(الصفحة 80)
غروب الشمس إلى انتصاف الليل إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(1) .
ومنها : رواية داود بن أبي يزيد وهو داود بن فرقد عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس»(2) .
ومنها : ما رواه ابن مسكان عن الحلبي ـ في حديث ـ قال : سألته عن رجل نسي الاُولى والعصر جميعاً ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس؟ فقال : «إن كان في وقت لا يخاف فوت إحداهما فليصلِّ الظهر ثم ليصلِّ العصر ، وإن هو خاف أن تفوته فليبدأ بالعصر ، ولا يؤخّرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ، ولكن يصلّي العصر فيما قد بقي من وقتها ، ثم ليصلِّ الاُولى بعد ذلك على أثرها»(3) .
ومنها : رواية أُخرى لعبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن وقت الظهر والعصر؟ فقال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتّى تغيب الشمس»(4) .
ومنها : رواية ثالثة لعبيد بن زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً»(5) ، وغير ذلك من
- (1) التهذيب 2 : 25 ح72 ; الاستبصار 1 : 261 ح938 ; الوسائل 4 : 157 . أبواب المواقيت ب10 ح4 .
- (2) التهذيب 2 : 25 ح70 ; الاستبصار 1 : 261 ح936 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح7 .
- (3) التهذيب 2 : 269 ح 1074 ; الاستبصار 1 : 287 ح1052 ; الوسائل 4 : 129 . أبواب المواقيت ب4 ح18 .
- (4) الفقيه 1 : 139 ح647 ; التهذيب 2 : 24 ، 26 ح68 و73 ; وص19 ح51 ; الإستبصار 1 : 246 ح881 وص260 ح934 ; الوسائل 4 : 126 . أبواب المواقيت ب4 ح5 .
- (5) الكافي 3 : 276 ذ ح5 ; التهذيب 2 : 26 ح73 ; الوسائل 4 : 130 . أبواب المواقيت ب4 ح22 .
(الصفحة 81)
الأخبار.
واستدلّ الشيخ(رحمه الله) وغيره أيضاً بروايات :
منها : رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لكلّ صلاة وقتان ، وأوّل الوقتين أفضلهما ، ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ، ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ، ولكنّه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام ، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم ، وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر أو من علّة»(1) . وروي قطعة من هذه الرواية في الوسائل في موضع آخر أيضاً(2) .
ولا يخفى أنّ قوله(عليه السلام) : «وأوّل الوقتين أفضلهما» ، يدل على المختار لدلالته على اشتراك الوقتين في أصل الفضيلة المرادف للإجزاء ، وكذلك قوله(عليه السلام) : «ولكنّه وقت من شغل» ; فإنّ جعل الشغل موجباً لجواز التأخير لا يناسب مع تعيّن الوقت الأوّل للإجزاء ، إذ مع تعيّنه يجب رفع اليد عن جميع المشاغل ، والإتيان بالواجب ، وكذلك قوله : «لا ينبغي تأخير ذلك عمداً» ; فإنّ التعبير بـ «لاينبغي» لا يناسب مع التعيّن واختصاص أوّل الوقت بالإجزاء كما هو واضح . وبالجملة فالرواية دليل على ما ذكرنا ، لا أنّها تنافيه . وأمّا قوله(عليه السلام) في ذيل الرواية : «وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر أو علّة» ; فإنّما هو لترغيب الناس وتحريصهم إلى الإتيان بالصلوات في أوائل أوقاتها ، وكم لذلك من نظير في الأخبار التي سيقت لبيان المستحبات ، إذا كان المقصود الترغيب إلى الإتيان بمستحبّ مؤكّد .
وبالجملة : فلا يستفاد من الرواية إلاّ كراهة التأخير ، واستحباب التقديم استحباباً مؤكّداً لا ينبغي تركه مع عدم العذر ، كما يدلّ عليه ما ورد ، من أنّ فضل
- (1) التهذيب 2 : 39 ح123 ; الاستبصار 1 : 276 ح1003 ; الوسائل 4 : 208 . أبواب المواقيت ب26 ح5 .
