(الصفحة 326)
اليسار ـ إلى أن قال : ـ قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكّلين به، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكّلين به . . .»(1) . ولكن لا مجال للأخذ به بعد عدم الوثوق به ، ومعارضته للروايات الكثيرة المتقدمة .
وأمّا المنفرد فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمة واحدة كالإمام، كرواية عبدالحميد بن عواض المتقدمة ، وهي تدلّ على أنّ الواحدة إنما هو في حال استقبال القبلة ، وعموم رواية الفضلاء المتقدمة ، ورواية أبي بصير المفصّلة ، ورواية أبي بصيرقال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).
ثم إنّ في المقام كلاماً ـ من حيث استحباب الايماء للمصلّي ، إماماً كان ، أو مأموماً ، أو منفرداً ـ يظهر بالتأمّل في الروايات .
الفرع الرابع : مَنِ المخاطَب في التسليم؟
قال الشهيد(رحمه الله) في الذكرى ما ملخّصه : إنّ المنفرد يقصد بصيغة الخطاب في «السلام عليكم» الأنبياء والأئمة والحفظة(عليهم السلام) ، ويقصد الإمام مع ذلك المأمومين أيضاً ، لذكر اُولئك ، وحضور هؤلاء(3) .
وقال شيخنا المرتضى : يستحبّ أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين كما في عدّة من الروايات من أنّه تحيّة الملكين ، وأن يقصد الأنبياء والملائكة(عليهم السلام) ، لحديث المعراج المشتمل على تسليم النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا رآهم خلفه ، وأن يضمّ إليهم الأئمة(عليهم السلام) ، لما
- (1) علل الشرايع : 359 ب77 ح1; الوسائل 6 : 422. أبواب التسليم ب3 ح15 .
- (2) المعتبر 2 : 237 ; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح12 .
- (3) الذكرى 3: 435 .
(الصفحة 327)
في عدّة من الأخبار من عدم قبول الصلاة على النبي من دون الصلاة على آله ، فكيف السلام على سائر الانبياء(1) .
وفيه: ما أورد عليه في المصباح من أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) إنما سلّم عليهم بعد أن رآهم حضوراً يصلّون خلفه ، فلا يستفاد من ذلك أزيد ممّا دلّ عليه خبر المفضّل المتقدّم ، من أنّ تسليم الإمام يقع على ملكيه والمأمومين ، فضلا عن أن يفهم من ذلك استحباب قصدهم بالتحيّة ، ممّن لا يحضرون عنده(2) . وأمّا الوجه الثاني فيرد عليه أنّ ذلك قياس مع الفارق ، وأضعف منه ما ذكره في الذكرى ، لما أفاده في المصباح من أنّه إن أريد بذكر اُولئك ذكرهم في التسليم المستحبّ ، وهو السلام على أنبياء الله وملائكته المقرّبين ، ففيه: مع اقتضائه اختصاصه بمن أتى بهذا التسليم ، أنّ ذكرهم في ضمن التسليم عليهم لا يوجب استحباب تسليم آخر عليهم وراءه ، فضلا عن أن يستحبّ قصدهم بهذا السلام الذي هو من أجزاء الصلاة ، وبهذا يظهر الجواب عمّا لو أراد ذكرهم في ضمن «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» ، مع أنّ الأنسب على هذا أن يضم إلى من ذكره جميع الصالحين من الإنس والجن(3) انتهى .
ثم إنّ هنا أقوالا اُخر ، وعبارات زائدة على ما ذكر ، يظهر بمراجعة كتاب مفتاح الكرامة(4) .
وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب هذا القصد ، لكون المسألة ممّا يعمّ به البلوى ، فكيف يمكن أن يكون واجباً؟ إلاّ أنّه حيث لا يكون المكلّف بالصلاة
- (1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله): 187 .
- (2) مصباح الفقيه : 485 .
- (3) مصباح الفقيه : 486 .
- (4) مفتاح الكرامة 2 : 485 ـ 486 .
(الصفحة 328)
منحصراً في غير الأعراب ممّن لا يعرفون لغة العرب ، ولا يفهمون معناها ، فلابدّ من بيان ما هو مقتضى الروايات في ذلك.
فنقول: إنّ هنا اخباراًتدلّ على أنّ الإمام إنما يسلّم على المأموم ، وكذا المأمومون يسلّم بعضهم على بعض ، كرواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا : ما سلّمت علينا! فقال : «ألم تسلّم وأنت جالس؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم»(1) .
ورواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة ، وكثير من الروايات الواردة في صلاة الخوف(2) ، الدالة على أنّه يقوم الامام ، ويجيء طائفة من أصحابه ، فيقومون خلفه ، وطائفة بإزاء العدوّ ، فيصلّي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ، ويجيء الآخرون ، فيقومون خلف الإمام ، فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الإمام فيقومون هم ، فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه ، فإنّ مفادها أنّ الإمام إنما يسلّم على المأمومين ، والمأمومين بعضهم على بعض .
