(الصفحة 101)
والمتعرّضون بين مصرح بالاستحباب ، كالمحكيّ في المفتاح عن صاحب الفقيه(1) ، وعن الذكرى، وقرّبه فيها لصحة الخبرين(2) ، وعدم انكار الشيخ لشيء منهما في التهذيب(3) ، وأصالة الجواز ، وعموم أنّ الرفع زينة الصلاة ، واستكانة من المصلّي . وعن صاحبي المدارك ومجمع البرهان الميل إليه(4) .
وبين مصرح بعدم الاستحباب ، كالمحقّق في المعتبر حيث قال في محكيه : رفع اليدين بالتكبير مستحبّ في كلّ رفع ووضع إلاّ في الرفع من الركوع، فانّه يقول: سمع الله لمن حمده من غير تكبير ولا رفع يديه، وهو مذهب علمائنا(5) ، وفي المحكي عن منتهى العلاّمة ، أنّه قال : لا يرفع يديه وقت قيامه من الركوع(6) . وعن البحار : المشهور عدم استحبابه(7) . وعن الذكرى : لم أقف على قائل باستحبابه إلاّ ابني بابويه ، وصاحب الفاخر(8) .
هذا ، والمراد بالخبرين اللّذين حكم بصحتهما في محكي الذكرى هو خبر معاوية بن عمّار وابن مسكان المتقدّمين ، ولكن لا يخفى أنّ التمسّك بأصالة الجواز في غير محلّه ، لأنّ الكلام إنما هو في الاستحباب ، لا في الجواز بمعنى الاباحة . وكيف كان فيدلّ على عدم استحباب الرفع صحيحتا زرارة وحمّاد الواردتان في كيفية الصلاة المستجمعة للآداب والمستحبات ، من حيث خلوهما عن هذا الرفع رأساً .
- (1) الفقيه 1: 197; الهداية: 163 .
- (2) الذكرى 3: 380.
- (3) التهذيب 2: 75 ح279 و280 .
- (4) مدارك الأحكام 3: 396; مجمع الفائدة والبرهان 2: 259; مفتاح الكرامة 2: 424 ـ 425.
- (5) المعتبر 2: 199 .
- (6) المنتهى 1 : 269 .
- (7) البحار 28: 114 .
- (8) الذكرى 3: 380 .
(الصفحة 102)
مضافاً إلى أنّ عمل المتشرعة وسيرتهم على خلاف ذلك ، حيث إنّه لم يعهد من أحد منهم هذا الفعل كما لا يخفى ، وحينئذ فيقوى في النظر أن يكون الخبران اللّذان أشار إليهما الشهيد في محكى عبارته المتقدّمة ، صادرين تقية .
وبالجملة: فلا يمكن إثبات الاستحباب بهما ، بعدما عرفت ممّا يدلّ على عدمه ، نعم لا بأس بالعمل به رجاءً ومحلّه على تقدير الاستحباب إنما هو عند رفع الرأس من الركوع قبل قول : سمع الله لمن حمده .
بقيّة مستحبات التكبير
1 ـ إنّك عرفت اختلاف الأخبار ظاهراً في مقدار الرفع وحده(1) ، فمن بعضها يظهر أنّ حدّه الرفع حتّى يكاد يبلغ الاُذن ، ومن بعضها الآخر الرفع أسفل من الوجه قليلا ، ومن أكثرها الرفع حيال الوجه أو حذائه ، ومن رابع الرفع إلى النحر .
والمراد بالرفع حيال الوجه ليس أن يكون أوّل الزند محاذياً لصدر الوجه ، ورؤوس الأصابع محاذية لأسفله ، بل المراد هي المحاذاة العرفية التي تتحقّق ولو بكون اليد أسفل من الوجه وحينئذ فيمكن الجمع بين الروايات المختلفة ظاهراً ، ولعلّ التعبير بمحاذاة شحمتي الاذن ـ كما وقع في كلام الأصحاب(2)ـ انّما هو باعتبار تحقق الجمع بينها بذلك .
2 ـ إنّه يستحب أن تكون الأصابع مضمومة في حال الرفع ، وقال الشافعي : يستحب أن يفرجها(3) ، وربما يستدلّ لاستحباب الضم بصحيحة حمّاد(4) الواردة
- (1) راجع الوسائل 6 : 26 . أبواب تكبيرة الإحرام ب9 .
- (2) المبسوط 1: 103; النهاية: 69; المقنعة: 103; الوسيلة: 94; المهذّب 1: 92.
- (3) المجموع 3: 307; المغني لابن قدامة 1: 47; الخلاف 1: 321 مسألة 73.
- (4) الوسائل 5 : 459 أبواب أفعال الصلاة ب1 ح1.
