(الصفحة 92)
وهذه المسألة قريبة من المسألة السابقة ، ولكن نفى السيّد(قدس سره) البعد هنا عن جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء ، ولزوم إعادة خصوص الصلاة للعلم ببطلانها على كلّ حال ، وذلك لما أشار إليه من الفرق بين المقامين وهو ثبوت التعارض بين القاعدتين هناك ، بناءً على مذهبه وأمّا هنا فليس إلاّ قاعدة واحدة جارية بالنسبة إلى الوضوء ، بعد انحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي والشكّ البدوي ، فهذا الوجه هنا أقوى .
السادسة:
إذا علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات وقبل السلام من العصر شكّ في أنه هل صلّى الظهر أربع ركعات فالتي بيده رابعة العصر ، أو أنه نقص من الظهر ركعة فسلّم على الثلاث وهذه التي بيده خامسة العصر ؟
فالحكم هو ما أفاده في العروة: من أنّ هذا الشكّ بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام ، وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الأربع والخمس ، فيحكم بصحّة الصلاتين ، إذ لا مانع من إجراء القاعدتين ـ لعدم التدافع بينهما بوجه ـ فبالنسبة إلى الظهر تجري قاعدة الفراغ والشكّ بعد السلام ، فيبني على أنه سلّم على الأربع ، وبالنسبة إلى العصر يجري حكم الشكّ بين الأربع والخمس ، فيبني على الأربع إذا كان بعد إكمال السجدتين ، فيتشهّد ويسلّم ثمّ يسجد سجدتي السهو .
هذا بالنسبة إلى الظهرين ، وكذا الحال بالنسبة إلى العشائين إذا علم قبل السلام من العشاء أنه صلّى سبع ركعات وشكّ في أنه سلّم من المغرب على ثلاث فالتي بيده رابعة العشاء ، أو سلّم على الإثنتين فالتي بيده خامسة العشاء ، فإنّه يحكم بصحة الصلاتين واجراء القاعدتين(1) .
- (1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة الثامنة والعشرون .
(الصفحة 93)
السابعة:
لو انعكس الفرض السابق بأن شكّ ـ بعد العلم بأنّه صلّى الظهرين ثمان ركعات قبل السلام من العصر ـ في أنه صلّى الظهر أربع فالتي بيده رابعة العصر أو صلاّها خمساً فالتي بيده ثالثة العصر ، فقال في العروة : إنّه بالنسبة إلى الظهر شكّ بعد السلام وبالنسبة إلى العصر شكّ بين الثلاث والأربع ، ولا وجه لإعمال قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع في العصر ، لأنه إن صلّى الظهر أربعاً فعصره أيضاً أربعة فلا محلّ لصلاة الإحتياط ، وإن صلّى الظهر خمساً فلا وجه للبناء على الأربع في العصر وصلاة الإحتياط ، فمقتضى القاعدة إعادة الصلاتين ، انتهى(1) .
والظاهر أنه لا مانع من جريان قاعدة الشكّ بين الثلاث والأربع ، بل اللازم العمل بها ، لانّ صحة الظهر وإن كانت مستلزمة لصحّة العصر وهي مستلزمة لعدم المورد لصلاة الإحتياط ، إلاّ أنّ هذا الاستلزام إنّما هو بحسب الواقع ، وأمّا بحسب الحكم الظاهري فالحكم بصحة الظهر لا يلازم الحكم بصحة العصر ، بل مفاده هو مجرّد الحكم بصحّة الظهر بملاحظة كون الشكّ حادثاً بعد الفراغ عنها ، وأما بالنسبة إلى صلاة العصر فلابدّ من ملاحظة أنّ موضوع صلاة الإحتياط وهو احتمال النقص له هل يكون متحقّقاً أم لا؟ ، ومن المعلوم أنه متحقق وجداناً كما هو واضح .