وأمّا المنفرد فيدلّ على حكمه رواية عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال : «التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة . قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، وإن لم يسلّم لم يأمنوه، وإن لم يردّوا على المسلّم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة للخروج
- (1) التهذيب 2 : 348 ح1442; قرب الإسناد: 238 ح1192; الوسائل 6 : 425. أبواب التسليم ب3 ح5 .
- (2) الوسائل 8 : 435 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 .
(الصفحة 329)
من الصلاة، وتحليلا للكلام، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها ، والسلام إسم من أسماء الله عزّوجلّ، وهو واقع من المصلّي على ملكي الله الموكّلين»(1) .
وليس هنا ما يدلّ على ضمّ الأنبياء والأئمة(عليهم السلام) والحفظة ، لو كان المراد بهم مطلق حفظة المصلّي عن الآفات ، لا حفظة الأعمال ، ومن العجيب أنّ ذلك وقع في عبارات العامة أيضاً(2) ، مع أنّه ليس لهم مستند أصلا على ما تتبعنا .
ثم إنّه حكي عن المبسوط القول بأنّه يقصد المصلّي بالصيغة الأولى الخروج من الصلاة، وبالصيغة الثانية ردّ تحيّة الإمام(3) ، وفيه: أنّ الخروج من الصلاة لا يكون مدلولا لعبارة السلام حتّى يقصده بها ، بل انّما هو حكم يترتب عليه، فلا منافاة بين قصد المعنى وقصد الخروج لأنّ قصد الخروج، لا يكون في عرض قصد المعنى كما هو أوضح من أن يخفى .
الفرع الخامس : كفاية التسليم الأخير
يكفي في الصيغة الأخيرة «السلام عليكم» من دون إضافة قوله : ورحمة الله وبركاته ، للأصل ، وعموم الأخبار ، وخصوص رواية أبي بكر الحضرمي المتقدمة ، ورواية عبدالله بن أبي يعفور قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام)عن تسليم الإمام وهو مستقبل القبلة؟ قال : يقول: «السلام عليكم»(4) . ورواية أبي بصير المتقدمة المفصّلة بين الإمام والمأموم والمنفرد .
- (1) معاني الأخبار : 175 ح1; الوسائل 6 : 418. أبواب التسليم ب2 ح13 .
- (2) المجموع 3: 478; تذكرة الفقهاء 3: 247 مسألة 302.
- (3) المبسوط 1 : 116 .
- (4) التهذيب 3: 48 ح168; المعتبر 2: 237; الوسائل 6: 421. أبواب التسليم ب2 ح9 و11.
(الصفحة 330)
وبعض الأخبار يشتمل على إضافة كلمة «ورحمة الله» ، كرواية عليّ بن جعفر قال(عليه السلام): «رأيت إخوتي موسى وإسحاق ومحمّد ـ بني جعفر(عليه السلام)ـ يسلّمون في الصلاة عن اليمين وعن الشمال: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله»(1) . أو مع إضافة وبركاته أيضاً كخبر ابن اُذينة الحاكي لصلاة النبي(صلى الله عليه وآله) في المعراج ، الدالّ على أنّه(صلى الله عليه وآله) لمّا أمره الله تعالى بالسلام قال : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»(2) ، لا يستفاد منها الوجوب ، بل مجرّد الرجحان ، فلا ينبغي تركها في مقام العمل .
وأمّا الصيغة الثانية ، وهي: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فلا يجوز حذف وعلى عباد الله الصالحين منها ، لأنّ كيفيتها الواردة في الأخبار إنما هو هذا النحو المتعارف كما لايخفى .
هذا آخر ما تيسّر لنا من إيراده في هذا الجزء ، وكان من نيّتنا عند الشروع في الطبع ، إدراج مبحث القواطع فيه أيضاً ، إلاّ أنّ ضيق نطاق الجزء ، وقصور وسائل الطبع قد منعنا عن ذلك .
وقد وقع الفراغ من تسويده ، بيد مؤلّفه الفقير إلى رحمة ربّه الغني محمّد الموحدي اللنكراني ابن العلاّمة الفقيه حجّة الإسلام والمسلمين الشهير بفاضل اللنكراني ، عاملهما الله بلطفه وفضله وكرمه وجعل مستقبل أمرهما خيراً من ماضيه ، في شهر رجب من شهور سنة 1374 من الهجرة النبويّة على مهاجرها آلاف الثناء والتحيّة .
والحمد لله الحقّ المبين ، وصلّى الله على نبيّه الحبل المتين ، وعلى آله الطّيبين الطاهرين والسلام على من اتّبع الهدى .(3)
- (1) التهذيب 2 : 317 ح1297; الوسائل 6 : 419. أبواب التسليم ب2 ح2 .
- (2) علل الشرايع : 312 ب1 ح1 ; الكافي 3: 482 ـ 485 ح1; الوسائل 5 : 465. أبواب أفعال الصلاة ب1 ح10 .
- (3) هنا آخر المجلّد الأوّل في الطبعة الأولى .