(الصفحة 214)
بصدقها ، لا بصدق أصل الصلاة ، ولا محالة تكون دائرته حينئذ أضيق من دائرة التوالي المعتبر في الصلاة ـ فلم نعلم له مستنداً ، وما تقدّم غير صالح لاثبات هذا المعنى كما عرفت .
هذا ، ولا ننكر أيضاً اعتبار التوالي بين أجزاء كلمة واحدة أو كلام واحد ، لأنّ صدق تلك الكلمة يتوقّف على التكلّم بحروفها متوالية ، إذ مع التوقّف في خلالها لاتتحقّق الكلمة ، كما أنّ صدق الكلام يتوقّف على الإتيان بكلماته متوالية ، إلاّ أنّ ذلك معتبر في نفس الكلمة والكلام .
وبالجملة: فليس هنا ما يدلّ على اعتبار التوالي في صحة القراءة مع قطع النظر عن الموالاة المعتبرة في صحة الصلاة ، ومع قطع النظر عن التوالي المعتبر في صدق الكلمة والكلام فتدبّر .
المسألة السابعة : ما يعتبر في صحّة القراءة
يجب في قراءة الحمد والسورة مراعاة ما يعتبر في صحة التكلّم بالألفاظ العربية عند العرب ، بحيث يصدق عندهم أنّه قرأ الفاتحة وحينئذ فلو أخلّ بحرف واحد عمداً بطلت صلاته ، وفي حكمه الاخلال بالتشديد ، لأنّ الإخلال به يرجع إلى الإخلال بحرف واحد ، لأنّه حادث من التقاء حرفين ، أوّلهما ساكن والآخر متحرّك ، والإخلال به يوجب اسقاط الحرف الساكن ، وكذلك تبطل الصلاة بالإخلال بالإعراب ، سواء كان مغيّراً للمعنى ، كما إذا قرأ التاء في أنعمت عليهم بالضمّ ، أو لم يكن موجباً له .
وأمّا ما ذكره علماء التجويد ، فأكثرها يعدّ من محسنات القراءة ، ولهذا سمّوا ذلك العلم باسم التجويد ، لا أنّه معتبر في صحتها ، والضابط ما عرفت من اعتبار
(الصفحة 215)
أن تكون القراءة على نحو كانت عند العرب موصوفة بالصحة ، ولا يعتبر أن تكون كيفيّتها باللهجة العربية التي تكون مختصّة بهم ، ويتعسّر تحصيلها لغيرهم كما هو واضح .
ثم إنّ المتداول بين العرب في المحاورات ، الوقف في بعض الموارد ، والوصل في البعض الآخر ، كما هو كذلك في المتكلّمين بسائر اللغات ، إلاّ أنّ الوقف عندهم يوجب تغير الكلمة من حيث الهيئة ، بل المادّة في بعض الموارد .
ففي هذه الحالة قد يحذفون حركة آخر الكلمة ، سواء كانت حركة إعرابية ، أو بنائية ، وقد يكون الوقف عندهم بإبدال التنوين ألفاً ، كما في حال النصب، وقد يبدّلون الحرف الآخر ألفاً ، كما في مثل إذن ، لشباهتها بالمنوّن المنصوب ، كما أنّهم يبدّلون في حال الوقف تاء التأنيث هاءً ، وقد يلحقون الهاء بآخر الكلمة في تلك الحالة ، كما في نحو إرم ، حيث يقولون في حالة الوقف إرمه ، بالحاق الهاء بآخرها ، إلى غير ذلك من قواعد الوقف .
وحينئذ فيقع الكلام في أنّ هذه القواعد هل تعتبر في صحة القراءة ، أو أنّها من محسناتها ، ولا يضرّ الاخلال بها بصحتها عندهم ، وقد تعرّض لهذا الفرع المتأخرون من الفقهاء في كتبهم الفقهية الاستدلالية(1) ، ولم نعثر حتّى الآن على من تعرّض له من القدماء .
