(الصفحة 47)
الظهر مثلا بأنّها ثمان ركعات(1) ، لا أنّها أربع صلوات ، فإنّ هذا التعبير يماثل التعبير عن فريضة الظهر بأنّها أربع ركعات بلا فرق بينهما ، فكما أنّ المجموع المركّب من الأربع في الفريضة تعلّق به أمر وجوبيّ واحد ، فكذا المجموع المركّب من الثمان في النافلة تعلّق به أمراستحبابيّ واحد، والفرق بينهماإنّماهوفيوجوب الأمر واستحبابه، وكذا في جواز القطع وعدمه ، وقد عرفت أنّ جواز القطع لا ينافي الارتباط .
ثم إنّه ذكر المحقّق الهمدانيّ في المصباح «أنّه لا ينبغي الاستشكال في جواز الاقتصار في نافلة المغرب على ركعتين ، وفي نافلة العصر على أربع ركعات ، لدلالة بعض الأخبار عليه ، بل الظاهر جواز الإتيان بركعتين من نافلة العصر ، لما في غير واحد من الأخبار الآمرة بأربع ركعات بين الظهرين ، من التفصيل بالأمر بركعتين بعد الظهر ، وركعتين قبل العصر ، فإنّ ظاهرها بشهادة السياق أنّ كلّ واحد من العناوين المذكورة في تلك الروايات نافلة مستقلّة ، فللمكلّف الإتيان بكلّ منها بقصد امتثال الأمر المتعلّق بذلك العنوان ، من غير التفات إلى ما عداها من التكاليف . وبهذا ظهر أنّه يجوز الإتيان بستّ ركعات أيضاً من نافلة العصر ، لقوله(عليه السلام)في موثّقة سليمان بن خالد : «صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس وستّ ركعات بعد الظهر وركعتان قبل العصر»(2) . فإنّ ظاهرها كون ستّ ركعات في حدِّ ذاتها نافلة مستقلّة . وفي خبر عيسى بن عبدالله القمّي عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا كانت الشمس من هاهنا من العصر فصلِّ ستّ ركعات»(3) .
هذا ، واستظهر بعد ذلك من خبر حسين بن علوان المتقدّم(4) جواز الاقتصار
- (1) الوسائل 4 : 45 ، أبواب أعداد الفرائض ب13 .
- (2) التهذيب 2 : 5 ح8 ; الوسائل 4 : 51 . أبواب أعداد الفرائض ب13 ح16 .
- (3) رجال الكشي 2 : 333 ، ح610 ; الوسائل 4 : ص62 . أبواب أعداد الفرائض ب14 ح8 .
- (4) الوسائل 4 : 94 . أبواب أعداد الفرائض ب28 ح4 .
(الصفحة 48)
في نافلة الزوال أيضاً على أربع ركعات ، ثم أخذ في جواز التخطي عمّا يستفاد من النصوص ، ونقل كلام صاحب الجواهر(1) واستدلالاته ، والمناقشة فيها ، واستظهر في ذيل كلامه عدم الفرق بين النوافل ، وجواز الاقتصار على البعض في الجميع»(2) .
أقول : يرد عليه :
أوّلا : ما عرفت من أنّ الروايات الدالّة على كون نافلة المغرب ركعتين ، أو نافلة العصر أربعاً أو ركعتين ، أو نافلة الزوال أربعاً ، متروكة غير معمول بها بين الأصحاب رضوان الله عليهم بعد زمن الرضا(عليه السلام) ; فلا يجوز الاعتماد عليها في إثبات ما هو بصدده . هذا ، مضافاً إلى أنّه لو ثبت ذلك يجب الاقتصار فيها على موردها ، أعني المغرب والعصر ، ولا يجوز التعميم بالنسبة إلى نافلة الزوال أيضاً ، بعدما عرفت من أنّ الرواية الدالّة على ذلك مضافاً إلى ضعف سندها محمولة على التقيّة ، لموافقتها لفتوى أبي حنيفة(3) ; فالحمل على اختلاف مراتب الاستحباب إنّما هو في غير نافلة الزوال ، فتدبّر .
