(الصفحة 87)
أنه صلاّها .
ومثله في الحكم ما لو شكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء ، ولم يكن صلّى المغرب أو شكّ في أنه صلاّها ، فإنه يعدل بالنية إلى المغرب ما دام لم يأخذ في القيام إلى الركعة الرابعة(1) ، بناءً على مااختاره العلاّمة وتبعه صاحب الجواهر(قدس سرهما) ، أو مادام لم يدخل في ركوع الركعة الرابعة بناءً على ما هو المشهور(2) .
الثالثة:
إذا شكّ في العشاء بين الثلاث والأربع وتذكّر أنه سهى عن المغرب ، قال في العروة : بطلت صلاته وإن كان الأحوط إتمامها عشاءً والإتيان بالاحتياط ثمّ إعادتها بعد الإتيان بالمغرب(3) .
أقول :
هذه المسألة مبتنية على مسألة اُخرى معنونة في باب العدول ، وهو أنه قد وقع الخلاف في أنه لو تجاوز محلّ العدول فيما إذا كان في العشاء وقد سهى عن المغرب وتذكّر أنه لم يأت بها بعد ، بأن دخل في ركوع الركعة الرابعة ، فهل اللازم عليه الاتمام عشاءً ثمّ الإتيان بالمغرب ، كما لو تذكّر بعد الفراغ عن العشاء أنه لم يكن صلّى المغرب ، أو أنه تبطل الصلاة لعدم إمكان العدول إلى المغرب بعد التجاوز عن محلّه ، كما هو المفروض ؟ .
ولا دليل على سقوط شرطية الترتيب المستفاد من قوله(عليه السلام) : «إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(4) ومن أدلّة العدول كما مرّ مراراً ، لأنّ القدر المتيقّن من السقوط ما إذا تذكّر بعد الفراغ من اللاحقة أنه فاتت منه السابقة ولم يكن صلاّها ، وأمّا إذا تذكّر قبل
- (1) العروة الوثقى 1 : 687 المسألة الاُولى والثانية .
- (2) المنتهى 1: 422; جواهر الكلام 7: 316 .
- (3) العروة الوثقى 1: 689; المسألة السادسة .
- (4) الوسائل 4: 1256 و 130 . أبواب المواقيت ب4 ح5 و20 و 21 .
(الصفحة 88)
الفراغ فلا دليل عليه .
فإن قلنا بالأوّل الذي مرجعه إلى سقوط اعتبار الترتيب لو تذكّر في الأثناء أيضاً مع عدم إمكان العدول ، فالحكم في المقام أيضاً إتمام الصلاة عشاءً ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط ثمّ بالمغرب ، لأنه لا فرق بين المسألتين من حيث عدم امكان العدول ، غاية الأمر أنه هناك لأجل استلزام العدول زيادة ركوع في صلاة المغرب وهي مبطلة ، وهنا لأجل استلزامه وقوع الشكّ في عدد الركعات في صلاة المغرب وهو أيضاً مبطل; وإن قلنا بالثاني فالحكم البطلان والإتيان بالمغرب ثمّ بالعشاء .
والظاهر هو الوجه الأول ، لالغاء الخصوصية من الدليل الدال على سقوط اعتبار الترتيب فيما إذا تذكّر بعد الفراغ من صلاة العشاء ، بدعوى عدم اختصاصه بخصوص هذه الصور ، بل يعمّ ما إذا تذكّر قبل الفراغ فيما إذا تجاوز عن محلّ العدول أيضاً فتدبر .
الرابعة:
إذا صلّى الظهرين ، وقبل أن يسلّم للعصر علم إجمالا أنه إما نقص من ظهره ركعة والركعة التي بيده رابعة العصر ، وإمّا أنه أتى بالظهر تامّة وهذه الركعة التي بيده ثالثة العصر ، فالاحتمالان اللذان هما طرفا العلم الإجمالي مع قطع النظر عن كونهما طرفين له ، يكون أحدهما مجرى قاعدة الفراغ ، والآخر مورد أدلّة البناء على الأكثر .
