(الصفحة 317)
محض ، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب(عليه السلام) : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى»(1) .
لأنّ الجمع بينها وبين الموثقة غير ممكن ووجوب الرجوع إلى المرجحات يقتضي الأخذ بالموثقة ، لمخالفتها للعامّة وموافقتها لفتوى المشهور دونها .
مضافاً إلى كونها مؤيّدة بما رواه الشيخ عن عليّ بن مهزيار قال : كتب إليه إبراهيم بن عقبة : عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية؟ فكتب : «لا تجوز الصلاة فيها»(2) .
وأمّا الثاني : فلعدم مساعدة العرف عليه ، مضافاً إلى أنّ المنع في الحرير مطلق كما تدلّ عليه رواية محمّد بن عبدالجبار المتقدّمة وسيجيء .
فانقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لا فرق في المنع بين اللباس وغيره ، وفي اللباس بين ما تتمّ الصلاة فيه وحده وغيره .
ثمّ لا يبعد أن يقال: بانصراف الأدلة المانعة عن الصلاة في أجزاء غير المأكول عن أجزاء الإنسان ، فلا تبطل الصلاة إذا كان مع المصلّي شعره أو ظفره وإن كان غيره .
وعلى تقدير الشمول فيجب تخصيصها بما رواه الشيخ عن محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن الريان بن الصلت قال : كتبت إلى أبي الحسن(عليه السلام) : هل تجوز الصلاة في ثوب يكون فيه شعر من شعر الانسان وأظفاره من قبل أن ينفضه ويلقيه عنه؟ فوقّع(عليه السلام) : «يجوز»(3) ، وما رواه الصدوق عن عليّ بن الريّان أنّه سأل أبا الحسن الثالث(عليه السلام) عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره ثمّ يقوم إلى الصلاة من غير
- (1) التهذيب 2 : 207 ح810 ; الإستبصار 1: 383 ح1453; الوسائل 4 : 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح4 .
- (2) التهذيب 2: 206 ح805 و 806 ; الوسائل 4: 377. أبواب لباس المصلّي ب14 ح3 .
- (3) التهذيب 2 : 367 ح1526 ; الوسائل 4 : 382. أبواب لباس المصلّي ب18 ح2.
(الصفحة 318)
أن ينفضه من ثوبه؟ فقال : «لا بأس»(1) .
والظاهر أنّهما رواية واحدة والاختلاف في الألفاظ نشأ من اختلاف نقل الراوي كما لا يخفى .
وحينئذ فيشكل التعميم لما إذا كان مع المصلّي شعر غيره من أفراد الإنسان ، إذ لا يعلم أنّ الحكم بالجواز كان جواباً عن السؤال بالنحو الأوّل ، لأنّه يحتمل أن يكون جواباً عن السؤال بالنحو الثاني المتضمّن للمسألة عن حكم ما إذا كان مع المصلّي شعر نفسه أو ظفره ، فيكون الجواز مختصّاً به . هذا ، ولكنّ الظاهر ما عرفت من الانصراف ، فيعمّ الجواز كلتا الصورتين .
ثمّ لا يخفى عدم اختصاص ما ذكرنا من مانعية أجزاء غير المأكول بالحيوان الذي كان له جميع المذكورات في الموثقة ابن بكير من الشعر والوبر وغيرهما ، بحيث لو لم يكن لبعض الحيوانات غير المأكول وبر مثلا لم يكن هنا مانع من الصلاة في أجزائه ، ضرورة أنّه لا دلالة لذكرها في الموثقة على انحصار الحكم بذلك الحيوان ، مضافاً إلى وضوح عدم الاختصاص بذلك كما يظهر بمراجعة العرف الذي هو الحاكم في الخطابات الشرعية .
وكذا لا يختص المنع بالحيوان الذي له لحم ، كما ربّما يتوهّم من قول الإمام(عليه السلام)في الموثقة بعد نقله ما في كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «فان كان ممّا يؤكل لحمه» ، بتقريب أنّ قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بقوله : «وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله» ، هو ما كان أكل لحمه حراماً ومنهيّاً عنه وذلك ـ أي وجه عدم الاختصاص بما ذكر ـ إطلاق كلام النبي(صلى الله عليه وآله) على ما نقله الإمام(عليه السلام)عن كتابه(صلى الله عليه وآله)وهو قوله : «إنّ الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله . . .» .
حيث إنّه يدلّ على أنّ المناط حرمة أكل الحيوان سواء كان ذا لحم أم لم يكن
- (1) الفقيه 1 : 172 ح812 ; الوسائل 4: 382. أبواب لباس المصلّي ب18 ح1.
(الصفحة 319)
ولا وجه لتقييده بالأوّل بعد تعارف أكل الثاني أيضاً كما في الجراد وغيره ، وتقييد الإمام(عليه السلام) إنّما هو بملاحظة أنّ المتعارف غالباً هو أكل الحيوان الذي له لحم والتغذي به لا بغيره .
وكذا لا يختصّ المنع بالحيوان الذي قد يزهق روحه بالتذكية وقد يزهق بغيرها ، كما ربّما يتوهّم من قول الإمام(عليه السلام) في الموثقة : «إذا علمت أنّه ذكي ذكاه الذبح» ، وذلك لأنّ ذكر هذا الكلام إنّما هو لبيان أنّ مجرّد كون الحيوان مأكول اللحم لا يوجب صحة الصلاة في أجزائه ، بل له شرط آخر وهو وقوع التذكية عليه ، ولايخفى أنّ هذا الشرط إنّما هو بالنسبة إلى استعمال جلده لا سائر أجزائه من الوبر والشعر وغيرهما ، لأنّه تصحّ الصلاة فيها ولو قطعت عنه في حال الحياة .