وكيف كان فقد جعلوا النزاع على ما هو ظاهر عباراتهم في الوقف بالحركة ، والوصل بالسكون ، مع أنّ الظاهر عدم الاختصاص ، فإنّ الغرض بيان حكم ما إذا خالف الطريقة المتداولة بين العرب في حالتي الوقف والوصل كما لايخفى .
وبالجملة: فالمسألة خلافية ، فالمحكيّ عن كاشف الغطاء الجواز فيهما(2) ،
- (1) مسالك الأفهام 1: 203; رياض المسائل 3: 380; تذكرة الفقهاء 3: 140; المعتبر 2: 166; الذكرى 3: 304.
- (2) كشف الغطاء: 236 .
(الصفحة 216)
والمصرّح به في كلام جماعة عدم الجواز(1) ، بل عن المحدّث المجلسي أنّهما غير جائزين باتفاق القرّاء وأهل العربية(2) .
وصرّح الشيخ الأنصاري(قدس سره) في رسالة الصلاة ، التفصيل بين الوقف بالحركة والوصل بالسكون ، بجواز الأول دون الثاني ، قال في وجه ذلك ما هذه عبارته :
والأظهر أن يقال : أمّا الوصل بالسكون ، فالأقوى فيه عدم الجواز ، لأنّ الحركة في آخر الكلمة من قبيل الجزء الصوري ، فإذا وقف عليها سقطت ، لقيام الوقف مقامها في عرف العرب ، وعند القراء ، وأهل العربية ، وأمّا سقوطها مع الوصل ، فهو نقص للجزء الصوري ، ولا فرق بين حركات الأواخر وغيرها ، في أنّ ابدالها أو حذفها يوجب تغيير الجزء الصوري ... ، إلى أن قال : وأمّا الوقف على الحركة فلا دليل على منعه ، عدا ما يستفاد من حكم القرّاء بلزوم حذف الحركة ، وقد عرفت عدم وجوب ما يلتزمونه(3) . انتهى موضع الحاجة من كلامه(قدس سره) .
ويمكن أن يستدلّ للقول بالجواز فيهما ، بأنّ الوقف في موضعه ليس تابعاً للانفصال الواقعي ، وكذا الوصل في محلّه ، فإنّه أيضاً لا يكون تابعاً للاتّصال الواقعي ، بل إنما هما أمران تابعان لإرادة المتكلّم ، فإنّ المتكلّم المشتغل بالتكلّم قد يريد الوقف على موضع من كلامه للتنفس أو الاستراحة ، أو لغيرهما من الاُمور الاُخر ، وقد لا يريد ذلك ، بل يأتي بجملات كلامه متّصلا .
وحينئذ فنقول : إذا أراد المتكلّم الوقف على كلمة ، فحذف حركة آخرها ، ثم بدا له الوصل ، فهل يستأنف تلك الكلمة ويأتي بها ثانياً مع عدم حذف الحركة ، أو يأتي بسائر الكلمات من دون استئناف ، فعلى القول بالمنع لابدّ من القول بوجوب
- (1) المعتبر 2: 181; مجمع البيان 9: 377 ـ 378; جواهر الكلام 9: 299; كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري: 142.
- (2) بحار الأنوار 82 : 8 . حكاه عن والده (رحمه الله) .
- (3) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله) : 142 .
(الصفحة 217)
الإتيان بها ثانياً ، مع أنّ الظاهر خلافه ، كما يظهر بمراجعة محاوراتهم .
كما أنّ لازمه القول بوجوبه ، فيما إذا أراد المتكلّم الوصل ، فأتى بحركة آخر الكلمة ، ثم بداله الوقف فوقف ، فإنّه وقف على الحركة ، ولا يجوز بناءً على هذا القول ، إذ لا فرق بين نية الخلاف في الابتداء وعدمها ، لأنّ مرجع عدم الجواز إلى بطلان القراءة في الصورتين ، وهو لا فرق فيه بين المقامين كما هو واضح .
