالك في بعض الموارد ذهبوا كلاًّ أو جلاًّ إلى كونه من شروط صحة الصلاة(3) .
ثمّ إنّ موضع سجود السهو عند أصحابنا الإمامية إنّما هو بعد التسليم(4) ، وقد
- (1) راجع 2 : 498 .
- (2) الوسائل 8: 250 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب32 ح2 .
- (3) راجع 3 : 67 .
- (4) أمالي الصدوق: 513; المقنعة : 148; الخلاف 1: 448; المبسوط 1: 125; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 37; الكافي في الفقه : 148; المراسم: 90; مستند الشيعة 7: 241 .
(الصفحة 72)
عرفت الاختلاف في ذلك من العامّة(1) .
وأما كيفيته ، فالظاهر عدم ثبوت التكبير فيهما ، وحكي عن بعض العامّة القول بالثبوت(2) ، وأمّا رواية زيد بن عليّ بن الحسين المتقدّمة(3) الدالّة على إتيانه(صلى الله عليه وآله) بسجدتي السهو ، وأنه استقبل وكبّر وهو جالس ثمّ سجد سجدتين ، فهي التي رواها العامّة واستدلّوا بها لاتيانه(صلى الله عليه وآله)بسجدتي السهو(4) .
ولكن قد تقدّم(5) أنّها مضافاً إلى كونها مخالفة لأصول المذهب ، معارضة بصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنه لم يسجد سجدتي السهو قط . هذا ، ولكن لا خلاف بين المسلمين ـ كما مرّ(6) في كونهما سجدتين ـ وبين الإمامية ظاهراً في ثبوت التشهّد والتسليم فيهما(7) ، وقد عرفت اختلاف العامّة في ذلك(8) .
وأمّا الذكر ، فقد وقع الاختلاف بين الإمامية في وجوبه واستحبابه ، وكذا في كيفيته(9) وقد ورد في هذا الباب مارواه الصدوق في الفقيه باسناده عن الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) أنّه قال : «تقول في سجدتي السهو: بسم الله وبالله وصلّى الله على محمّد وآل محمّد» (اللّهم صلّ على محمد وآل محمد خ ل) قال : وسمعته مرّة اُخرى
- (1) راجع 3 : 53 .
- (2) فتح العزيز 4: 183 و 192 ; عمدة القارئ 7 : 310; تذكرة الفقهاء 3 : 367; مستند الشيعة 7: 244 .
- (3) الوسائل 8: 233 ، أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح9 .
- (4) صحيح البخاري 1: 197 ح714; وج2 : 82 ـ 83 ح1227 ـ 1229; سنن ابن ماجة 1: 383 ب134 .
- (5) راجع 3 : 60 .
- (6) راجع 3 : 51 .
- (7) المبسوط 1: 125; جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 37; السرائر 1: 259; المعتبر 2: 401; تذكرة الفقهاء 3: 362 مسألة 366; مستند الشيعة 7: 242; جواهر الكلام 12: 442 .
- (8) راجع 3 : 53 .
- (9) المقنع: 110; المبسوط 1: 125; المعتبر 2: 401; مدارك الأحكام 4: 283; الحدائق 9: 336; مجمع الفائدة والبرهان 3: 162; ذخيرة المعاد: 382; مستند الشيعة 7: 244; جواهر الكلام 12: 453 .
(الصفحة 73)
يقول : «بسم الله وبالله والسلام عليك أيُّها النبيّ ورحمة الله وبركاته» ، ورواه الشيخ في التهذيب مع اختلاف يسير ، وهو إعادة الجار مع قوله : آل محمد وعطف جملة «السلام عليك» بالواو(1) .
هذا ، والظاهر أنّ المراد بقول الراوي : وسمعته مرّة اُخرى يقول : ليس هو أنه سمعه في مقام الإتيان بسجدتي السهو يقول كذلك ، كيف وهو مضافاً إلى مخالفته لأصول المذهب مردود لصحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنه لا يسجدهما فقيه(2) ، بل المراد أنه سمعته يقول على وجه الفتوى والتعليم .
