(صفحه 143)
وأمّا الرواية الثانية فالتوبيخ فيها إنّما هو على تصدّي قتادة لتفسير القرآن،والأخذ بظاهر الكلام لا يعدّ تفسيراً فضلاً عن التفسير بالرأي كما ذكرناه.
الدليل الرابع: إنّا نعلم إجمالاً بوجود قرائن منفصلة في الروايات علىخلاف ظواهر الكتاب من المخصّصات والمقيّدات والقرائن على المجاز، أو نعلمإجمالاً بوجود قرائن متّصلة لم تصل إلينا وحذفت من الكتاب، وهذا العلمالإجمالي يمنع عن العمل بظواهره، فالقرآن وإن كان له ظهور في حدّ ذاته، إلأنّه مجمل حكماً وبالعرض.
وجوابه: بلحاظ وجود قرائن منفصلة ظاهر، فإنّ العلم الإجمالي المذكور ليوجب سقوط ظواهر الكتاب عن الحجّية وإنّما يوجب لزوم الفحص عنالمخصّص والمقيّد والقرينة على المجاز قبل العمل بها، وإلاّ لوجب الحكم بعدمجواز العمل بالأخبار المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام لوجود العلم الإجمالي المذكورفيها أيضاً، مع أنّ المستدلّ لا يقول به.
وأمّا العلم الإجمالي بوجود قرائن متّصلة فجوابه: أوّلاً: أنّ هذا يبتني علىالقول بتحريف القرآن بالنقيصة، فلا يكون محلّ البحث عنه في الاُصول، بللابدّ من البحث عنه في مقدّمات التفسير.
وثانياً: أنّ اتّهام المذهب الحقّ بالتحريف من عمل المستعمرين وتلفيقالأجانب والمغرضين لأغراض شيطانيّة، وإن كان أساس هذا الاتّهام وجودروايات مجعولة في الكتب الروائيّة، وعدم تحقيق بعض العلماء في هذه المسألة،ومقالته بما لايكون من شأنه، فلا يصحّ إنكار حجّية ظواهر الكتاب استنادإلى حصول التحريف فيه، فإنّه مخالف لنظر المحقّقين من العلماء، ومخالف لكونهمعجزة خالدة لرسول اللّه صلىاللهعليهوآله .
(صفحه144)
نعم، يتحقّق الاختلاف في القراءة، وكذا في تواتر القراءات السبع أو العشروعدمه، والتحقيق عدم تواترها، فإنّه إن كان المراد بتواترها هو التواتر عنمشايخها وقرّائها، فيرد عليه: أوّلاً: أنّ لكلّ من القرّاء السبع أو العشر راويينرويا قراءته إمّا من دون واسطة وإمّا مع الواسطة، ومن المعلوم أنّه لا يتحقّقالتواتر بمثل ذلك، أضف إلى ذلك أنّ بعض هؤلاء الرواة لم تثبت وثاقته.
وثانياً: أنّه على تقدير ثبوت التواتر لا يترتّب أثر على ذلك بالنسبة إلينا؛ضرورة أنّ القرّاء ليسوا ممّن يكون قوله حجّة علينا، ولا دليل على اعتبارقولهم.
وإن كان المراد بتواتر القراءات تواترها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كما هو الظاهر منقولهم، بمعنى أنّه صلىاللهعليهوآله بنفسه قرأ على وفق تلك القراءات المختلفة، فيرد عليه:أوّلاً: ما عرفت من عدم ثبوتها بنحو التواتر عن مشايخها وقرّائها، فكيفبثبوتها عن النبيّ صلىاللهعليهوآله كذلك؟!
وثانياً: احتجاج كلّ واحد من القرّاء على صحّة قراءته وإعراضه عن قراءةغيره دليل قطعي على أنّ هذه القراءات مستندة إلى اجتهادهم وآرائهم؛ إذ لوكانت بأجمعها متواترة عن النبيّ صلىاللهعليهوآله فلا حاجة في إثبات صحّتها إلى الاحتجاجوالاستدلال، ولم يكن وجه للإعراض عن قراءة غيره، ولا لترجيح قراءتهعلى قراءة الغير.
ومن هنا تستفاد عدم حجّية هذه القراءات، وأنّه لم يقم دليل على جوازالاستدلال بها، فليس شيء منها بحجّة بحيث يصحّ الاستدلال بها على الحكمالشرعي وإن كان مفاد بعض الروايات القراءة بها.