الثامنة:
لو علم أنه صلّى الظهرين ثمان ركعات ، ولكن لم يدر أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات أو نقص من إحداهما ركعة وزاد في الاُخرى .
فالحكم ما أفاده في العروة : من أنه بنى على أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ، عملا بقاعدة عدم اعتبار الشكّ بعد السلام ـ الجارية بالنسبة إلى كلتا الصلاتين ،
- (1) العروة الوثقى 1: 699; المسألة التاسعة والعشرون .
(الصفحة 94)
ولا تدافع بينهما بعد احتمال أنه صلّى كلاًّ منهما أربع ركعات ـ ، وكذا إذا علم أنه صلّى العشائين سبع ركعات ، وشكّ بعد السلام في أنه صلّى المغرب ثلاثة والعشاء أربعة ، أو نقص من إحداهما وزاد في الاُخرى ، فيبني على صحّتهما(1) .
التاسعة:
إذا صلّى الظهرين وعلم بعد السلام بنقصان إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان العلم بعد الإتيان بالمنافي مطلقاً عمداً وسهواً أتى بصلاة واحدة بقصد ما في الذمّة للعلم ببطلان إحدى الصلاتين وصحة الاُخرى ، فيأتي بواحدة مردّدة بينهما ويحصل به العلم ببراءة الذمّة عن التكليف ، وإن كان قبل ذلك قام فأضاف إلى الثانية ركعة ، لاحتمال كونها هي الناقصة ، ثمّ سجد للسهو لأجل التسليم في غير المحلّ ثمّ أعاد الصلاة الاُولى ، لعدم العلم بتحقّق الفراغ عنها ، لاحتمال كونها ناقصة ، والترتيب المعتبر بين الصلاتين يحصل بذلك كما هو غير خفيّ .
وقال في العروة : إنّ الأحوط أن لا ينوي الاُولى ، بل يصلّي أربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، لاحتمال كون الثانية على فرض كونها تامّة محسوبة ظهراً(2) .
أقول :
منشأ هذا الاحتمال هي صحيحة زرارة الواردة في العدول الدالّة على العدول من العصر إلى الظهر ولو بعد الفراغ من العصر(3) ، وحيث أنّ هذا الحكم الذي تشتمل عليه الصحيحة غير مفتى به لأحد من الأصحاب ، فلا يبقى مجال لهذا الاحتمال ، وحينئذ فيأتي بأربع ركعات بقصد الصلاة الاُولى .
ثمّ إنّه قد يقال ، فيما لو كان العلم الإجمالي قبل الإتيان بالمنافي: بأنه يحصل الفراغ عن عهدة التكليفين بالإتيان باربع ركعات مردّدة بين الصلاتين . ولا
- (1) العروة الوثقى 1: 698 ، المسألة السابعة والعشرون .
- (2) العروة الوثقى 1: 697 ، المسألة الرابعة والعشرون .
- (3) الكافي 3: 291 ح1; التهذيب 3: 158 ح340; الوسائل 4: 290 . أبواب المواقيت ب63 ح1 .
(الصفحة 95)
موجب لاضافة ركعة موصولة ثمّ إعادة خصوص الصلاة الاُولى ، وذلك لأنه بهذا النحو يتحقّق العلم بالفراغ عنهما بعد كون المعلوم بالاجمال هو نقصان إحدى الصلاتين .
ولكن الظاهر ما ذكرنا ، فإنّ مرجع العلم الإجمالي بنقصان إحداهما إلى العلم الاجمالى بثبوت واحد من التكليفين ، لزوم إعادة الصلاة الاُولى ، وعلى تقدير كونها هي الناقصة ، ولزوم إضافة ركعة موصولة إلى صلاة العصر على تقدير كونها كذلك ، ومقتضى هذا العلم لزوم مراعات كلا التكليفين من باب الإحتياط .
