(صفحه 141)
الشمول، بمعنى أنّ مصداقيّة الظواهر للمتشابه أمرٌ قطعيّ لا ريب فيه فبطلانهذا الزعم بمكان من الوضوح؛ إذ يلزم عليه أن تكون أكثر الاستعمالاتالمتداولة في المحاورات العرفيّة من المتشابه؛ نظراً إلى أنّ دلالتها على المعنى منباب الظهور لا النصّ، وهو كما ترى.
وإن كان المراد من الشمول أنّه ظاهر فيه فيلزم ـ مضافاً إلى المنع عنالشمول ـ إثبات عدم حجّية ظواهر الكتاب بالظاهر المفروض كونه منالمتشابه، وهو باطل بالبداهة.
وإن كان المراد منه احتمال شمول المتشابه للظواهر فيرد عليه ـ مضافاً إلىمنع الاحتمال ـ أنّ مجرّد احتمال الشمول لا يوجب سلب الحجّية عن الظواهر.وهذان الدليلان ناظران إلى منع الكبرى.
الدليل الثالث: ما يكون مفاده منع الصغرى، وله تقريبات متعدّدة وجميعهيرجع إلى أنّ القرآن مشتمل على معانٍ شامخة ومطالب غامضة وعلوممتنوّعة ومعارف عالية، تقصر أفهام الناس عن الوصول إليها والإحاطة بها،إلاّ الراسخون في العلم من العترة الطاهرة عليهمالسلام .
على أنّ بعض ألفاظ القرآن من قبيل الرموز، كما هو الحال في فواتح السور،وهي غير مفهومة إلاّ للمعصومين عليهمالسلام .
ونضيف إليه ما ذكره الأئمّة عليهمالسلام للمخالفين كما في مرسلة شعيب بن أنسعن أبي عبداللّه عليهالسلام أنّه قال لأبي حنيفة: «أنت فقيه العراق؟» قال: نعم، قال:«فبأيّ شيء تفتيهم؟» قال: «بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله »، قال: «يا أبا حنيفة،تعرف كتاب اللّه حقّ معرفته، وتعرف الناسخ من المنسوخ؟!» قال: «نعم»، قال:«يا أبا حنيفة، لقد ادّعيت علماً، ويلك ما جعل اللّه ذلك إلاّ عند أهل الكتابالذين اُنزل عليهم، ويلك ما هو إلاّ عند الخاصّ من ذريّة نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوآله وم
(صفحه142)
ورّثك اللّه تعالى من كتابه حرفاً»(1).
وكما في رواية زيد الشحّام، قال: دخل قتادة على أبي جعفر عليهالسلام فقال له:«أنت فقيه البصرة؟» فقال: هكذا يزعمون، فقال: «بلغني أنّك تفسّر القرآن؟»قال: نعم ـ إلى أن قال ـ : يا قتادة، إن كنت قد فسّرت القرآن من تلقاء نفسك فقدهلكت وأهلكت، وإن كنت قد فسّرته من الرجال فقد هلكت وأهلكت ـ إلى أنقال ـ : ويحك يا قتادة، إنّما يعرف القرآن مَنْ خوطب به»(2).
وجوابه: أنّ اشتمال القرآن على المطالب الغامضة والمعارف العالية لايوجبنفي حجّية ظواهره؛ إذ ليس كلّها كذلك، بل مِنْه آياتٌ محكمات هُنّ اُمّ الكتاب،والظواهر من هذا القبيل، ونحن لا نقول باتّباع المتشابهات التي تحقّقت فيهلمصالح، ونفي حجّيّة ظواهره التي يعرفها أهل اللسان ينافي كونه كتاب هدايةومعجزة خالدة كما مرّ أن ذكرناه، وكما أنّ اشتمال القرآن للرموز لا يرتبطبظواهره وحجّيتها.
وأمّا الرواية الاُولى فظاهرة في أنّ الاعتراض على أبي حنيفة كان لأجلادّعائه معرفة القرآن حقّ معرفته بجميع خصوصيّاته، فقوله عليهالسلام : «ما ورّثك اللّهمن كتابه حرفاً» يعني حرفاً يحتاج إلى تعليم من اللّه تعالى، لا أنّه لا يفهم منالقرآن شيئاً أصلاً، وهذا خارج عن محلّ البحث، فإنّ الظواهر لاتحتاج إلىتعليم من اللّه تعالى، وأمّا ما يحتاج إلى التعليم فعلمه مختصّ بالأئمّةالمعصومين عليهمالسلام ، كما تدلّ عليه الرواية الواردة في تفسير آية «الَّذِى عِندَهُو عِلْمٌمِّنَ الْكِتَـبِ»(3): أنّا نعلم بالكتاب كلّه(4).