(الصفحة 103)
في كيفية الصلاة الجامعة للآداب والمستحبات ، الدالة على أنّه(عليه السلام) قد ضم أصابعه قبل الشروع فيها ، بضميمة أنّ مقتضى الاستحباب بقاؤه بهذه الكيفية في حالة الرفع عند التكبير ، ولكن لا يخفى أنّ جريان الاستصحاب مبنيّ على أن يكون المستصحب ذا أثر شرعيّ في الزمان اللاحق ، مع أنّه مورد للنزاع كما هو واضح .
3 ـ نسب إلى علمائنا كما في محكيّ المعتبر والمنتهى ، أنّ ابتداء التكبير عند ابتداء الرفع ، وانتهائه عند انتهائه(1) ، نظراً إلى أنّ ذلك هو معنى الرفع عند التكبير .
4 ـ مقتضى بعض الأخبار(2) الدالة على استحباب الرفع عند التكبير استحباب استقبال القبلة ببطن الكفّين ، ولا معارض له .
5 ـ أنّ العبارة الواردة في كيفية التكبير إنما هي قول: الله أكبر ، وقال الشافعي : ويجوز أن يقول : الله الأكبر(3) . وقال أبو حنيفة : تنعقد بكلّ إسم من أسماء الله تعالى على وجه التعظيم ، مثل قول : الله العظيم ، الله الجليل ، وما أشبههما(4) ، والدليل على ما ذكرنا مضافاً إلى تغيّر المعنى بذلك كما هو واضح ، أنّ الصلاة عبادة خاصّة لا يجوز التخطي عمّا ورد من الشارع في كيفيتها .
6 ـ مقتضى الأخبار الكثيرة بطلان الصلاة عند نسيان التكبير(5) ، وبعض ما يدلّ على خلافه(6) ، مضافاً إلى احتمال صدوره تقية ، متناقض من حيث المدلول ، وعلى تقدير عدمه فلا يقاوم تلك الأخبار الكثيرة ، وأمّا زيادته فبطلان الصلاة
- (1) المعتبر 2: 200; المنتهى 1: 269.
- (2) التهذيب 2 : 66 ح240; الوسائل 6 : 27 أبواب تكبيرة الاحرام ، ب9 ح6 .
- (3) المغني 1: 540; المجموع 3: 292; المنتهى 1: 268.
- (4) بداية المجتهد 1: 178; المغني لابن قدامة 1: 460.
- (5) اُنظر الوسائل 6 : 12 . أبواب تكبيرة الاحرام ب2 .
- (6) الوسائل 6: 15. أبواب تكبيرة الاحرام ب2 ح9 و10 .
(الصفحة 104)
بسببها مورد للإتّفاق(1) ، مضافاً إلى أنّ ذلك مقتضى قوله(عليه السلام) : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة»(2) والله أعلم .
- (1) المبسوط 1: 105; شرائع الاسلام 1: 69; مفتاح الكرامة 2 : 343; تذكرة الفقهاء 3 : 118 ; الذكرى 3: 258; مدارك الأحكام 3: 322; كشف اللثام 3: 422; جواهر الكلام 9: 220; جامع المقاصد 2: 239.
- (2) الكافي 3: 355 ح5; التهذيب : 2 / 194 ح764; الاستبصار : 1 / 376 ح1429; الوسائل : 8 / 231. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب19 ح2 .
(الصفحة 105)
الرابع من أفعال الصلاة : القراءة
لا إشكال عندنا في وجوب قراءة فاتحة الكتاب في الركعتين الاُوليين من الصلاة ، سواء كانت ثنائية ، أو ثلاثية ، أو رباعية(1) ، وفي عدم وجوبها تعييناً في الركعتين الأخيرتين من الرباعيّة ، والركعة الأخيرة من الثلاثية(2) ، والكلام في باب القراءة إنما هو في مقامين :
أحدهما : فيما يقوم مقام القراءة في غير الاُوليين من الثلاثية والرباعية ، وإنّه هل هو مطلق الذكر أو خصوص التسبيح؟ وفي كيفيته وبيان مقداره .
ثانيهما : في وجوب انضمام السورة إلى القراءة في الركعتين الاُوليين واستحبابه .
- (1) المقنعة: 137; المبسوط 1: 99; النهاية: 75; الخلاف 1: 327; الإنتصار: 142; المسائل الناصريات: 216; المقنع: 93; الوسيلة: 93; المهذّب1: 92; الكافي في الفقه: 117; المعتبر2: 164; تذكرة الفقهاء3: 128; مستندالشيعة 5: 68.
- (2) الخلاف 1: 341 مسألة 93; النهاية: 76; الإنتصار: 142; مختلف الشيعة 2: 146; المهذّب 1: 97; المراسم: 69; الكافي في الفقه: 117; السرائر 1: 222; تذكرة الفقهاء 3: 128 مسألة 218.