وذلك لانّ الشكّ بالنسبة إلى صلاة الظهر شكّ بعد الفراغ فتجري قاعدته وبالنسبة إلى صلاة العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، وحكمه البناء على الأكثر والتسليم ، ثمّ الإتيان بصلاة الإحتياط . وأمّا بملاحظة العلم الإجمالي وكون الاحتمالين طرفين له فذكر سيّد الأساطين في العروة: أنه لا يمكن إعمال القاعدتين معاً ، لأنّ الظهر إن كانت تامّة فلا يكون ما بيده رابعة ، وإن كان ما بيده رابعة فلا
(الصفحة 89)
يكون الظهر تامّة ، فتجب إعادة الصلاتين لعدم الترجيح في إعمال إحدى القاعدتين . نعم ، الأحوط الإتيان بركعة اُخرى للعصر ثمّ إعادة الصلاتين لاحتمال كون قاعدة الفراغ من باب الأمارات(1) ، انتهى (2) .
والوجه فيه أن مقتضى قاعدة الفراغ الجارية بالنسبة إلى صلاة الظهر ليس الحكم بوقوعها تامّة واقعاً ، بل غايته الحكم بتماميتها ظاهراً ، الذي مرجعه إلى عدم الاعتناء بهذا الشكّ الحادث بعد الفراغ ، لأنه على تقدير وقوعها ناقصة واقعاً كانت مقبولة عند الشارع ، كما إذا صلّى صلاة تامّة فليس مقتضى هذا الحكم الحكم بنقص العصر .
كما أنّ الحكم بالبناء على الأكثر مع الشكّ بين الثلاث والأربع ليس مرجعه إلى الالتزام بكون ما بيده هي الركعة الرابعة التي آخر الركعات ، وأنّها لا تكون ناقصة بوجه ، بل غايته الحكم بالمعاملة مع مابيده معاملة الرابعة ، وإن كان شاكّاً فيها مع جبر النقص المحتمل بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين نفس القاعدتين بوجه .
وأمّا عدم التدافع بينهما وبين العلم الإجمالي ، فلأنّ مقتضى التحقيق ـ تبعاً لما أفاده الشيخ المحقّق الأنصاري(قدس سره)(3) ـ أنّ عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي ليس لأجل المناقصة بين الأصلين ، أو الاُصول والعلم الإجمالي ، حتّى ترجع هذه المناقضة إلى التناقض في أدلّة الاُصول ، بل عدم الجريان إنّما هو لأجل
- (1) العروة الوثقى 1: 697 المسألة السادسة والعشرون .
- (2) وأورد عليه سيّدنا العلاّمة الاستاذ (ادام الله أظلاله على رؤوس المسلمين) في تعليقته المباركة ما لفظه : الحكم بتماميّة الظهر ظاهراً لا يستلزم الحكم بنقص العصر ، وأنّ ما بيده ثالثتها ، وليس الواجب عند الشكّ في الثلاث والأربع هو الالتزام بعدم النقص وأنّها أربع ، بل إتمامها على ما بيده كائناً ما كان مع جبر النقص المحتمل فيها بصلاة الإحتياط ، فلا تدافع بين القاعدتين ولا بينهما وبين العلم الإجمالي ، والعمل بهما متعيّن . انتهى تعليقة السيّد البروجردي(رحمه الله) على العروة الوثقى: 71 . «المقرّر» .
- (3) فرائد الاصول: 19 .
(الصفحة 90)
استلزام جريانه لطرح تكليف منجّز عليه ، فيختصّ عدم الجريان بما إذا استلزم ذلك دون ما إذا لم يستلزم ، كما إذا علم إجمالا بطهارة واحد من الإنائين المسبوقين بالنجاسة ، فإنّ إجراء استصحاب النجاسة في كلّ منهما لا تلزم منه مخالفة تكليف منجّز كما هو واضح .