فظهر أنّه لا يختصّ المنع بذلك ، بل يشمل الحيوانات التي لا تقبل التذكية الموجبة للطهارة والحلية أصلا ، كما أنّه لا وجه للاختصاص بالحيوان الذي يذكّى بالذبح لا بالنحر وغيره ، كما ربّما يتوهّم من كلام الإمام(عليه السلام) ، وذلك لأنّ التعبير به إنّما هو بملاحظة أنّ الغالب هو كون التذكية بالذبح لا بغيره ، وذلك لا يوجب الاختصاص كما هو واضح .
ثمّ إنّه لا فرق بين كون الحيوان له نفس سائلة وبين غيره ، لعدم دلالة شيء من الأخبار الواردة في الباب عليه ولو بالإشعار ، كما يظهر لمن راجعها ، ولا وجه لاحتماله في المقام ، واحتمال الفرق بينهما في مسألة الميتة إنّما هو لأجل احتمال أنّ مانعية الميتة إنّما هي لأجل كونها نجسة لا لموضوعيتها .
وعليه فلا يشمل دليل المنع ميتة غير ذي النفس لعدم نجاستها ، وهذا بخلاف المقام ، لأنّه لا وجه لاحتمال الاختصاص بالاُولى كما عرفت . نعم لو استندنا في المسألة إلى الشهرة والاجماعات المنقولة ولم نعتمد على الموثقة لاحتمل الاختصاص بما هو القدر المتيقّن منها ، إذ حينئذ لا دليل على الإطلاق كما لايخفى .
(الصفحة 320)
الصلاة في اللباس المشكوك
لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في بطلان الصلاة فيما علم كونه من أجزاء غير المأكول ، كما عرفت في المسألة السابقة(1) ، إنّما الإشكال في حكم الصلاة فيما لم يعلم كونه كذلك ، فالمشهور بين المتأخّرين هو البطلان(2) ، وذهب جماعة منهم إلى الصحة(3) .
ولا يخفى أنّه لم يرد في المسألة نصّ بالخصوص عنهم(عليهم السلام) ، وفتاوى الأصحاب
- (1) الغنية: 66; السرائر 1: 262; المعتبر 2 : 78; المنتهى 1 : 225; تذكرة الفقهاء 2 : 465 مسألة 118 وص466 مسألة 119; نهاية الأحكام 1: 373; جامع المقاصد 2 : 80 ; الذكرى 3 : 32; روض الجنان : 212; كشف اللثام 3 : 201; الحدائق 7 : 50 .
- (2) شرائع الاسلام 1: 104; المنتهى 1: 231; قواعد الأحكام 1: 302; جامع المقاصد 2: 488; مسالك الأفهام 1: 285; رياض المسائل 3: 153; جواهر الكلام 8 : 81 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2: 95; مدارك الاحكام 3 : 167; بحار الأنوار 80: 222; مستند الشيعة 4 : 317; الحدائق 7 : 86 .
(الصفحة 321)
ليس على نحو يكشف عن وجوده ، لأنّ أكثر المتقدّمين لم يتعرّضوا لها في كتبهم على الظاهر ، ومن تعرّض لها منهم فإنّما ذكرها في الكتب الموضوعة لذكر المسائل التفريعية لا الكتب المعدّة لنقل فتاوى الأئمة(عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم ، حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن وجود النصّ ، كما هو الشأن في غيرها من المسائل المذكورة فيها .
ويؤيّده أنّه لم يتخيل أحد من الطرفين وجود النص في المسألة حتى يجعله دليلا لمذهبه ، أو يرد به دليل خصمه ، فالمستند فيها إنّما هو الأصول والقواعد الشرعية كما يظهر لمن راجع كلماتهم ، وسيجيء إن شاء الله تعالى ما هو الحقّ فيها ، ولا يخفى أيضاً أنّه لا اختصاص لمورد النزاع بما يشكّ كونه من أجزاء المأكول أو من أجزاء غيره ، بل يعمّ ما إذا شكّ في كونه من أجزاء غير المأكول أو من أجزاء غيره ، ولو لم يكن من أجزاء الحيوان أصلا .
وبالجملة : محلّ البحث ما إذا كان أحد طرفي الشك كونه من أجزاء غير المأكول ، سواء كان الطرف الآخر هو كونه من أجزاء الحيوان المأكول أو من غير أجزاء الحيوان، إذ القول بالفصل بينهما في غاية الضعف . وكذا لا اختصاص لمورد البحث بما إذا شكّ في ثبوت هذا المانع وهو كونه من أجزاء غير المأكول ، بل يعمّ ما إذا شكّ في ثبوت سائر الموانع ، ككونه حريراً محضاً للرجال ، أو ذهباً خالصاً لهم ، أو غيرهما من الموانع .
ثمّ إنّ العلاّمة في المنتهى من القائلين بالبطلان في المسألة ، حيث قال في محكيه : إنّه لو شكّ في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه ، لأنها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه ، والشك في الشرط يقتضي الشك في المشروط (1).