(صفحه298)
وأمّا ما ذكره المحقّق الحائري قدسسره من الإشارة إلى ماهيّة المرأة بأنّ هذه المرأةلم تكن قرشيّة، وإذا شككنا بعد وجودها في قرشيّتها نستصحب عدم قرشيّتهالسابقة.
ففيه: أوّلاً: أنّ ماهيّة المرأة قبل وجودها ليست بشيء حتّى تجعلها مشارإليها؛ إذ لا تحقّق لها ولا ثبوت لها قبل الوجود.
وثانياً: أنّه يتنافى مع ما صرّح به من أنّ القرشيّة من عوارض الوجودالخارجي، فلا محالة يكون عدمها قبل الوجود بعنوان السالبة بانتفاءالموضوع.
وأمّا الوجه السابع: فقد يقال بتماميّة الاستصحاب فيه، وذلك لأنّ مجرىالاستصحاب موضوع مركّب من جزءين: الحيوان وعدم القابليّة للتذكية،والجزء الأوّل محرز بالوجدان كما هو واضح، والجزء الثاني محرزبالاستصحاب لمكان الحالة السابقة كما هو الشأن في العدميّات، ومع إحرازكلا الجزءين يترتّب الأثر من الحرمة والنجاسة.
وفيه: أنّ الجزء الثاني لا يخلو من وجهين، فإمّا أن يكون مطلق عدمالقابليّة للتذكية مع غضّ النظر عن الجزء الأوّل ومستقلاًّ عنه، وإمّا أن تكونجزئيّته مع الاحتفاظ على تحقّق الجزء الأوّل والارتباط به، فعلى الأوّل ليكون قابلاً للتصوير، وعلى الثاني يلزم رجوع الوجه السابع إلى أحد الوجوهالثلاثة السابقة؛ إذ الارتباط والعلاقة بين الجزءين إمّا أن تكون بنحو الموجبةالمعدولة أو الموجبة السالبة المحمول أو التقييد النعتي، وقد عرفت عدم تماميّةالاستصحاب فيها.
وأمّا الأمر الثالث فالصحيح عدم جريان استصحاب عدم التذكية لنفسالبيان المتقدّم في الأمر الثاني؛ لأنّ عدم التذكية إن كان بنحو السلب التحصيلي
(صفحه 299)
المطلق الصادق مع انتفاء الموضوع فلا يصحّ جعله موضوعاً للحكم الشرعي،وإن كان بنحو سائر القضايا المذكورة فلا تكون حالة سابقة متيقّنة فيموردها.
والحاصل: أنّ استصحاب عدم قابليّة التذكية لا يكون جارياً، فلا مانع منجريان أصالة البراءة وأصالة الإباحة.
التنبيه الرابع: في أخبار من بلغ
وقبل التعرّض للأقوال لا بأس بإيراد بعض روايات الباب:
منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «من بلغه عنالنبيّ صلىاللهعليهوآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبيّ صلىاللهعليهوآله كان له ذلك الثواب وإنكان النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يقله»(1).
ومنها: حسنة هشام بن سالم عن أبي عبداللّه عليهالسلام قال: «من سمع شيئاً منالثواب على شيء فصنعه كان له وإن لم يكن على ما بلغه»(2).
ومنها: رواية محمّد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر عليهالسلام يقول: «من بلغهثواب من اللّه على عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب اُوتيه وإن لم يكنالحديث كما بلغه»(3).
إلى غير ذلك من الأخبار التي جمعها الشيخ الحرّ العاملي قدسسره تحت عنواناستحباب الإتيان بكلّ عمل مشروع روي له ثواب منهم عليهمالسلام في مقدّمة كتابوسائل الشيعة.
أقول: قد اختلف الأصحاب فيما يستفاد من هذه الأخبار على أقوال:
- (1) الوسائل 1: 81، الباب 18 من أبواب مقدمة العبادات، الحديث 4.
- (2) المصدر السابق: 82، الحديث 6.
- (3) المصدر السابق: الحديث 7.
(صفحه300)
الأوّل: ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدسسره (1) من أنّ المستفاد منها هواستحباب نفس العمل بعنوانه الأوّلي، لا بالعنوان الثانوي الطارئ عليه ـ أعنيعنوان بلوغ الثواب عليه ـ إذ ترتّب الأجر على نفس العمل يكشف عنمطلوبيّة ذات العمل بعنوانه الأوّلي، فيكون العمل البالغ عليه الثواب مستحبّشرعيّاً بالعنوان الأوّلي كسائر المستحبّات الشرعيّة، وأمّا عنوان «طلب قولالنبيّ صلىاللهعليهوآله » أو «التماس ذلك الثواب» فهو خارج عن متعلّق الطلبالاستحبابي، وليس إلاّ داعياً لإيجاد العمل في الخارج، ومن المعلوم أنّ الداعيخارج عن متعلّق الطلب، فالمستحبّ هو العمل بعنوانه الأوّلي.
وإن شئت قلت: إنّ العنوان المذكور جهة تعليليّة للعمل وليس جهةتقييديّة.
وفيه: أنّ ترتّب الثواب على عمل أعمّ من الاستحباب الشرعي، والأعمّلايثبت الأخصّ، فإنّ ترتّب الثواب على عمل تارةً يكون لأجل كونه محبوبنفسيّاً وذا رجحان ذاتي فيثبت الاستحباب الشرعي، واُخرى يكون لأجلالتحفّظ على ما هو محبوب واقعاً، وفي مثله لا يثبت الاستحباب كما هوواضح.
