(الصفحة 257)
السادس من أفعال الصلاة : السجود
اعتبار السجود في الصلاة وجزئيته لها ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف(1) ، بل ربما يعد من الضروريات ، كوجوب أصل الصلاة ، ويجب أن يكون على سبعة أعظم ، للروايات الكثيرة التي رواها العامة والخاصة .
فمن طريق العامة ما رواه عمرو بن دينار عن طاووس، عن ابن عبّاس، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال : «اُمرنا أن نسجد على سبعة أعظم»(2) . وما رواه عبدالله بن طاووس، عن أبيه، عن ابن عبّاس قال : قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين»(3) .
ومن طريق الخاصة ما رواه زرارة قال : قال أبو جعفر(عليه السلام) : قال
- (1) المقنعة: 105; النهاية: 82 ; الغنية: 79; الوسيلة: 93; المراسم: 69; تذكرة الفقهاء 3: 184; المنتهى 1 : 286; مستند الشيعة 5 : 231; جواهر الكلام 10: 127 .
- (2 و 3) سنن البيهقي 2 : 101 و 103 .
(الصفحة 258)
رسول الله(صلى الله عليه وآله) : «السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين، والابهامين من الرجلين، وترغم بأنفك ارغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة، وأمّا الإرغام بالأنف فسنّة من النبي(صلى الله عليه وآله) »(1) .
وما رواه عبدالله بن جعفر في قرب الإسناد عن محمّد بن عيسى، عن عبدالله بن ميمون القداح، عن جعفر بن محمّد(عليهما السلام) قال : «يسجد ابن آدم على سبعة أعظم: يديه ورجليه، وركبتيه، وجبهته»(2) .
وبالجملة: لا خلاف عندنا في أنّه يجب أن يكون السجود على الأعضاء السبعة المذكورة في الروايات ، وعن أبي حنيفة ومالك : عدم وجوب السجدة على غير الجبهة(3) ، لقول النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد وجهي»(4) ، ولو ساواه غيره لما خصّه بالذكر ، ولأنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً، ولا كذا غيره فينصرف الأمر المطلق إلى ما به يحصل مسمّاه ، ولأنّه لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه كالجبهة .
وأجاب عنه المحقّق في المعتبر: لا نسلّم أنّ اختصاصها بالذكر يدلّ على عدم الوجوب عن غيرها ، لجواز أن يكون الاختصاص بالذكر لما يختصّ به سجوداً ، من مزية الخضوع الذي يحصل بها ، وقوله : «وضع الجبهة يسمى سجوداً» ، قلنا : حقّ، وكذا ما ينضمّ إليها، وقد قال النبي(صلى الله عليه وآله) : «سجد لحمي وعظمي وما أقلّته قدماي»(5). وقوله : «لو وجب على غير الجبهة لوجب كشفه»، قلنا : لو نسلّم فما
- (1) التهذيب 2 : 299 ح1204; الإستبصار1 : 327 ح1224; الخصال: 349; الوسائل : 6/343 . أبواب السجود ب4 ح2 .
- (2) قرب الاسناد : 36 ح69; الوسائل 6 : 345 . أبواب السجود ب4 ح8 .
- (3) المجموع 3: 423 و 427; المغني لابن قدامة 1: 591; الشرح الكبير 1: 591; تذكرة الفقهاء 3: 185 مسألة 256 .
- (4) و(5) صحيح مسلم 6 : ص48 ح201; سنن ابن ماجة 1: 335 ح1054; سنن البيهقي 2 : 109 .
(الصفحة 259)
الجامع ثم يبدي الفارق(1) ، انتهى .
ويرد على ما أجاب به عن الدليل الثاني أنّ وضع الجبهة يسمى سجوداً بلا إشكال ، وأمّا وضع سائر الأعضاء مجرّداً فلا يسمى سجوداً كما يظهر بمراجعة العرف ، فلا يقال لمن وضع يديه على الأرض: أنّه سجدت يداه كما هو واضح .
ويدلّ على عدم مدخلية وضع سائر الأعضاء في تحقق حقيقة السجود ، ما ذكروه من أنّ زيادة الركن تتحقق بوضع الجبهة على الأرض مرتين أو مراراً ، وإن لم تتحقق الزيادة بالنسبة إلى وضع سائر الأعضاء .
وحينئذ فبعد قيام الدليل الشرعي على وجوب كون السجود على سبعة أعظم ، لابدّ وأن يقال: إمّا بكون وضع سائر الأعضاء واجباً في حال السجود ، وإن لم يكن ركناً ، أو يقال بأنّ الواجب في الصلاة هي الكيفية الحاصلة من السجود ، ومن وضع سائر الأعضاء الست على الأرض ، ولعلّه يجىء الكلام على هذه الجهة في مبحث ركنية السجود .
وكيف كان فلا خلاف ولا إشكال في وجوب السجدة على الجبهة ، وعدم كفاية ارغام الأنف والسجدة عليه ، كما دلّت عليه الروايات المتقدمة ، والمراد بالجبهة هو ما بين قصاص الشعر وطرف الأنف طولا وبين الجبينين عرضاً ، فالسجدة على أحد الجبينين غير مجزية .