وثانياً : إنّ ما ذكره من جواز الاقتصار على الركعتين ، أو الستّ ركعات في نافلة العصر مستنداً إلى ما ذكره من الروايات ، ممنوع جدّاً ، لوضوح أنّه لا منافاة بين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الاجتماع ، وبين الروايات الدالّة على الثمان بنحو الافتراق ; وقد عرفت ظهور الطائفة الاُولى في الارتباط بين الأجزاء وكون المجموع نافلة العصر . وهذا لا ينافي جواز التفريق في مقام العمل الذي يدلّ عليه الطائفة الثانية ، فانّه لما كان من سيرتهم التفريق بين فريضتي الظهر والعصر ، والإتيان بكلّ منهما في وقت فضيلته كما هو المتداول الآن بين أهل السنّة ، فلذا كانوا
- (1) جواهر الكلام 7 : 29 .
- (2) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 7 .
- (3) راجع ص43 .
(الصفحة 49)
قد يأتون ببعض نافلة العصر أيضاً بعد الإتيان بفريضة الظهر .
وبالجملة : جواز التفريق والإتيان بالنافلة في وقتين أمر ، والارتباط وكون المجموع من حيث هو مجموع نافلة واحدة مسمّاة بنافلة العصر أمر آخر ، فلا منافاة بين الروايات الدالّة على الأمر الأوّل ، وبين الروايات الظاهرة في الأمر الثاني .
وقد تلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ الظاهر في كلّ نافلة مركّبة من أزيد من صلاة هو الارتباط ووحدة الأمر ، وأنّ اختلاف بعض الأخبار في عدد الركعات لا يدلّ على الخلاف ، فضلا عن الأخبار التي لا تخالف الروايات المعمول بها في أصل العدد ، بل تخالفها في الجمع والتفريق ، كخبر سليمان بن خالد المتقدّم الدالّ على الإتيان بستّ ركعات من نافلة العصر بعد الظهر ، وبركعتين منها قبل فريضة العصر ، وخبر رجاء بن أبي الضحاك الدالّ على أنّ الرضا(عليه السلام) صلّى ستّاً من نافلة الظهر ، ثمّ أذّن ثمَّ صلّى ركعتين منها ، وكذا نافلة العصر(1) ، فإنّه لا يدلّ على استقلال ستّ ركعات ، وكونها نافلة مستقلّة ، بل التفريق والإتيان بالستّ قبل الأذان ، وبالركعتين بينه وبين الإقامة ، لعلّه كان من جهة تحقّق الفصل المستحب بين الأذان والإقامة .
الأمر الثاني : صلاة الغفيلة
روى الشيخ في المصباح عن هشام بن سالم عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «من صلّى بين العشائين ركعتين يقرأ في الاُولى الحمد
{وذا النون إذ ذهب مغاضباً ـ إلى قوله : ـ وكذلك ننجي المؤمنين}(2) وفي الثانية الحمد وقوله :
{وعنده مفاتِح
(عليه السلام)
- 2 : 181 ح180 ; الوسائل 4 : 55 . أبواب أعداد الفرائض ب13 ح24 .
- (2) الأنبياء 21 : 87 ـ 88 .
(الصفحة 50)
الغيب لا يعلمها إلاّ هو}(1) الآية فإذا فرغ من القراءة رفع يديه وقال : اللّهمَّ انّي أسألُكَ بمفاتح الغيب التي لا يعلمها إلاّ أنت ، أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفعل بي كذا وكذا ، وتقول : اللهمَّ أنت وليّ نعمتي ، والقادر على طلبتي ، تعلم حاجتي ، فأسألك بحقِّ محمّد وآله لمّا قضيتها لي ، وسأل الله حاجته أعطاه الله ما سأل»(2) .
وعن السيّد رضيّ الدين بن طاووس(رحمه الله) في كتاب فلاح السائل بإسناده عن هشام بن سالم نحوه وزاد : فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) قال : «لا تتركوا ركعتي الغفلة وهما ما بين العشائين»(3) .