(صفحه 145)
(صفحه146)
حجّية قول اللغوي
حجّية قول اللغوي
قد ثبتت حجّية ظواهر كلام الشارع بلا فرق بين ظواهر الرواياتوظواهر الكتاب، وأمّا إذا لم ينعقد ظهور للكلام فهل يصحّ إحراز الظهوربقول اللغوي ليكون قوله حجّة من باب الظنّ الخاصّ أو الظنّ المطلق أم لا؟
فنقول: إن أفاد قوله العلم أو الاطمئنان بالوضع فلا إشكال في حجّيته،وأمّا إن أفاد الظنّ أو لم يفده ففي حجّيته خلاف، فالمشهور بين المتقدّمينحجّيته، وقد نسب إلى السيّد المرتضى قدسسره دعوى الإجماع عليه، إلاّ أنّ المشهوربين علمائنا المتأخّرين هو عدم الحجّية، وهذا هو الأقوى؛ إذ لا دليل علىحجّية قول اللغوي بأنّ هذا اللفظ ظاهر في ذاك المعنى، فإنّ المتيقّن من السيرةالعقلائيّة إنّما هو حجّية الظواهر بعد الفراغ عن أصل الظهور، كما هو واضح.
ويمكن أن يستدلّ على حجّية قول اللغوي بعنوان الظنّ الخاصّ بوجوه:
الأوّل: الإجماع القولي، حيث ادّعي الإجماع على العمل بقول اللغويّ.
وفيه: أوّلاً: أنّ الإجماع القولي المحصّل منه غير حاصل؛ لأنّ كثيراً من العلماءلم يتعرّضوا لهذا البحث أصلاً، والمنقول منه ليس بحجّة.
وثانياً: أنّه على فرض تسليم الإجماع لا يمكن الاعتماد عليه هنا لاحتمالمدركيّته، فليس هنا إجماع تعبّدي كاشف عن رأي المعصوم عليهالسلام ؛ إذ منالمحتمل قويّاً أن يكون مستند المجمعين الوجوه الآتية مع أنّه لم يحرز صحّة
(صفحه 147)
نسبة ادّعاء الإجماع إلى السيّد المرتضى قدسسره .
الوجه الثاني: الإجماع العملي، حيث استقرّت سيرة العلماء على الرجوع إلىقول اللغوي في كشف معاني الألفاظ والاستشهاد بقولهم في مقام الاحتجاجوالاستدلال.
وفيه: أوّلاً: أنّ رجوع العلماء إلى اللغويين لو سلّم فإنّما هو فيما يتسامحكتفسير خطبة أو بيان شعر أو معنى رواية غير متعلّقة بالحكم الشرعي، وأمّفي مقام استنباط الحكم الشرعي فلا.
وثانياً: لو سلّمنا أنّ رجوع العلماء إليهم كان في مقام الاستنباط أيضاً، إلأنّ ذلك لا ينفع شيئاً؛ إذ يمكن أن يكون من جهة حصول الاطمئنان والوثوقمن قولهم، لا من جهة حجّية قولهم بما هو، فلا ينطبق هذا الدليل على المدّعى،فإنّ المدعى حجّية قول اللغوي ولو لم يفيد ظنّاً، والدليل يختصّ بما أفاد قولهالعلم أو الاطمئنان.
الوجه الثالث: أنّ اللغوي من أهل الخبرة في تشخيص معاني الألفاظ، وقداستقرّ بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة في كلّ فنّ من دون اعتبارالعدد والعدالة، كما هو الحال في رجوعهم إلى الأطبّاء والمهندسين، ومنالواضح عدم ثبوت الردع الشرعي عن بنائهم، فيكون قول اللغوي حجّة.
وفيه: أوّلاً: أنّ اللغوي لا يخبر عن المعنى الحقيقي ليرجع إليه في تعيينالأوضاع اللغويّة، وتمييز المعاني الحقيقيّة عن المجازيّة، وإنّما شأنه هو الإخبارعمّا يستعمل فيه اللفظ حقيقة كان أو مجازاً، ولذا يذكر اللغوي لكلّ كلمةمعاني متعدّدة، وهذا لا يكفي لحجّية قول اللغوي، ومعلوم أنّ ذكر معنى منالمعاني أوّلاً لا يدلّ على كونه هو المعنى الحقيقي للفظ دون البقيّة، فإنّه منقوضبالألفاظ المشتركة؛ إذ لابدّ فيها من ذكر معانيها بالترتيب، واللغوي ليس من