القول الثاني: ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدسسره (2) من أنّ الأخبار مسوقة لبياناعتبار قول المبلّغ وحجّيته، سواء كان واجداً لشرائط الحجّية أم لم يكن كمهو ظاهر الإطلاق، وعليه فتكون أخبار من بلغ مخصّصة لما دلّ على اعتبارالوثاقة أو العدالة في الخبر، وأنّها تختصّ بالخبر القائم على وجوب الشيء،وأمّا الخبر القائم على الاستحباب فلا يعتبر فيه ذلك. وظاهر عناوين كلمات
- (1) كفاية الاُصول 2: 197.
- (2) فوائد الاُصول 3: 413 ـ 414.
(صفحه 301)
القوم ينطبق على هذا المعنى، فإنّ الظاهر من قولهم: «يتسامح في أدلّة السنن»هو أنّه لا يعتبر في أدلّة السنن ما يعتبر في أدلّة الواجبات.
إن قلت: كيف تكون أخبار «من بلغ» مخصّصة لما دلّ على اعتبار الشرائطفي حجّية الخبر مع أنّ النسبة بينهما العموم من وجه، حيث إنّ ما دلّ علىاعتبار الشرائط يعمّ الخبر القائم على الوجوب وعلى الاستحباب، وأخبار«من بلغ» وإن كانت تختصّ بالخبر القائم على الاستحباب، إلاّ أنّه أعمّ من أنيكون واجداً للشرائط أو فاقداً لها، ففي الخبر القائم على الاستحباب الفاقدللشرائط يقع التعارض، فلا وجه لتقديم أخبار «من بلغ» على ما دلّ علىاعتبار الشرائط في الخبر؟
قلت: مع أنّه يمكن أن يقال: إنّ أخبار «من بلغ» ناظرة إلى إلغاء الشرائطفي الأخبار القائمة على المستحبّات، فتكون حاكمة على ما دلّ على اعتبارالشرائط في أخبار الآحاد، وفي الحكومة لا تلاحظ النسبة؛ لأنّ الترجيحلأخبار «من بلغ» لعمل المشهور بها، مع أنّه لو قدّم ما دلّ على اعتبارالشرائط في مطلق الأخبار لم يبق لأخبار «من بلغ» مورد، بخلاف ما لوقدّمت أخبار «من بلغ» على تلك الأدلّة، فإنّ الواجبات والمحرّمات تبقىمشمولة لها.
ويرد عليه: أوّلاً: عدم تماميّة أصل الدعوى، يعني كون الأخبار في مقامبيان حجّية مطلق الأخبار بالنسبة إلى المستحبّات، فإنّها بعيدة عن ظاهرأخبار «من بلغ» جدّاً، فإنّ معنى الحجّية عنده قدسسره هو إلغاء احتمال الخلاف،وفرض مؤدّى الأمارة هو الواقع، وهذا ينافي فرض عدم ثبوت المؤدّى فيالواقع كما هو مفاد أخبار «من بلغ» بتعبيرات مختلفة، مثل: «وإن كان النبيّ صلىاللهعليهوآله لم يقله» ومثل: «وإن لم يكن الحديث كما بلغه»، وعليه فأخبار «من بلغ»
(صفحه302)
أجنبيّة عن إعطاء الحجّية للخبر الضعيف، وهكذا بناءً على أن تكون الحجّيةبمعنى المنجّزية والمعذّرية؛ إذ لا معنى للمعذّرية في المستحبّات إذا كان الخبرمخالفاً للواقع، فإنّ لازم ذلك عدم ترتّب الثواب في هذه الصورة، مع أنّالغرض في الأخبار هو ترتّب الثواب في صورة كذب الخبر.
وثانياً: أنّ مخصّصية أخبار «من بلغ» لأدلّة الحجّية إنّما يصحّ فيما إذا كانهناك تنافٍ بين الدليلين، ومن الواضح أنّه لا تنافي بين أن يكون خبر الثقةحجّة مطلقاً، وبين أن يكون مطلق الخبر حجّة في المستحبّات، وعليه فلينجرّ الأمر إلى التخصيص.
وثالثاً: أنّ حكومة أخبار «من بلغ» على أدلّة الحجّية في صورة التعارضفي مادّة الاجتماع ليست تامّة، فإنّ قوام الحكومة هو تعرّض أحد الدليلينلحال الدليل الآخر من تفسير أو توضيح أو تصرّف في جهة من جهاته، وفيمنحن فيه ليس الأمر كذلك، فإنّ أخبار «من بلغ» مفادها حجّية مطلق الخبر فيالمستحبّات، ومفاد أدلّة الحجّية هو حجّية خبر الثقة مطلقاً، من دون تعرّضأحدهما إلى حال الآخر.
ورابعاً: أنّ خلوّ أخبار «من بلغ» من المصداق والمورد فيما لو قدّمت أدلّةشرائط الحجّية في مورد ليس بتام، فإنّ مدّعاه قدسسره هو استفادة حجّية مطلقالخبر ـ ثقة كان أو غيره ـ من أخبار «من بلغ»، وعليه فلو خرج موردالتعارض ـ أي خبر غير الثقة في المستحبّات ـ عن الاندراج تحت إطلاقأخبار «من بلغ» يبقى الفرد الآخر ـ وهو خبر الثقة ـ تحته، ومن الواضح أنّه ليشترط أن يكون المورد الباقي ممّا يختصّ بأخبار «من بلغ» ولا تشمله أدلّةالحجّية، ولا يخفى أنّ أخبار «من بلغ» ليست في رتبة متأخّرة عن أدلّة الحجّيةحتّى يكون شمولها لخبر الثقة الوارد في المستحبّات لغواً وبلا أثر، بل تكون