والنقل عن النبيّ(صلى الله عليه وآله) يحتمل أن يكون صادراً من السيّد(رحمه الله) ، ويحتمل أن يكون من كلام الإمام(عليه السلام) وإن كان الثاني أظهر .
وروى الصدوق مرسلا قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة» . قال : وفي خبر آخر : «دار السلام وهي الجنّة» وساعة الغفلة ما بين المغرب والعشاء الآخرة(4) . والظاهر أنّ قوله : وساعة الغفلة . . . ، من كلام الصدوق لا تتمّة للرواية .
وروى سماعة ووهب بن وهب والسكوني عن جعفر بن محمّد ، عن أبيه(عليهما السلام)قال : قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «تنفّلوا في ساعة الغفلة ولو بركعتين خفيفتين فإنّهما تورثان دار الكرامة»(5) .
- (1) الأنعام 6 : 59 .
- (2) مصباح المتهجّد : 94 ; الوسائل 8 : 121 ، أبواب بقية الصلوات المندوبة ب20 ح2 .
- (3) فلاح السائل : 248 ; مستدرك الوسائل 6 : 303 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح3 .
- (4) الفقيه 1 : 357 ح1564 ; الوسائل 8 : 120 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب20 ح1 .
- (5) علل الشرائع : 343 ح1 ، ثواب الأعمال : 68 ، أمالي الصدوق : 445 ح10 ، معاني الأخبار : 265 ، التهذيب 2 : 243 ، ح963 ; الوسائل 8 : 120 ـ 121 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، ب20 ، ذح1 .
(الصفحة 51)
وزاد الشيخ في التهذيب بعد نقل الرواية عن السكوني ، قيل : يا رسول الله وما ساعة الغفلة؟ قال : ما بين المغرب والعشاء .
وعن السيّد بن طاووس في الكتاب المذكور أنّه روى هذه الرواية أيضاً وزاد ، قيل : يا رسول الله وما معنى خفيفتين؟ قال : يقرأ فيهما الحمد وحدها . قيل : يا رسول الله متى أُصليهما؟ قال : ما بين المغرب والعشاء(1) .
وعن الصدوق في الفقيه ، عن الباقر(عليه السلام) : «إنّ إبليس يبثّ جنوده جنود الليل من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبثّ جنود النهار من حين يطلع الفجر إلى طلوع الشمس . وذكر أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله) كان يقول : أكثروا ذكر الله عزّوجلّ في هاتين الساعتين وتعوّذوا بالله عزّوجلّ من شرّ إبليس وجنوده ، وعوّذوا صغاركم في هاتين الساعتين فإنّهما ساعتا غفلة» . انتهى(2) .
وروى الشيخ في المصباح عن الصادق ، عن آبائه(عليهم السلام) ، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)قال : «أُوصيكم بركعتين بين العشائين ، يقرأ في الاُولى الحمد وإذا زلزلت الأرض ثلاث عشرة مرّة ، وفي الثانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد خمس عشرة مرّة ، فإن فعل ذلك في كلّ شهر كان من الموقنين ، فإن فعل ذلك في كلّ سنة كان من المحسنين ، فإن فعل ذلك في كلّ جمعة مرّة كان من المخلصين ، فإن فعل ذلك مرّة كلّ ليلة زاحمني في الجنّة ، ولم يحص ثوابه إلاّ الله تعالى»(3) .
إذاعرفت ذلك فاعلم أنّه يقع الكلام هنا في جهتين: إحداهما: اتّحادالتنفّل المأمور به في ساعة الغفلة مع صلاة الغفيلة التي تضمّنتها رواية هشام بن سالم المتقدّمة وكذا
- (1) فلاح السائل : 248 ; مستدرك الوسائل 6 : 303 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب15 ح2 .
- (2) الفقيه 1 : 318 ح1444 .
- (3) مصباح المتهجّد : 94 ; الوسائل 8 : 118 . أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ب17 ح1 .