(الصفحة 167)
بأنّه ما الفرق بينهما مع اشتراكهما في كونهما نافلة؟ فأجاب بثبوت الفرق بينهما من حيث مرتبة الفضيلة ، فإنّ فضل نافلة الظهر بمرتبة تؤخّر الفريضة لأجلها(1) .
هذه مجموع الروايات التي يمكن أن يستدلّ بها القائل بالقول الثاني ، وقد عرفت عدم دلالة شيء منها على هذا القول ، فإنّ مفاد أكثرها هو بيان أنّ النافلة تزاحم الفريضة ، إلى أن يصير ظلّ الشاخص ذراعاً أو ذراعين ، وأمّا إذا بلغ الفيء إليهما فلا تزاحم النافلة الفريضة ، بل الفضل في تأخيرها عنها ، لا أنّه يخرج بذلك وقت النافلة وتصير قضاء ، فلا دلالة لها على ذلك أصلا .
بل يمكن أن يقال بدلالة بعضها على عدم خروج وقتها ، فإنّ قوله(عليه السلام) في صحيحة زرارة المتقدّمة : «بدأت بالفريضة وتركت النافلة» يدلّ على جواز الإتيان بالنافلة بعد الفريضة إذا بلغ الفيء الذراع ، وظاهره أنّ النافلة التي يجوز الإتيان بها بعد الفريضة في ذلك الوقت هي عين الطبيعة التي كانت تزاحم الفريضة قبله ، ولو كانت موقّتة بالذراع مثلا ، بحيث صارت قضاء بعده لم تكن النافلة البعدية عين الطبيعة القبلية ، لما حقّق في محلّه من أنّ طبيعة القضاء مباينة لطبيعة الأداء ، فلا يستفاد من الروايات بملاحظة ما ذكرنا أزيد من جواز مزاحمة النافلة للفريضة إلى الذراع ، ويكون إدراكها أفضل من إدراك فضل وقت الفريضة ، وبعد الذراع ينعكس الأمر من دون أن تصير النافلة قضاء .
نعم لا ينبغي الإشكال في كون النوافل موقّتة ، لدلالة الأخبار الكثيرة على استحباب قضاء النوافل(2) ، كما أنّ الظاهر عدم كون وقتها أوسع من وقت الفريضة وحينئذ فبعد عدم ثبوت توقيتها إلى الذراع والذراعين ، وكذا إلى المثل والمثلين ، لا
- (1) مدارك الاحكام 3 : 89 ; ولكن لم نعثر على الاحتمال المحكي عن المدارك فيه .
- (2) الوسائل 4 : 75 . أبواب أعداد الفرائض ب 18 .
(الصفحة 168)
يبعد القول بامتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة ، لكن لا يترتب على هذا النزاع ثمرة مهمّة ، إذ الإتيان بها قبل الذراع راجح بلا إشكال ، والإتيان بها بعده قبل الفريضة مرجوح كذلك ، والإتيان بها بعدها جائز بلا ريب ، سواء كان قضاءً ، أو أداء ، إذ على فرض صيرورتها قضاء بعد الذراع لا مجال لاحتمال وجوب تأخيرها إلى الليل أو النهار الآتي كما هو واضح ; فالأحوط فيما إذا أتى بها بعد الفريضة الإتيان بها بقصد ما في الذمة .
وربّما يتمسّك في بقاء وقتها بعد الذراع باستصحاب بقاء الوقت ، أو عدم خروجه ، أو بقاء الرجحان ، ولا يخفى ما فيه من الضعف ، فإنّ ممّا يتقوّم به الاستصحاب أن يكون هنا متيقن سابق يمكن إبقائه في الزمان اللاحق ، ومن الواضح في المقام عدم ثبوت هذا الركن ، فإنّ المتيقّن السابق هو وقوع النافلة في وقتها مقيّداً بما إذا أتى بها قبل الذراع ، واستصحاب هذا المعنى لا يجدي لإثبات بقاء وقتها بعد الذراع أيضاً ، بل لا يجري هذا الاستصحاب لعدم كون هذه القضية الشرطية مشكوكة أصلا ، فما وقع الشك فيه ـ وهو أصل جهة الوقتية ـ مشكوك من أوّل الأمر ، وما كان متيقناً ـ وهي القضية الشرطية ـ لا يكون مشكوكاً أصلا كما هو واضح ; هذا كلّه بالنسبة إلى آخر وقت نافلة الظهرين .
