(الصفحة 272)
لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ اعتبار كون ما يسجد عليه من الأرض أو نباتها إنما هو في صورة الالتفات والتوجه .
هذا ، ويمكن أن يقال : بأنّ الاخلال بالسجدة كما يتحقق بترك هيئتها المعتبرة في الصلاة ، كذلك يتحقق بالاخلال بما يعتبر فيه ، والاخلال بالسجدة الواحدة وإن لم يكن موجباً لبطلان الصلاة ووجوب إعادتها كما عرفت ، إلاّ أنّ ذلك إنما هو في صورة النسيان لا العمد كما في المقام .
وقد يستدل لحكم المسألة بما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري، عن صاحب الزمان صلوات الله وسلامه عليه أنّه كتب إليه يسأله عن المصلّي يكون في صلاة الليل في ظلمة، فإذا سجد يغلط بالسجادة ويضع جبهته على مسح أو نطع، فإذا رفع رأسه وجد السجادة هل يعتدّ بهذه السجدة أم لا يعتدّ بها؟ فكتب إليه في الجواب : «ما لم يستو جالساً فلا شيء عليه في رفع رأسه لطلب الخمرة»(1) .
هذا ، ولا يخفى أنّ مورد الرواية هو ما إذا سجد على ما يعلم أنّه ليس بسجّادة ، فهو خلاف مفروض المقام ، والمسألة غير خالية عن الإشكال ، فلا يترك الاحتياط فيها بالإعادة .
المسألة الرابعة : لو لصقت التربة بالجبهة
قال السيد(قدس سره) في العروة فيما لو لصقت التربة بالجبهة ، بعد الحكم بأنّ الاحتياط يقتضي رفعها ما لفظه : بل الأقوى وجوب رفعها إذا توقّف صدق السجود على
- (1) الاحتجاج للطبرسي 2 : 304 ـ 305 .
(الصفحة 273)
الأرض أو نحوها عليه(1) .
أقول : لا يتوقّف صدق السجود على رفعها قط ، إذ ليس معنى السجود هو اتّصال الجبهة بجزء من الأرض; ولو لم يكن المصلّي على هيئة الساجد ، بل معناه هو اتصالها به مع كونه على هيئة السجود التي هي هيئة خاصّة ، ووضع مخصوص ، فإذا وضع جبهته المتّصلة بجزء من الأرض على الأرض أو ما عليها ، بحيث تحقّقت هيأة السجود ، يصدق حينئذ أنّه ساجد على الأرض .
نعم الأحوط رفع التربة ، خصوصاً بملاحظة الأخبار الكثيرة الواردة في مسح التراب أو الحصى عن الجبهة ، ولكن الظاهر أنّه لا يستفاد من شيء منها الوجوب ، كما لا يخفى على من راجعها(2) .
المسألة الخامسة : لو تعذّر وضع باطن الكفين
ذكر في العروة أيضاً بعد الحكم بأنّه يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار ، إنّه مع الضرورة يجزي الظاهر ، كما أنّه مع عدم إمكانه ، لكونه مقطوع الكفّ ، أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالأقرب ، من الذراع ، والعضد(3) .
هذا ، ولا يخفى أنّ دعوى كفاية الظاهر عند الضرورة مبنية على أنّ انصراف وجوب السجدة على الكفّين إلى باطنهما إنما هو مع الامكان ، وأمّا مع التعذّر فلا ، لكن يقع الكلام في وجوب السجدة على باقي أجزاء اليد مع تعذّر الكفّين مطلقاً .
- (1) العروة الوثقى1 : 520 مسألة 2 .
- (2) راجع الوسائل 6 : 373 . أبواب السجود ب18 .
- (3) العروة الوثقى1 : 521 مسألة 3 .
(الصفحة 274)
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو أنّ بعض الروايات الواردة في باب السجود يدلّ على وجوب السجدة على اليدين ، ومن المعلوم أنّ اليد مطلقة فيحمل على صورة الاضطرار وعدم القدرة على السجود على الكفّين ، لكن فيه: أنّ لازمه الاكتفاء بكلّ جزء من الأجزاء ، والتخيير بينها ، لا الترتيب كما ذكره ، مضافاً إلى أنّ قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي حمل اليد على خصوص الكفين .
المسألة السادسة : لو نسي السجدة
لو نسي سجدة واحدة ، وتذكّر قبل الدخول في الركوع من الركعة التالية ، يجب عليه العود إليها ، ثم الإتيان بما يترتب عليه من قراءة أو تسبيح ، وأمّا إذا تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة التالية ، فلا يجب عليه العود ، بل لا يجوز ، لاستلزامه زيادة الركن ، بل تصحّ صلاته .
نعم، يجب عليه قضاؤها بعد الفراغ منها ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع(1) ، صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد، قال : «فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثم يسجدها فإنّها قضاء»(2) .
ورواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث أنّه سأله عن رجل نسي سجدة فذكرها بعدما قام وركع؟ قال : «يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلّم فإذا سلّم
- (1) المقنعة: 147; الغنية: 113; المهذّب 1: 156; المراسم : 89 ; الوسيلة: 100; الكافي في الفقه: 119; النهاية: 88 ; السرائر: 241; الجامع للشرائع: 83 ; تذكرة الفقهاء 3: 334; جواهر الكلام 12: 287.
- (2) التهذيب 2 : 153 ح602 ; الاستبصار 1 : 359 ح 1361 ; الوسائل 6 : 364 . أبواب السجود ب14 ح1.
(الصفحة 275)
سجد مثل ما فاته». قلت : فإن لم يذكر إلاّ بعد ذلك؟ قال : «يقضي ما فاته إذا ذكره»(1) .
ورواية أبي بصير قال : سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال : «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو»(2) . وغيرها ممّا يدلّ على ذلك .
هذا ، ويمكن أن يستفاد من بعض الروايات خلاف ما ذكرنا ، مثل رواية معلّى ابن خنيس(3) قال : «سألت أبا الحسن الماضي(عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ونسيان السجدة في الاُوليين والأخيرتين سواء»(4) .
هذا ولكن الرواية محمولة على ما إذا نسي طبيعة السجدة، وهو يتحقق بنسيان السجدتين لا السجدة الواحدة فقط .
ولو نسي السجدتين معاً فلو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة اللاحقة فلا إشكال في بطلان الصلاة ، لاستلزام جواز الرجوع والعود للتدارك ، زيادة الركن المبطلة مطلقاً .
- (1) التهذيب 2: 153 ح604; الإستبصار 1: 359 ح1362; الوسائل 6: 364. أبواب السجود 14 ح2.
- (2) الفقيه 1: 228 ح1008; التهذيب 2: 152 ح598; الإستبصار 1: 358 ح1360; الوسائل 6: 365. أبواب السجود ب14 ح4.
- (3) المذكور في ترجمة المعلى ، هو أنّه كان من أصحاب الصادق(عليه السلام) ، وفي رواية الكشي أنّه قتل في زمانه(عليه السلام)وحينئذ فلا يمكن له النقل عن أبي الحسن(عليه السلام) ، خصوصاً مع التعبير عنه بالماضي الدالّ على كونه بعد وفاته ، اللهم إلاّ أن يكون المعلّى الذي هو راوي الحديث رجلا آخر ، لكنّه يبعّده أنّه غير مذكور في التراجم أصلا ، فالحديث لا يخلو عن اضطراب السند ، خصوصاً مع كونه مرسلا بابهام الواسطة أيضاً (منه) .
- (4) التهذيب 2 : 154 ح606; الاستبصار1 : 359 ح1363; الوسائل 6 : 366 . أبواب السجود ب14 ح5 .
(الصفحة 276)
وأمّا لو تذكّر قبل الدخول في ركوعها ، فالظاهر جواز العود بل وجوبه ، لعدم وجود مانع عن ذلك ، مضافاً إلى إمكان استفادة ذلك من الأخبار الواردة في السجدة الواحدة بطريق أولى ، لأنّ الأفعال المترتبة على السجدتين قد وقعت باطلة لنقصان الركن; وهذا بخلاف ما إذا نسي سجدة واحدة كما هو ظاهر ، هذا كلّه في غير الركعة الأخيرة .
وأمّا فيها فلا إشكال في وجوب الرجوع وتدارك السجدة الواحدة ، أو السجدتين ما لم يسلّم ، وكذا لا إشكال في بطلان الصلاة ، لو نسي السجدتين منها ، وتذكّر بعد السلام ، والإتيان بما يبطل الصلاة مطلقاً عمداً وسهواً ، كالحدث ، والاستدبار ، وكذا في صحة الصلاة ووجوب القضاء لو نسي سجدة واحدة ، وتذكّر بعدهما أو بعد السلام ، وقبل الإتيان بشيء من القواطع .
إنما الإشكال فيما لو نسي السجدتين وتذكّر بعد السلام ، وقبل فعل المنافي ، فذهب السيد(قدس سره) في العروة إلى البطلان(1) ، ولكن الظاهر الصحة ، ولزوم التدارك ، لأنّ الأفعال المترتّبة عليهما قد وقعت فاسدة ، ولأنّ الإخلال بهما معاً لا يجتمع مع صحة الصلاة ، وحينئذ فلا مانع من العود والتدارك ، ثم الإتيان بما يترتب عليهما من الأفعال .
وكون السلام محلّلا ومخرجاً للمصلّي عنها ، وموجباً لحلّية ما حرّمته تكبيرة الإحرام التي هي افتتاح للصلاة(2) ، لا يوجب المنع عن العود ، لأنّ هذا الحكم إنما هو فيما إذا وقع السلام صحيحاً لا مطلقاً ، وصحته متوقفة على وقوع السجدتين قبله ، فلا يمنع بوجوده الفاسد عن الإتيان بهما في محلّهما .
هذا ، مضافاً إلى أنّ السلام لا يكون من الصلاة حقيقة ، لأنّ معناها إنما هو
- (1) العروة الوثقى1 : 525 مسألة 16 .
- (2) الوسائل 6: 415. أبواب التسليم ب 1 .