وقد يقال أيضاً: بأنّه يكفي في مثل هذا الفرض الإتيان بالنقيصة المحتملة ركعة كانت أو أزيد ، بنية مردّدة بين الصلاتين ، ولا ملزم لإعادة الاُولى أو الإتيان بصلاة تامة مردّدة بين الصلاتين .
ولكن هذا القول مبنيّ على جواز اقحام صلاة في صلاة ، ونحن لا نقول به .
فانقدح من جميع ذلك أنّ الأظهر بل الظاهر ما ذكرنا من أنه لو كان العلم بالنقص قبل الإتيان بالمنافي يجب الإتيان بالنقص المحتمل ثمّ إعادة الاُولى .
والفرق بينه وبين المسألة الرابعة المتقدّمة ـ وهي ما لوكان العلم بالنقص قبل أن يسلّم للعصر ، حيث اخترنا فيها إعمال القاعدتين : قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الظهر ، والبناء على الأكثر بالنسبة إلى العصر ـ واضح ، فإنّك قد عرفت هناك أنّه لا يلزم من إعمال القاعدتين مخالفة عملية للعلم الإجمالي ، فلا مانع من جريانهما ، وأمّا في المقام ، فإجراء فردين من قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كلتا الصلاتين يستلزم المخالفة العملية للعلم الإجمالي ، فلا يجري شيء منهما ، بل اللازم مراعات العلم الإجمالي بلزوم إعادة خصوص الظهر أو إضافة ركعة موصولة إلى العصر كما عرفت .
هذا كلّه فيما لوعلم بنقصان إحدى الصلاتين وصحة الاُخرى ، وأمّا لو احتمل
(الصفحة 96)
نقصان الاُخرى أيضاً فالحكم أيضاً كذلك ، لأنه تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إليها وإن كانت غير معينة ، لأنه لامانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى أحدهما لا على التعيين ، كما هو الشأن في غيرها من القواعد والاُصول .
ألا ترى أنه لو علم إجمالا بكون عامّ مخصّص بالنسبة إلى بعض افراده وشكّ في تخصيصه بالنسبة إلى بعض آخر ، وكان البعض الخارج بالتخصيص مشتبهاً مع البعض الذي شكّ في تخصيص العام بالنسبة إليه ، فإنّه لا إشكال في جريان أصالة العموم بالنسبة إلى الفرد المشكوك وإن كان غير معيّن فتدبّر .
العاشرة:
إذا صلّى المغرب والعشاء ثمّ علم بعد السلام من العشاء أنه نقص من إحدى الصلاتين ركعة ، فإن كان بعد الإتيان بالمنافي عمداً وسهواً وجب عليه إعادتهما ، وإن كان قبل ذلك ، قام فأضاف إلى العشاء ركعة ثمّ يسجد سجدتي السهو ثمّ يعيد المغرب(1) ، لما ذكر في المسألة السابقة ، ويجري في هذه المسألة جميع ما ذكر هناك .
والفرق بينهما إنّما هو في خصوص ما لو كان العلم بعد الإتيان بشي من المنافيات ، فإنك عرفت في المسألة السابقة أنه لا يجب في هذه الصورة إلاّ الإتيان بأربع ركعات بقصد ما في الذمّة ، ظهراً كان أو عصراً ، وهنا تجب إعادة العشائين ، والفرق إنّما هو كون الظهرين متجانسين ، والعشائين متخالفين ، كما هو واضح .
الحادية عشر:
وهذه المسألة هي التي تتعلّق بالعمل الإجمالي المتعلّق بأصل الصلاة ، لأنّك عرفت أنّ المسائل الختامية المذكورة في العروة بين ما كان من فروع العلم الإجمالي وما كان من مسائل الشكّ والسهو ، كما أنّ ما يتعلّق بالعلم الإجمالي بين ما كان العلم الإجمالي متعلقاً بأصل الصلاة ، وهي مسألة واحدة من تلك المسائل ، وبين ماكان
- (1) العروة الوثقى 1: 697 ، المسألة الخامسة والعشرون .