وأمّا أول وقتها فلا إشكال ولا خلاف في جواز الإتيان بها من أوّل الزوال(1) ، وحكي عن جماعة جواز تقديم نافلة الظهر على الزوال(2) ، واستدلوا على ذلك
- (1) المجموع 4 : 11 ; المغني لابن قدامة 1 : 800 ; المقنعة : 90 ; النهاية : 60 ; الغنية : 71; المهذّب 1 : 70; الوسيلة : 83; المراسم 63; الجامع للشرائع : 62 ، السرائر 1 : 199 ، المعتبر 2 : 48 ; تذكرة الفقهاء 2 : 316 مسألة 37 ; مختلف الشيعة 2 : 33 ; جامع المقاصد 2 : 20 ; كشف اللثام 3 : 51 ; مفتاح الكرامة 2 : 31 .
- (2) منهم الشهيد في الذكرى 2 : 361; والأردبيلي في مجمع القائدة والبرهان 2 : 19 .
(الصفحة 169)
بروايات :
منها : رواية محمّد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر(عليه السلام) : عن الرجل يشتغل عن الزوال أيعجّل من أوّل النهار؟ قال : «نعم ، إذا علم أنّه يشتغل فيعجّلها في صدر النهار كلّها»(1) ، والمراد بالزوال هي نافلة الظهر .
ومنها : رواية عمر بن يزيد عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إعلم أنّ النافلة بمنزلة الهدية متى ما أُتي بها قبلت»(2) .
ومنها : رواية محمد بن عذافر قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «صلاة التطوّع بمنزلة الهدية متى ما أُتي بها قبلت ، فقدّم ما شئت ، وأخّر منها ما شئت»(3) . والظاهر ـ باعتبار أنّ الراوي عن عمر بن يزيد في الرواية المتقدّمة هو محمّد بن عذافر ـ اتحاد الروايتين ، وكون الرواية الثانية مرسلة بحذف الواسطة ، لأجل الاعتماد عليها ، ولا يخفى ظهورهما في النافلة المبتدأة ، وعلى فرض الإطلاق تقيّدان بالأخبار الظاهرة في أنّ أوّل وقتها هو الزوال ، كما مر أكثرها .
ومنها : رواية إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : إنّي أشتغل ، قال : «فاصنع كما نصنع صلِّ ستّ ركعات إذا كانت الشمس في مثل موضعها صلاة العصر ـ يعني ارتفاع الضحى الأكبر ـ واعتدّ بها من الزوال»(4) .
ومنها : رواية القاسم بن الوليد الغسّاني عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك صلاة النهار صلاة النوافل في كم هي؟ قال : «ستّ عشرة ركعة في أيّ
- (1) الكافي 3 : 450 ح1 ; التهذيب 2 : 268 ح1067 ; الاستبصار 1 : 278 ح1011 ; الوسائل 4 : 232 . أبواب المواقيت ب37 ح1 .
- (2) الكافي 3 : 454 ح14 ، الوسائل 4 : 232 . أبواب المواقيت ب37 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 267 ح1066 ; الاستبصار 1 : 278 ح1010 ; الوسائل 4 : 233 . أبواب المواقيت ب37 ح8 .
- (4) التهذيب 2 : 267 ح1062 ، الاستبصار 1 : 277 ح1006 ، الوسائل 4 : 232 . أبواب المواقيت ب37 ح4 .
(الصفحة 170)
ساعات النهار شئت أن تصلّيها صلّيتها ، إلاّ أنّك إذا صلّيتها في مواقيتها أفضل»(1) .
ومنها : رواية عليّ بن الحكم عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : قال لي : «صلاة النهار ستّ عشرة ركعة أيّ النهار شئت ، إن شئت في أوّله ، وإن شئت في وسطه ، وإن شئت في آخره»(2) .
ومنها : ما رواه عليّ بن الحكم عن سيف ، عن عبدالأعلى قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن نافلة النهار؟ قال : «ستّ عشرة ركعة متى ما نشطت ، إنّ عليّ بن الحسين(عليهما السلام) كانت له ساعات من النهار يصلّي فيها ، فإذا شغله ضيعة (ضيفه خ ل) أو سلطان قضاها ، إنّما النافلة مثل الهدية متى ما أُتي بها قبلت»(3) .