وكيف كان ، فيستفاد من الرواية التخيير في الذكر بين الكيفيتين ، بل الظاهر التخيير في مقام الصلاة على النبيّ وآله بين الإتيان بالجملة الخبرية أو الإنشائية ، وإن كان الصادر من الامام(عليه السلام) واحداً منهما ، وذلك لأجل عدم تفاوت في المضمون . ومنه يظهر ثبوت التخيير بين الإتيان بالجار وعدمه ، وبين العطف في قوله : السلام عليك وعدمه ، كما هو ظاهر .
هل يتعدّد السجود بتعدّد الموجب أم يتداخل الأسباب؟
هل يتعدّد السجود عند تعدّد الموجب مطلقاً ، أم يتداخل مطلقاً ، أو يفصل بين ماإذا كان الموجب من سنخ واحد ، كما إذا تحقّق الكلام السهوي متعدّداً فيتداخل ، وبين ما إذا لم يكن كذلك فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، ذهب إلى الأول جمع كثير كالعلاّمة والشهيد والمحقّق الكركي وغيرهم بل هو المشهور(3) ، وإلى الثاني
- (1) الفقيه 1: 226 ح997; الكافي 3: 356 ح5; التهذيب 2: 196 ح773 ; الوسائل 8 : 234 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب20 ح 1 .
- (2) الوسائل 8: 202 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب3 ح13 .
- (3) التحرير 1: 50; نهاية الأحكام 1: 549; تذكرة الفقهاء 3: 365; الذكرى 4 : 90; جامع المقاصد 2: 493; الموجز الحاوي (رسائل العشر): 108; مجمع الفائدة والبرهان 3: 198; ونسب في مفتاح الكرامة 3: 376 ، إلى كشف الالتباس; والجعفريّة والغريّة وشرح الألفيّة وارشاد الجعفريّة; مستند الشيعة 7 : 247 .
(الصفحة 74)
الشيخ في المبسوط والمحقّق السبزواري في الذخيرة والكفاية وبعض آخر(1) ، وإلى الثالث ابن إدريس في السرائر ، وحكي عنه أنه نفى الخلاف عن عدم التداخل عند الاختلاف(2) ، وحيث أنه لا خصوصيّة للمقام بل هو من صغريات مسألة التداخل المعنونة في الأصول ، فلا بأس بالاشارة إلى تلك المسألة والتعرّض لها بنحو الاجمال ، فنقول وعلى الله الإتكال :
إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء كقوله : «إذا بلت فتوضّأ» و«إذا نمت فتوضأ» ، فهل اللازم الإتيان بالجزاء متعدّداً حسب تعدّد الشرط أم يتداخل فلا يجب إلاّ إتيانه ، فتعدّد دفعة واحدة ، أم يفصل بين ما إذا اتّحد جنس الشرط فيتداخل وما إذا تعدّد فيتعدّد؟ وجوه وأقوال ، نسب الأول إلى المشهور . والثاني إلى المحقّق السبزواري وجماعة . والثالث إلى الحلّي في السرائر(3) .
ونحن نقول : لا إشكال ولاخلاف في أنّ طبيعة واحدة وماهيّة فاردة لا يعقل أن يتعلّق بها أزيد من أمر واحد بالنسبة إلى آمر واحد ومأمور كذلك ، ضرورة أنّ التخصّص بخصوصيتين أو أزيد ، لابدّ وأن يكون ناشئاً من اختلاف الخصوصيات وتعدد المميزات ، وإلاّ فصرف الشيء لا يتثنّى ولا يتكرّر .
إنّما الإشكال فيما إذا تعدّدت الأسباب ، وأنّ كلّ سبب هل يوثِّر في حصول الأمر مستقلاًّ أو لا ، بل التأثير مستند إلى السابق منها وعند الاجتماع إلى مجموعها ، نظير توارد العلل التامّة على معلول واحد في الاُمور الخارجية؟ ، ونقول : حيث إنّ
- (1) المبسوط 1: 123; المعتبر 2: 402; الذخيرة: 382; كفاية الأحكام : 27; بحار الأنوار 85: 227; الحدائق 9: 341; مفتاح الكرامة 3: 376 .
- (2) السرائر 1: 258 .
- (3) نهاية الاصول : 305 .