- (2) الوسائل 4 : 119 . أبواب المواقيت ب3 ح4 .
(الصفحة 82)
الوقت الأوّل على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا(1) . ونظيره من التعبيرات الواردة في بعض الأخبار الاُخر(2) .
ثمَّ إنّ القائل بعدم جواز التأخير عن أوّل الوقت ، إمّا أن يريد بذلك الحرمة التكليفيّة وترتّب العصيان فقط ، من دون أن يخرج وقت الصلاة بالتأخير ويصير قضاء ، وإمّا أن يريد الحرمة الوضعيّة الراجعة إلى خروج وقتها وصيرورتها قضاء ، ولا يخفى أنّ احتمال إرادتهم هو الوجه الثاني في غاية البعد ، وعلى الأوّل فهو عصيان من دون ثبوت عقاب ، كما التزم به ونطقت به الأخبار(3) وحينئذ فيرجع هذا القول إلى ما ذكرنا كما لا يخفى .
الفرع الثاني : الأوقات المختصّة والمشتركة
المشهور اختصاص مقدار أربع ركعات من أوّل الوقت بالإتيان بالظهر ومن آخر الوقت بالعصر(4) ، خلافاً للصدوق(5) حيث إنّه يظهر منه اشتراك الظهرين في دخول وقتهما بمجرّد الزوال ، وامتداده إلى الغروب ، غاية الأمر لزوم الترتيب بينهما ، فلو صلّى العصر بعد الزوال بلا فصل ، تبطل من جهة فقدانها للترتيب
- (1) الكافي 3 : 274 ح6 ; ثواب الأعمال : 58 ح2 ; التهذيب 2 : 40 ح129 ; الوسائل 4 : 123 . أبواب المواقيت ب3 ح15 .
- (2) راجع الوسائل 4 : 118 . أبواب المواقيت ب3 .
- (3) الوسائل 4 : 123 . أبواب المواقيت ب3 ح16 .
- (4) المبسوط 1 : 72 ; مسائل الناصريات : 189 . المسألة 72 ; السرائر 1 : 195 ; المهذّب 1 : 71 ; الغنية : 69 ; شرائع الاسلام 1 : 50 ; رياض المسائل 3 : 33 ; مدارك الاحكام 3 : 35 ; مستند الشيعة 4 : 22 ; جواهر الكلام 7 : 75 ; جامع المقاصد 2 : 24 .
- (5) الفقيه 1 : 139 ح647 .
(الصفحة 83)
المعتبر فيها ، لا من جهة وقوعها في غير وقتها ، وتظهر الثمرة بين القولين فيما إذا صلّى العصر في وقت الظهر نسياناً ، فعلى قول المشهور يجب عليه الإعادة لوقوعها في غير الوقت ، وعلى قول الصدوق تصحّ ولا تجب عليه الإعادة ، لأنّ المفروض وقوعها في وقتها ، والاخلال بالترتيب لا يضرّ ، لأنّه شرط في حال الذكر فقط . هذا والأقوى في المسألة ما اختاره المشهور .
ولا يخفى أنّ كلام الصدوق لا يأبى عن الحمل على ذلك ، فإنّ مجرّد الفتوى على طبق أخبار الاشتراك لا ينافي القول بالاختصاص ، ألا ترى أنّ السيّد المرتضى(1)(رحمه الله) ـ مع أنّه أسند إلى الأصحاب ما يدلّ عليه أخبار الاشتراك ـ ذهب إلى الاختصاص وشرع في بيانه . ولو سلم التنافي فهو بدوي يرتفع بملاحظة جميع الأخبار ، ومن هنا يظهر أنّ القائلين بالاختصاص لم يطرحوا أخبار الاشتراك بل أفتوا بمضمونها ، والسرّ في ذلك ما سيجيء من أنّ النظر فيها إنّما هو إلى ردّ المخالفين القائلين بتباين الوقتين ، فهي بصدد بيان الاشتراك في الجملة ، ولا منافاة بينها وبين ما يدلّ على اختصاص مقدار أداء الظهر من أوّل الوقت به . والأولى نقل أخبار المسألة فنقول : الأخبار الواردة في هذا الباب على قسمين : قسم منها ظاهر في الاشتراك وقسم آخر منها يدلّ على الاختصاص .