- (1) الوسائل 27: 47، الباب 6 من أبواب صفات القاضي، الحديث 27.
- (2) الكافي 8: 311، الحديث 485.
- (4) الكافي 1: 230، الحديث 1.
(صفحه 143)
وأمّا الرواية الثانية فالتوبيخ فيها إنّما هو على تصدّي قتادة لتفسير القرآن،والأخذ بظاهر الكلام لا يعدّ تفسيراً فضلاً عن التفسير بالرأي كما ذكرناه.
الدليل الرابع: إنّا نعلم إجمالاً بوجود قرائن منفصلة في الروايات علىخلاف ظواهر الكتاب من المخصّصات والمقيّدات والقرائن على المجاز، أو نعلمإجمالاً بوجود قرائن متّصلة لم تصل إلينا وحذفت من الكتاب، وهذا العلمالإجمالي يمنع عن العمل بظواهره، فالقرآن وإن كان له ظهور في حدّ ذاته، إلأنّه مجمل حكماً وبالعرض.
وجوابه: بلحاظ وجود قرائن منفصلة ظاهر، فإنّ العلم الإجمالي المذكور ليوجب سقوط ظواهر الكتاب عن الحجّية وإنّما يوجب لزوم الفحص عنالمخصّص والمقيّد والقرينة على المجاز قبل العمل بها، وإلاّ لوجب الحكم بعدمجواز العمل بالأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام لوجود العلم الإجمالي المذكورفيها أيضاً، مع أنّ المستدلّ لا يقول به.
وأمّا العلم الإجمالي بوجود قرائن متّصلة فجوابه: أوّلاً: أنّ هذا يبتني علىالقول بتحريف القرآن بالنقيصة، فلا يكون محلّ البحث عنه في الاُصول، بللابدّ من البحث عنه في مقدّمات التفسير.
وثانياً: أنّ اتّهام المذهب الحقّ بالتحريف من عمل المستعمرين وتلفيقالأجانب والمغرضين لأغراض شيطانيّة، وإن كان أساس هذا الاتّهام وجودروايات مجعولة في الكتب الروائيّة، وعدم تحقيق بعض العلماء في هذه المسألة،ومقالته بما لايكون من شأنه، فلا يصحّ إنكار حجّية ظواهر الكتاب استنادإلى حصول التحريف فيه، فإنّه مخالف لنظر المحقّقين من العلماء، ومخالف لكونهمعجزة خالدة لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله .
(صفحه144)
نعم، يتحقّق الاختلاف في القراءة، وكذا في تواتر القراءات السبع أو العشروعدمه، والتحقيق عدم تواترها، فإنّه إن كان المراد بتواترها هو التواتر عنمشايخها وقرّائها، فيرد عليه: أوّلاً: أنّ لكلّ من القرّاء السبع أو العشر راويينرويا قراءته إمّا من دون واسطة وإمّا مع الواسطة، ومن المعلوم أنّه لا يتحقّقالتواتر بمثل ذلك، أضف إلى ذلك أنّ بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته.
وثانياً: أنّه على تقدير ثبوت التواتر لا يترتّب أثر على ذلك بالنسبة إلينا؛ضرورة أنّ القرّاء ليسوا ممّن يكون قوله حجّة علينا، ولا دليل على اعتبارقولهم.
وإن كان المراد بتواتر القراءات تواترها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كما هو الظاهر منقولهم، بمعنى أنّه صلىاللهعليهوآله بنفسه قرأ على وفق تلك القراءات المختلفة، فيرد عليه:أوّلاً: ما عرفت من عدم ثبوتها بنحو التواتر عن مشايخها وقرّائها، فكيفبثبوتها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كذلك؟!
وثانياً: احتجاج كلّ واحد من القرّاء على صحّة قراءته وإعراضه عن قراءةغيره دليل قطعي على أنّ هذه القراءات مستندة إلى اجتهادهم وآرائهم؛ إذ لوكانت بأجمعها متواترة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله فلا حاجة في إثبات صحّتها إلى الاحتجاجوالاستدلال، ولم يكن وجه للإعراض عن قراءة غيره، ولا لترجيح قراءتهعلى قراءة الغير.
ومن هنا تستفاد عدم حجّية هذه القراءات، وأنّه لم يقم دليل على جوازالاستدلال بها، فليس شيء منها بحجّة بحيث يصحّ الاستدلال بها على الحكمالشرعي وإن كان مفاد بعض الروايات القراءة بها.
(صفحه 145)