(صفحه 303)
هي في رتبتها وعرضها.
القول الثالث: أنّ مفاد هذه الأخبار هو استحباب العمل مقيّداً بعنوان«بلوغ الثواب عليه»، فيكون العنوان من الجهات التقييديّة والعناوين الثانويّةالمغيّرة لأحكام العناوين الأوّلية كالضرر والحرج والخطأ والنسيان والجهلونحو ذلك، فيكون عنوان بلوغ الثواب ممّا يوجب حدوث مصلحة في العمل،بها يصير مستحبّاً.
وفيه: أوّلاً: أنّ العنوان الثانوي عنوان سلبي يتحقّق بالنسبة إلى العمل أوالحكم، كما نراه في حديث الرفع وأمثال ذلك، ولا يكون عنواناً إثباتيّاً اُسندإلى شخص كما يكون هنا كذلك.
وثانياً: أنّ مع قطع النظر عن هذا الإشكال لا تدلّ التعبيرات الواردة فيالروايات على هذا المعنى، فيحتاج إلى الإثبات.
القول الرابع: ما أفاده اُستاذنا السيّد الإمام قدسسره (1) من أنّ وزان أخبار «منبلغ» وزان الجعالة، فكما أنّ قول القائل: «من ردّ ضالّتي فله كذا» جعل المعلّقعلى ردّ الضالّة، فكذلك مفاد الأخبار جعل المعلّق على إتيان العمل بعد البلوغبرجاء الثواب، وإنّما جعل الشارع الثواب على ذلك حثّاً منه على التحفّظبعامّة السنن والمستحبّات، حيث رأى أنّ الاكتفاء في طريق تحصيلها علىخصوص الأمارات المعتبرة ربما يوجب تفويت البعض الموجود في غيرها منالأمارات، ولأجل ذلك حثّ الناس على إتيان كلّ ما نقل عنهم عليهمالسلام ، خالفالواقع أو طابقه، وأردف حثّه هذا بالثواب على العمل لكي يحدث الشوق فينفس المكلّف إلى إتيانه، كلّ ذلك تحفّظاً على المستحبّات الواقعيّة، وعليهفتكون أخبار «من بلغ» مطلقة بالنسبة إلى كلّ ما بلغ عليه ثواب بسند معتبر
- (1) تهذيب الاُصول 2: 233 ـ 234.
(صفحه304)
كان أو بغيره، من دون أن تكون لها دلالة على حجّية خبر الضعيف فيالمستحبّات أو على استحباب العمل؛ إذ فرق بين ترتّب الثواب على عمللمحبوبيّته في ذاته ورجحانه في نفسه كما في سائر المستحبّات الشرعيّة، وبينترتّب الثواب على الشيء لأجل التحفّظ على الواقع وإدراك المكلّف له.
والإنصاف أنّ هذا كلام صحيح وقابل للمساعدة ولا إشكال فيه.
هذا تمام الكلام في تنبيهات البراءة، وبه يتمّ البحث عن أصالة البراءة، وللّهالحمد أوّلاً وآخراً.
(صفحه 305)
القول
في أصالة التخيير
دوران الأمر
بين المحذورين
(صفحه306)
(صفحه 307)
أصالة التخيير
فصل
في دوران التكليف بين الوجوب والحرمة
لا يخفى أنّ دوران التكليف بين الوجوب والحرمة ـ بأن علم إجمالبوجوب شيء معيّن أو حرمته قد يكون مع وحدة الواقعة ـ كما لو علم إجمالبوجوب صوم يوم معيّن أو حرمته ـ وقد يكون مع تعدّد الواقعة، كما لو دارالأمر في صلاة الجمعة في عصر الغيبة بين الوجوب والحرمة، فلو كانت الواقعةمتعدّدة أمكنت المخالفة القطعيّة بالإتيان في مرتبة والترك في مرتبة اُخرى.
وأمّا لو كانت الواقعة واحدة وكان كلا التكليفين توصّليّا، فلا يمكن المخالفةالقطعيّة؛ لكون المكلّف إمّا تاركا وإمّا فاعلاً. وإذا كان كلاهما أو أحدهمتعبّديّا يتمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة، كما إذا كان وجوب صوم يوم كذتعبّديّا وحرمته على تقدير ثبوتها توصّليّة، فيمكن المخالفة القطعيّة بأن يصومبدون قصد القربة؛ إذ التكليف إن كان وجوبيّا تحقّق بدون قصد القربة، وإنكان تحريميّا تحقّق المنهيعنه في الخارج.
والقدر المتيقّن من الفروض المذكورة فيما إذا كانت الواقعة واحدة، ولميتمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة ولا من الموافقة القطعيّة، ولميكن شيء منالفعل أو الترك معلوم الأهمّيّة أو محتملها في نظر العقل، وحينئذ فهل يحكمالعقل بالتخيير هنا أم لا؟