والظاهر اتحاد هذه الرواية مع الرواية السابقة ، وأنّ الواسطة في المرسلة هو سيف وعبدالأعلى ، فلعل التفصيل في هذه الرواية وقع من الرواة ، تفسيراً لقوله(عليه السلام) : «متى نشطت» ، فلا حجية فيه ، إذ لا اعتبار بفهم الراوي .
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) إنّه قال : «ما صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله)الضحى قط» ، قال : فقلت له : ألم تخبرني أنّه كان يصلّي في صدر النهار أربع ركعات؟ فقال : «بلى إنّه كان يجعلها من الثمان التي بعد الظهر»(4) .
هذا ، ولا يخفى أنّ الاعتماد على هذه الأخبار في غاية الإشكال وأنّ ما يمكن الاعتماد عليه منها هي روايتان واردتان في خصوص من يعلم بأنّه يشتغل بعد
- (1) التهذيب 2 : 9 ح17 وص 267 ح1063 ; الاستبصار 1 : 277 ح1007 ; الوسائل 4 : 233 . أبواب المواقيت ب37 ح5 .
- (2) التهذيب 2 : 8 ح15 وص267 ح1064 ، الاستبصار 1 : 278 ح1008 ، الوسائل 4 : 233 . أبواب المواقيت ب37 ح 6 .
- (3) التهذيب 2 : 267 ح1065 ; الاستبصار 1 : 278 ح1009 ;الوسائل 4 : 233 . أبواب المواقيت ب37 ح7 .
- (4) الفقيه 1 : 358 ح1567 ; الوسائل 4 : 234 . أبواب المواقيت ب37 ح10 .
(الصفحة 171)
الزوال عنها(1) ، والباقي ليست بصريحة في جواز التعجيل أو كانت ضعيفة من حيث السند .
وحينئذ فلو قيل بجواز التعجيل فإنّما هو في خصوص من يعلم بأنه يشتغل ، ولكن الفتوى بذلك فيه أيضاً مشكل ، لإعراض الأصحاب عن هذه الروايات . ومن المعلوم أنه من أعظم الموهنات للرواية كما قرّر في محلّه ، فلا يجوز التقديم على الزوال ; نعم لا بأس بالإتيان بها رجاء . وقد تحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ نافلة الظهرين يكون وقتها من حيث الأول والآخر مطابقاً لوقت فريضتها .
المسألة الثانية : وقت نافلة المغرب
التي ورد في الأخبار الحثّ والتأكيد على إتيانها ، مثل قوله(عليه السلام) : «أربع ركعات بعد المغرب لا تدعهنّ في حضر ولا سفر»(2) . والمشهور شهرة عظيمة ، بل حكي الإجماع عليه ، هو امتداد وقتها إلى ذهاب الحمرة المغربية(3) ، وذهب الشهيد في الدروس والذكرى إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة(4) ، وتبعه على ذلك صاحبا المدارك وكشف اللثام(5) ، والانصاف عدم دليل معتدّ به للقولين . نعم لا تزاحم فريضة العشاء بعد زوال الشفق بل يؤتى بها بعد العشاء .
وقد استدل للقول المشهور باستمرار فعل النبيّ(صلى الله عليه وآله) والأئمة(عليهم السلام) ، فإنّ بناءهم
- (1) الوسائل 4 : 232 . أبواب المواقيت ب37 ح1 و 4 .
- (2) الكافي 3 : 439 ح3 ; التهذيب 2 : 14 ح35 . الوسائل 4 : 86 . أبواب اعداد الفرائض ب24 ح1 .
- (3) النهاية : 60 ; الغنية : 72 ; المهذّب 1 : 70 ; الوسيلة : 83 ; المعتبر 2 : 53 ; جامع المقاصد 2 : 21 ; مدارك الأحكام 3 : 73 ; جواهر الكلام 7 : 186 ; مفتاح الكرامة 2 : 33 .
- (4) الدروس 1 : 141 ; الذكرى 2 : 367 .
- (5) مدارك الاحكام 3 : 74 ; كشف اللثام 3 : 57 .