وكيف كان ، فالظاهر إنّه لا دليل على بطلان القراءة بسبب الوقف بالحركة أو الوصل بالسكون ، واتفاق القراء وأهل العربية لا يثبت اللزوم الشرعي ، نعم الأحوط ذلك في خصوص ما إذا أراد الوقف على كلمة ، فوقف عليها مع الاتيان بحركة آخرها ، وكذا في الوصل ، أمّا إذا أراد الوصل فوقف لعروض البداء أو مانع عنه كالتنحنح وغيره ، أو أراد الوقف فوصل كذلك ، فالظاهر الجواز من دون مراعاة الاحتياط بالاستئناف كما لا يخفى .
هذا ، وممّا حكم القراء بلزومه في القراءة المدّ ، وهو على قسمين : المتّصل والمنفصل(1) ، والمراد بالأول ما كان حرف المدّ الذي هو عبارة عن الألف التي كان قبلها مفتوحاً ، والواو التي كان قبلها مضموماً ، والياء التي كان قبلها مكسوراً ، وموجبه الذي هو السكون أو الهمزة في كلمة واحدة ، وبالثاني ما كان كلاهما في كلمتين ، وقد اتّفق القرّاء على لزومه ، خصوصاً المدّ المتّصل ، سيّما إذا كانت الهمزة واقعة بعد حرف المدّ ، أو كان السكون لازماً لا عارضاً لأجل الوقف ، وأقصى ما استدلّوا به هو ما رووه عن رجل، عن ابن مسعود حين قرأ عليه قوله :
{إنما الصدقات للفقراء والمساكين}(2) بدون المدّ ، فقرأ عليه ابن مسعود مع المدّ ، ثم قال
- (1) الاتقان في علوم القرآن 1 : 334.
- (2) التوبة: 60 .
(الصفحة 218)
هكذا : أقرأني رسول الله(صلى الله عليه وآله) (1) ، وهو على تقدير دلالته لا يدلّ على أزيد من المدّ في نحو الآية ، وهو اجتماع الألف مع الهمزة والياء مع السكون ، ولكنّه لا دلالة له على الوجوب ، فإنّه يمكن أن تكون قراءة النبي(صلى الله عليه وآله) كذلك ، لكونه مستحسناً ، لا لاعتباره في صحة القراءة ، مضافاً إلى أنّ ملاحظة المحاورات تقضي بخلاف ذلك كما لايخفى .
وأمّا الادغام فهو أيضاً على قسمين : الصغير والكبير(2) ، والمراد بالأول ما إذا كان أحد المتماثلين أو المتقاربين أو المتجانسين ساكناً ، وبالثاني ما كان كلّ منهما متحرّكاً نحو :
{ما سلككم في سقر}(3) و
{ألم نخلقكم}(4) والمراد بالتقارب التقارب في المخرج ، وبالتجانس الاتحاد في المخرج مع الاختلاف في الصفة كالتاء والطاء .
ثم إنّ الادغام الصغير في المتماثلين لعلّه كان ضرورياً للنطق ، فلا وجه للنزاع في لزومه ، وأمّا غيره فلا دليل على لزومه ، وقد حكي عن حمزة أنّه كره الادغام في الصلاة(5)، وعن جماعة تركه في مطلق قراءة القرآن(6) ، ولكن ظاهر الباقين هو اللزوم في الادغام الصغير ، وأمّا الكبير فظاهر ابن مالك في الألفية(7) ، لزومه في المتماثلين في كلمة واحدة ، نحو ما سلككم ، ولكنّه لا دليل عليه بعد مساعدة المحاورات على الخلاف .
- (1) الاتقان في علوم القرآن 1 : 333 .
- (2) الاتقان في علوم القرآن 1 : 323 و328 .
- (3) المدّثر: 42 .
- (4) المرسلات : 20 .
- (5 و 6) الاتقان في علوم القرآن 1 : 331 .
- (7) ألفيّة ابن مالك : 149; وهو هذا الشعر :
- وفَكُّ أفعِل في التعجّب التُزمْ *** والتُزِمَ الإدغام ايضاً في هَلُمّ