إذا ظهر لك ذلك فنقول : لابدّ من ملاحظة أنّ إعمال القاعدتين في المقام هل يستلزم نفي حكم ثابت بسبب العلم الإجمالي بوقوع النقص في إحدى الصلاتين أم لا؟ ، الظاهر عدم الاستلزام ، وذلك لأنّ مقتضى العلم الإجمالي لزوم مراعاة النقص الواقع في إحدى الصلاتين ، وإعمال القاعدتين لا ينفي ذلك ، غاية الأمر أنّ مقتضاها أنّ النقص على تقدير وقوعه في الصلاة السابقة يكون كالعدم .
لانّ الشارع بمقتضى قاعدة الفراغ ، تقبل الصلاة الناقصة مقام التامّة الكاملة ، وعلى تقدير وقوعه في هذه الصلاة التي بيده ، يكون مجبوراً بصلاة الإحتياط التي شأنها جبر النقص المحتمل ، فلا يكون النقص المحتمل في كلّ من الصلاتين غير معتنى به ، بل روعي كمال المراعات ، وكون حكمه على تقدير الوقوع في الصلاة السابقة هو عدم الاعتناء به ، وعلى تقدير الوقوع في الصلاة اللاحقة هو الجبر والتدارك بركعة مفصولة لا يوجب عدم مراعاته كما هو غير خفيّ .
هذا ، ولكن يبقى في المقام شيء ، وهو أنّ مرجع العلم الإجمالي بالنقص في إحدى الصلاتين إلى العلم التفصيلي ببطلان خصوص العصر على تقدير التسليم في هذه الركعة إمّا من جهة نقصانها وكون الركعة ثالثة العصر ، وإمّا من جهة نقصان الظهر الموجب لعدم صحة العصر من جهة فقدانها للترتيب المعتبر فيها ، ومورد أدلة البناء على الأكثر هوما إذا كانت الصلاة صحيحة من غير جهة الشكّ في الركعة .
هذا ، ولكن يدفع ذلك انّ نقصان الظهر إنّما يؤثّر في بطلان العصر من جهة
(الصفحة 91)
فقدان الترتيب إذا كان موجباً لبطلان نفسها ، ومع جريان قاعدة الفراغ المقتضية للصحة والتمامية لا يترتّب على نقصانها بطلان العصر ، كما أنّ نقصان العصر أيضاً لا يقتضي عدم تماميتها بعد كونه مجبوراً بصلاة الإحتياط كما عرفت ، فالمتعيّن في المسألة بالقاعدتين معاً فتدبّر جيّداً .
وقد تحصّل ممّا ذكرنا أنّ في المسألة وجوهاً ثلاثة .
أحدها :
ما اختاره سيّد الأساطين في العروة من الحكم بوجوب إعادة الصلاتين ، للتدافع بين القاعدتين وعدم ترجيح في البين .
ثانيها :
إنحلال العلم الإجمالي بالعلم التفصيلي ، ببطلان خصوص صلاة العصر ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى صلاة الظهر ، فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليها وتجب اعادة العصر .
ثالثها :
مااخترناه من إعمال القاعدتين والحكم بجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر ، وكون الشكّ بالنسبة إلى العصر مورداً لأدلّة البناء على الأكثر ، ومرجعه إلى كون صلاة الإحتياط جابرة للنقص المحتمل ، إمّا واقعاً كما ربّما يستفاد من بعض الروايات الواردة في ذلك الباب ، وإمّا كونها حكماً ظاهرياً في مورد الشكّ ، وقد حققنا في محلّه أنّ امتثال الأمر الظاهري مجز عن الواقع(1) .
الخامسة:
إذا توضّأ وصلّى ثمّ علم أنه إمّا ترك جزءً من وضوئه أو ركناً من صلاته ، قال في العروة : الأحوط إعادة الوضوء ثمّ الصلاة ، ولكن لا يبعد جريان قاعدة الشكّ بعد الفراغ في الوضوء ، لأنها لاتجري في الصلاة حتّى يحصل التعارض ، وذلك للعلم ببطلان الصلاة على كلّ حال(2) ، انتهى .
- (1) نهاية الاُصول: 125; مبحث الأجزاء .
- (2) العروة الوثقى 1: 710 ، المسألة السابعة والخمسون .