أمّا القسم الأوّل : فكثيرة :
منها : رواية زرارة المتقدّمة في المسألة الاُولى(2) ،
ومنها : روايتا عبيد بن زرارة المتقدّمتان في المسألة الاُولى(3) أيضاً .
ومنها : رواية ثالثة لعبيد بن زرارة ، وهي ما رواه عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد
- (1) المسائل الناصريّات : 189 .
- (2) الفقيه 1 : 140 ح648 ; الوسائل 4 : 125 . أبواب المواقيت ب4 ح1 .
- (3) الوسائل 4 : 157 . أبواب المواقيت ب10 ح4 وص126 ب4 ح5 .
(الصفحة 84)
دخل وقت الصلاتين إلاّ أنّ هذه قبل هذه»(1) .
ومنها : رواية الصباح بن سيّابة عن أبي عبدالله(عليه السلام)قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(2) .
ومنها : رواية سفيان بن السمط عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(3) .
ومنها : رواية مالك الجهني قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن وقت الظهر؟ فقال : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(4) .
ومنها : رواية منصور بن يونس عن العبد الصالح(عليه السلام)قال : سمعته يقول : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين»(5) .
ومنها : رواية إسماعيل بن مهران قال : كتبت إلى الرضا(عليه السلام) : ذكر بعض أصحابنا أنّه إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر وإذا غربت دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة ، إلاّ أنّ هذه قبل هذه في السفر والحضر ، وإنّ وقت المغرب إلى ربع الليل ; فكتب(عليه السلام) : «كذلك الوقت غير أنّ وقت المغرب ضيّق . . .» الحديث(6) . وغير ذلك ممّا هو ظاهر في الاشتراك .
وأمّا القسم الثاني : فروايتان ،
إحداهما : رواية داود بن أبي يزيد المتقدّمة(7) وهي وإن كانت مرسلة بإبهام الواسطة ، إلاّ أنّ ذلك لا يضرّ بحجّيتها بعد انجبارها بعمل الأصحاب .
ثانيتهما : رواية الحلبي المتقدّمة(8) أيضاً .
- (1) الكافي 3 : 276 ح5 ، التهذيب 2 : 26 ح73 ; الوسائل 4 : 130 . أبواب المواقيت ب4 ح21 .
- (2) التهذيب 2 : 243 ح964 ; الاستبصار 1 : 245 ح874 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح8 .
- (3) التهذيب 2 : 244 ح965 ، الإستبصار 1 : 246 ح875 ، الوسائل 4 : 127 أبواب المواقيت ب4 ح9 .
- (4) التهذيب 2 : 244 ح967 ، الاستبصار 1 : 246 ح877 ، الوسائل 4 : 128 . أبواب المواقيت ب4 ح11 .
- (5) التهذيب 2 : 244 ح966 ; الاستبصار 1 : 246 ح876 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح10 .
- (6) الكافي 3 : 281 ح16 ; التهذيب 2 : 260 ح1037 ; الاستبصار 1 : 270 ح976 ; الوسائل 4 : 130 . أبواب المواقيت ب4 ح20 .
- (7) التهذيب 2 : 25 ح70 ; الاستبصار 1 : 261 ح936 ; الوسائل 4 : 127 . أبواب المواقيت ب4 ح7 .
- (8) التهذيب 2 : 269 ح1074 ، الإستبصار 1 : 287 ح1052 ، الوسائل 4 : 129 . أبواب المواقيت ب4 ح18 .