(الصفحة 322)
الفرع الثاني : اعتبار نيّة الخروج من الصّلاة بالسلام
هل تعتبر نية الخروج بالسلام المخرج أم لا؟ قولان . قال في الذكرى في وجه الوجوب : إنّ نظم السلام يناقض الصلاة في وضعه من حيث هو خطاب للآدميّين ، ومن ثم تبطل الصلاة بفعله في أثنائها عمداً ، وإذا لم تقترن به نية تصرفه إلى التحليل كان مناقضاً للصلاة مبطلا لها(1) . انتهى .
ويرد على هذا الوجه أنّ كونه مناقضاً للصلاة مبطلا لها ، إنما هو لو وقع في الأثناء ، وأمّا لو وقع في موقعه وهو آخر الصلاة ، فلا وجه لأن يكون مناقضاً لها ومبطلا ، بل قد عرفت فيما سبق أنّ جعله محلّلا إنما هو لعدم كونه من سنخ أجزاء الصلاة ، وحينئذ فمع وقوعه في محلّه يكون محلّلا بحكم الشارع ، من دون احتياج إلى قصد المصلّي .
وأضعف من هذا الوجه ، ما حكي عن غاية المراد(2) ، من أنّ التسليم عمل يخرج من الصلاة ، فيجب له النية ، لعموم «إنما الأعمال بالنيات» ، فإنّ احتياج التسليم إلى النية ممّا لا إشكال فيه ، إنما الكلام في الاحتياج إلى نية الخروج ، وهو لا يثبت بالدليل بعد وضوح أنّه ليس هنا عمل إلاّ التسليم ، لا كونه مخرجاً كما هو ظاهر .
وقد استدلّ(3) للقول بعدم الوجوب ـ مضافاً إلى الأصل ـ بإطلاق الأدلة السابقة ، وخصوص روايتي العيون والخصال المصرّحتين ببطلان الصلاة ، بإتيان
- (1) الذكرى 3: 438 .
- (2) غاية المراد 1 : 160 ، وقد ذكر الوجهين للوجوب وعدمه ، ثمّ قال : عدم الوجوب هو الأقرب .
- (3) المستدلّ هو المحقّق الحائري(رحمه الله) : 286 .
(الصفحة 323)
الصيغة الثانية في التشهد(1) ، كما يصنعه العامة ، معلّلا بأنّ تحليل الصلاة التسليم ، فإذا قلت هذا فقد سلّمت ، مع أنّ العامة لا يقصدون به الخروج ، فيدلّ ذلك على أنّ الخروج إنما هو من أحكام نفس السلام .
ولا يخفى أنّ التمسّك بالأصل لا مجال له ، لو قيل : بأنّ نية الخروج ملازمة عادة للإتيان بصيغة «السلام» ، بعد ملاحظة أنّه مخرج من الصلاة ، ومنه يظهر الخلل في التمسّك بالإطلاق لنفي الوجوب ، وأمّا الروايتان فغاية مدلولهما بطلان الصلاة ، لو وقعت الصيغة الثانية في الأثناء .
ومن الواضح أنّ بطلانها إنما هو لأجل وقوع كلام الآدمي في أثنائها ، وهو لا يحتاج إلى نية الخروج ، ضرورة أنّ الصلاة تبطل بذلك على أيّ تقدير ، كما أنّه لو وقعت الصيغة الأخيرة في الأثناء تبطل به مطلقاً ، فلا يستفاد منهما عدم اعتبار نية الخروج في محلّليّة ا لسلام ، فمن الممكن احتياجه إليها . هذا ، ولكنّ الظاهر عدم وجوب نية الخروج ، لكون المسألة عام البلوى ، فلو كانت واجبة لتواتر ذلك ، ولم تكن المسألة مورداً للشكّ أصلا .
ثم إنّه بناءً على ما ذكرنا من أنّ السلام المحلّل المخرج إنما هي صيغة «السلام عليكم » يجب أن ينوى بها الخروج ، بناءً على لزوم نيته ، ولا يجوز أن ينوي الخروج بصيغة السلام علينا ، ومنه يظهر أنّ مراعاة الاحتياط على المذهب المختار تقتضي الإتيان بالصيغة الثانية رجاءً ، ثم الإتيان بالصيغة الأخيرة مع نية الخروج .
وأمّا بناءً على القول بالتخيير ، فلا يمكن الاحتياط أصلا ، لأنّه إمّا أن ينوي الخروج بصيغة السلام علينا ، أو لا ينوي بها ، بل ينوي بالصيغة الأخيرة ، فعلى الأول خالف القول بتعيّن الأخيرة للتسليم ، كما أنّه على الثاني تكون الصيغة الثانية زيادة مبطلة ، لأنّه لم ينو بها الخروج مع اعتبار نيته في حصول التحلّل ، وتحقق
- (1) عيون أخبارالرضا (عليه السلام)
- 2: 123; الخصال: 604; الوسائل 6: 410. أبواب التشهد ب12 ح3 وج 7: 286 ح2.
