وأمّا السنّة فمنها قول الإمام الصادق عليهالسلام في عداد القضاة: «القضاة أربعة،ثلاثة في النار وواحد في الجنّة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجلقضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو فيالنار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة»(3).
فقوله عليهالسلام : «رجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار» يدلّ على التوبيخلأجل القضاء بما لا يعلم.
وأمّا الإجماع فقد ادّعاه الوحيد البهبهاني قدسسره في بعض رسائله من أنّ حرمةالعمل بما لا يعلم من البديهيّات عند العوام، فضلاً عن العلماء والخواص.
وأمّا العقل فقد أطبق العقلاء على تقبيح العبد وتوبيخه على اعتقاده وتديّنهبما لا يعلم بوروده من المولى وإسناده إليه.
وفيه: أوّلاً: أنّ هذه الأدلّة لا تنطبق على المدّعى؛ إذ المدّعى أنّ الأمارة التيلم يدلّ دليل على اعتبارها وشكّ في حجّيتها متّصفة بعدم الحجّية، وغاية ميستفاد من الأدلّة هو حرمة الإسناد إلى الشارع بغير علم، إلاّ أن تتحقّقالملازمة بين حرمة الإسناد وعدم الحجّية، فتماميّة هذا الاستدلال تتوقّف علىثبوت الملازمة بينهما.
وقد ذكر كثير من العلماء موارد النقض لهذه الملازمة:
الأوّل: ما عن المحقّق الخراساني قدسسره (1) من أنّ الظنّ على الحكومة حجّة،ولكن لا يصحّ إسناد المظنون في مورده إلى الشارع كما هو واضح.
والتحقيق: أنّ هذا النقض ليس بوارد عليه؛ إذ الحجّة في مورد الظنّالانسدادي على الحكومة ليس هو الظنّ كما تخيّل، بل الحجّة هي العلمالإجمالي بثبوت التكاليف اللزوميّة من الوجوبيّة والتحريميّة في الشريعة،فإطلاق الحجّة على الظنّ مسامحة.
بيان ذلك: أنّ مقدّمات دليل الانسداد على الحكومة لا تنتج حجّية الظنّ،بل نتيجتها التبعيض في مقابل الاحتياط، وذلك بالأخذ بالمظنونات دونالمشكوكات والموهومات؛ إذ الاحتياط التامّ في جميعها بمقتضى العلم الإجمالي
(صفحه 127)
موجب لاختلال النظام أو العسر والحرج، ولايصحّ ترجيح المشكوكاتوالموهومات على المظنونات؛ لكونه من ترجيح المرجوح على الراجح، فلابدّمن الاحتياط في مورد الظنّ فقط ومنشأه العلم الإجمالي بثبوت التكاليف،فكيف يصحّ إطلاق الحجّة عليه؟!
الثاني: ما عن المحقّق العراقي قدسسره (1) من أنّ الشكّ في الشبهات البدوية قبلالفحص حجّة يعني إن كان شرب التتن بحسب الواقع حراماً يوجب جريانالبراءة قبل الفحص، لتنجّز الحرمة الواقعيّة، لعدم جواز إجراء البراءة فيموردها، ومع ذلك لا يجوز إسناد المشكوك إلى الشارع بالبداهة.
ثمّ قال: وهكذا إيجاب الاحتياط في الشبهات البدوية حجّة ومنجّز للواقعبلا إشكال، إلاّ أنّه لا يجوز الإسناد في مورده كما هو واضح.
وجوابه: أنّ الشكّ البدوي قبل الفحص ليس بحجّة، بل الحجّة في الشبهاتالبدويّة قبل الفحص هو العلم الإجمالي بثبوت التكاليف في الشريعة، فإنّهيوجب اشتغال الذمّة عند عدم وجود المؤمّن، وهكذا إيجاب الاحتياط ليسبحجّة، وإنّما هو رافع لموضوع حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان، فالحجّة هوالعلم الإجمالي السابق على الشكّ، إلاّ أنّ الشارع جعل مؤمّناً في الشبهاتالبدويّة بعد الفحص، وأمّا قبل الفحص فهو باقٍ على حاله.
ولكنّ الملازمة المذكورة تحتاج إلى دليل ولابدّ من إثباتها، وعدم إثباتهومشكوكيّتها يكفي لعدم تماميّة استدلال الشيخ الأنصاري قدسسره .
الوجه الثاني: هو استصحاب عدم الحجّية؛ لأنّ حجّية الأمارة منالحوادث، وكلّ حادث مسبوق بالعدم.
وأورد عليه الشيخ الأعظم الأنصاري قدسسره (2) بأنّ حرمة العمل بالظنّ يكفي في
- (1) نهاية الأفكار 3: 80 ـ 81.