والواجب من ذلك هو مسمّى السجود على الجبهة ، وما به يتحقّق عرفاً ، لأنّه من الأفعال التي تصدق بالبعض ، مضافاً إلى دلالة النصوص الكثيرة على ذلك مثل ما رواه زرارة عن أحدهما(عليهما السلام) قال : قلت : الرجل يسجد وعليه قلنسوة أو عمامة؟ فقال : «إذا مسّ جبهته الأرض فيما بين حاجبيه وقصاص شعره فقد أجزأ عنه»(2) .
- (1) المعتبر 2 : 207 .
- (2) الفقيه 1: 176 ح833 ; التهذيب 2: 85 و 236 ح314 و 931; الوسائل 6: 355. أبواب السجود ب9 ح1.
(الصفحة 260)
وما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : سألته عن حدّ السجود؟ قال : «ما بين قصاص الشعر إلى موضع الحاجب، ما وضعت منه أجزأك»(1) .
وما رواه مروان بن مسلم وعمّار الساباطي جميعاً قال : «ما بين قصاص الشعر إلى طرف الأنف مسجد، أيّ ذلك أصبت به الأرض أجزأك»(2) .
وما رواه زرارة أيضاً عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «الجبهة كلّها ما بين قصاص شعر الرأس إلى الحاجبين موضع السجود، فأيّما سقط من ذلك إلى الأرض أجزأك مقدار الدرهم أو مقدار طرف الأنملة»(3) . وذكر الدرهم وطرف الأنملة إنما هو من باب المثال لا التحديد ، فلا تنافي الروايات المتقدمة كما لايخفى . هذا في الجبهة .
وأمّا الكفّان فلا إشكال أيضاً في وجوب وضعهما على الأرض ، وهما المراد باليدين المذكور في كثير من الروايات والمتبادر من الوضع وكذا المتعارف منه إنما هو وضع باطن الكفّين ، فلا يجزي وضع ظاهرهما في حال الاختيار ، وهل يجب فيهما الاستيعاب أم لا؟ الظاهر الوجوب ، لأنّ الاعتماد على الكفّين إنما يتحقّق بوضع مجموع باطنهما ، نعم لا يعتبر الاستيعاب الحقيقي ، بل يكفي الاستيعاب العرفي .
وأمّا الركبتان فقد اتفقت النصوص(4) والفتاوى(5) على اعتبار وضعهما ، والظاهر كفاية الاعتماد على بعضهما ، لصدق الاعتماد عليهما بالبعض كما لايخفى .
- (1) التهذيب 2: 85 ح313; الوسائل 6: 355. أبواب السجود ب9 ح2.
- (2) الفقيه 1: 176 ح836 و 837 ; التهذيب 2: 298 ح1201; الإستبصار 1: 327 ح1222; الوسائل 6: 356. أبواب السجود ب9 ح4 .
- (3) الكافي 3: 333 ح1; الوسائل 6 : 356. أبواب السجود ب9 ح5 .
- (4) راجع الوسائل 6 : 343; أبواب السجود ب4 ح2 و 8 و 9 .
- (5) المقنعة: 105; المقنع: 88 ; المسائل الناصريّات: 226; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 32; الخلاف 1: 356; الكافي في الفقه: 119; الغنية : 80 ; الوسيلة: 94; المراسم: 71; المعتبر 2: 206; تذكرة الفقهاء 3: 185; مستند الشيعة 5: 235; جواهر الكلام 10: 139; كشف اللثام 4: 89 .
(الصفحة 261)
وأمّا إبهاما الرجلين كما في رواية زرارة المتقدمة(1) أو أطراف القدمين ، كما في رواية ابن عباس(2) ، أو الرجلان كما فيما رواه في قرب الإسناد(3) ، فلا إشكال في وجوب السجود عليهما ، وفي كون المراد بالرجلين وأطراف القدمين هو إبهاميهما ، ولكن لا دليل على لزوم أن يكون الاعتماد على رأسهما ، بل الظاهر كفاية ظاهرهما وباطنهما ، نعم الأحوط ذلك .
هنا مسائل:
المسألة الأولى : اعتبار عدم علو موضع الجبهة عن الموقف
يجب أن ينحني المصلّي للسجود حتّى يتساوى موضع جبهته مع موقفه ، إلاّ أن يكون العلوّ بمقدار لبنة ، ويدلّ عليه استمرار السيرة من الأزمنة المتقدمة إلى زماننا هذا على ذلك ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ استمرار السيرة على بعض أفراد الطبيعة ، لا يدلّ على عدم كفاية غيره في مقام امتثال الأمر بالطبيعة ، ومع الشكّ في اعتبار التساوي يكون المرجع هو أصل البراءة الجاري في موارد دوران الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطيين .
هذا ، ولكن وردت هنا روايات ظاهرة في كون العلوّ الزائد على مقدار اللبنة مخلاًّ ومانعاً عن تحقق الصلاة شرعاً :
منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن
- (1) الوسائل 6: 343. أبواب السجود ب4 ح2.
- (2) سنن البيهقي 2: 101 و 103 .
- (3) قرب الإسناد: 36 ح69 .