(الصفحة 324)
الخروج ، ومنه يظهر الخلل فيما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين ، في كتاب صلاته ، من تحقق الاحتياط ، بناءً على القول بالتخيير ، بالإتيان بالصيغتين ، وقصد الخروج بما عيّنه الشارع له على تقدير التعيّن ، وعلى التقدير الآخر يعيّن في نفسه إحداهما(1) ، فتأمّل .
الفرع الثالث : كيفيّة تسليم الإمام والمأموم والمنفرد
مقتضى الأخبار والروايات المأثورة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام) ، أنّ الإمام يسلّم تسليمة واحدة ، كرواية أبي بصير ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك، لأنّ(2) عن يسارك من يسلّم عليك، وإذا كنت إماماً فسلّم تسليمة وأنت مستقبل القبلة»(3) . وهذه الرواية تدلّ على اعتبار وقوعه مستقبل القبلة .
ورواية عبدالحميد بن عوّاض عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»(4) . وهذه تدلّ على إجزاء تسليمة واحدة عن اليمين .
ورواية منصور قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «الإمام يسلّم واحدة ومن وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد يسلّم واحدة»(5) .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله) : 287 .
- (2) هكذا في الوسائل والكافي، والظاهر بدل لأن، إذا كان، كما لا يخفى (منه).
- (3) الكافي 3 : 338 ح7 ; الوسائل 6 : 419. أبواب التسليم ب2 ح1.
- (4) التهذيب 2: 92 ح345; الإستبصار 1: 346 ح1303; الوسائل 6: 419. أبواب التسليم ب2 ح3.
- (5) التهذيب 2: 93 ح346; الإستبصار 1: 346 ح1304; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح4.
(الصفحة 325)
ورواية الفضلاء عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «يسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره»(1) . وهذه مطلقة بل عامّة من حيث الإمام والمأموم ، بل والمنفرد .
ورواية أبي بصير المتقدمة(2) المشتملة على كيفية تسليم الإمام والمأموم والمنفرد على التفصيل .
ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت له : إنّي اُصلّي بقوم، فقال : «سلّم واحدة ولا تلتفت قل: السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم»(3) .
ورواية أنس بن مالك : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يسلّم تسليمة واحدة(4) . هذا كلّه في الإمام .
وأمّا المأموم فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمتين إن كان على شماله أحد ، وتسليمة واحدة إن لم يكن على شماله أحد ، وبعضها وإن كان مطلقاً ، إلاّ أنّه يقيّد بما يدلّ على التفصيل .
والروايات كثيرة : منها رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدمة ، ومنها : رواية عبدالحميد المتقدمة ، ومنها : رواية منصور المتقدمة ، ومنها : رواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة .
وهنا رواية تدلّ على أنّ المأموم يسلّم ثلاث تسليمات، وهي رواية المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) : لأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟ قال : «لأنّ الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين، والذي يكتب السيّئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات، فلهذا يسلّم على اليمين دون
- (1) التهذيب 2: 93 ح348; الإستبصار 1: 346 ح1306; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح5.
- (2) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ، ب3 ح2 .
- (3) التهذيب 3 : 48 ح168; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح9 .
- (4) سنن البيهقي 2 : 179 .
(الصفحة 326)
اليسار ـ إلى أن قال : ـ قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكّلين به، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكّلين به . . .»(1) . ولكن لا مجال للأخذ به بعد عدم الوثوق به ، ومعارضته للروايات الكثيرة المتقدمة .
وأمّا المنفرد فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمة واحدة كالإمام، كرواية عبدالحميد بن عواض المتقدمة ، وهي تدلّ على أنّ الواحدة إنما هو في حال استقبال القبلة ، وعموم رواية الفضلاء المتقدمة ، ورواية أبي بصير المفصّلة ، ورواية أبي بصيرقال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).
ثم إنّ في المقام كلاماً ـ من حيث استحباب الايماء للمصلّي ، إماماً كان ، أو مأموماً ، أو منفرداً ـ يظهر بالتأمّل في الروايات .
الفرع الرابع : مَنِ المخاطَب في التسليم؟
قال الشهيد(رحمه الله) في الذكرى ما ملخّصه : إنّ المنفرد يقصد بصيغة الخطاب في «السلام عليكم» الأنبياء والأئمة والحفظة(عليهم السلام) ، ويقصد الإمام مع ذلك المأمومين أيضاً ، لذكر اُولئك ، وحضور هؤلاء(3) .
وقال شيخنا المرتضى : يستحبّ أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين كما في عدّة من الروايات من أنّه تحيّة الملكين ، وأن يقصد الأنبياء والملائكة(عليهم السلام) ، لحديث المعراج المشتمل على تسليم النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا رآهم خلفه ، وأن يضمّ إليهم الأئمة(عليهم السلام) ، لما
- (1) علل الشرايع : 359 ب77 ح1; الوسائل 6 : 422. أبواب التسليم ب3 ح15 .
- (2) المعتبر 2 : 237 ; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح12 .
- (3) الذكرى 3: 435 .