(الصفحة 349)
التأمين في القنوت
هل التأمين في القنوت مفسد للصلاة أم لا؟ مقتضى القاعدة العدم ، لعدم جريان الأدلة المتقدّمة في هذا المقام ، أمّا الروايات فواضح ، لأنّ موردها هو التأمين بعد الفراغ من الفاتحة ، وأمّا الوجه الذي حكي عن الخلاف فلأنّه إنّما هو فيما إذا لم يكن مسبوقاً بالدعاء ، وفي القنوت مسبوق به دائماً لأجله . وأمّا الوجه المتقدّم في التكفير فلأنّ مورده ما إذا كان محرّماً تشريعاً ، والتشريع غير متحقق في المقام كما هو واضح ، فمقتضى القاعدة عدم الإفساد، ولكن الأحوط تركه أيضاً .
(الصفحة 350)
القاطع الرابع :
الضحك
وقد وردت فيه روايات كثيرة:
منها : رواية سماعة قال: سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال: «أمّا التبسّم فلا يقطع الصلاة، وأمّا القهقهة فهي تقطع الصلاة»(1) والرواية وإن كانت مضمرة إلاّ أنّ مضمرات سماعة لا إشكال فيها لأنّها في الحقيقة غير مضمرة.
وقد نشأ توهّم الإضمار من عدم التصريح بذكر الإمام الذي روى عنه، مع أنّه في أوّل كتابه روى عن أبي عبدالله(عليه السلام) ثم عبّر بعد ذلك بقوله: وسألته إلى آخر الكتاب; لعدم الافتقار إلى التصريح به ثانياً، فالإشكال فيها من جهة الإضمار ممّا لا يقبل.
هذا، ويظهر من الجواب أنّ الضحك له فردان: فرد يقطع الصلاة وهو القهقهة،
- (1) الكافي3 : 364 ح1; التهذيب 2: 324 ح1325; الوسائل 7 : 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح2.
(الصفحة 351)
وفرد لا يكون كذلك وهو التبسّم، ويوافق هذه الرواية في خصوص البطلان بالقهقهة رواية زرارة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة»(1).
ومنها : خبر ابن أبي عمير عن رهط سمعوه يقول: «إنّ التبسّم في الصلاة لاينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء، إنّما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة»(2). وقوله: «إنّما يقطع» معناه إنّما يقطع الصلاة، لأنّها القدر المسلّم، لكنّ الرواية مضمرة ومجهولة لأجل الرهط.
ومنها : مرسلة الصدوق قال: قال الصادق(عليه السلام) : «لا يقطع التبسّم الصلاة وتقطعها القهقهة، ولا تنقض الوضوء»(3). واسناد الكلام إلى الإمام(عليه السلام) وحذف السند إنّما هو لأجل وثوقه بالصدور، ولذا فرق بين ما إذا عبّر بقوله : «قال» وبين ما إذا عبّر بقوله «روي» فيعتبر الأوّل دون الثاني، ولا يبعد أن يقال باتحادها مع رواية سماعة المتقدّمة.
ثمّ إنّ رواية سماعة ومرسلة الصدوق ظاهرتان في التعرّض لحكم فردين من الضحك:
أحدهما: القهقهة، وهي مصدر مأخوذ من الصوت المأخوذ على وجه خاصّ و«قه» إسم للصوت المزبور، وفعله: قهقه يقهقه، واللغويون وإن اختلفوا في ذلك، فقال بعضهم: إنّ المراد من القهقهة الصوت أو الضحك المشتمل على مدّ وترجيع(4)، وقال بعض آخر: إنّ المراد منها هو الضحك غير التبسّم(5) إلاّ أنّ الظاهر اختصاص
- (1) الكافي3 : 364 ح6; التهذيب 2: 324 ح1324; الوسائل 7 : 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح1.
- (2) التهذيب 1: 12 ح24; الاستبصار 1: 86 ح274; الوسائل 7: 250. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح3.
- (3) الفقيه 1 : 240 ح1062; الوسائل7 : 251. أبواب قواطع الصلاة ب7 ح4.
- (4) العين 3 : 341 .
- (5) القاموس المحيط 4: 293، مقاييس اللغة 5 : 5 .
(الصفحة 352)
القهقهة بالصوت المخصوص المشتمل على لفظ قه قه.
وثانيهما: التبسّم، وهو عبارة عمّا يحصل بتغيّر هيئة الوجه. هذا، ويقع الكلام حينئذ في وجود الواسطة وعدمها، وعلى الأوّل فهل هو ملحق بالتبسّم أو بالقهقهة، أو يجري فيه الأصل ويحكم بعدم كونه مانعاً للصلاة؟.
والتحقيق في هذا المقام أن يقال: إنّ في البين حالات ثلاثة:
1 ـ الإعجاب الذي هو مبدأ للقهقهة، بحيث لو لم يحفظ نفسه عن القهقهة لقهقه، ومن الواضح عدم صدق عنوان القهقهة على هذه الحالة.
2 ـ الصوت الإخفاتي، وهذا أيضاً لا يصدق عليه عنوان القهقهة، ولا تبطل الصلاة به.
3 ـ الصوت الإجهاري غير البالغ حدّ القهقهة، وفيه وجهان: من عدم صدق القهقهة عليه لأنّها مأخوذة من الصوت الخاصّ، ومن أنّ قه قه لا خصوصية فيه; فالصوت الإجهاري الضحكي مصداق للقهقهة حكماً، ولو شكّ في ذلك فالمرجع هو الأصل، أعني البراءة أو الاشتغال على القولين في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين، فيما إذا شكّ في مانعية شيء عن تحقق العمل.
وأمّا بالنظر إلى الروايات فنقول:
تارة يقال: بأنّ المقصود بالأصالة في الروايات هو بيان أنّ التبسّم غير قاطع للصلاة، وأُخرى يقال: بأنّ المقصود بالأصالة فيها هو بيان كون القهقهة قاطعة; فعلى الأوّل يكون مفهومه أنّ غير التبسم قاطع. غاية الأمر إنّه حيث يكون غالب أفراد غير التبسم هو الفرد المسمّى بالقهقهة، فحكم بكونها قاطعة لا لخصوصية فيها، بل لكونها من أفراد غير التبسم; وحينئذ فمقتضى المفهوم كون الصوت الإجهاري غير البالغ حدّ القهقهة قاطعاً أيضاً، كما أنّه على الثاني ينعكس الأمر، فتدلّ الرواية على عدم كونه قاطعاً لانحصار القاطع، بناءً على هذا الوجه في
(الصفحة 353)
القهقهة، وهي لا تصدق عليه قطعاً.
ومجمل الكلام أنّه إمّا أن يقال: بانحصار الضحك في التبسّم والقهقهة قطعاً، ولايكون له فرد ثالثوإمّا أن يقال: بعدم معلومية الانحصار فيهما، فيحتمل أن يكون له فرد ثالث. وعلى الثاني تارة يقال: بكون الروايات بصدد بيان حكم جميع أفراد الضحك من التبسم والقهقهة وغيرهما لو كان له فرد آخر واُخرى يكون هذا أيضاً مشكوكاً، بمعنى أنّه لا نفهم منها ذلك، أي كونها بصدد بيان حكم جميع الأفراد.
فإن قلنا بعدم الواسطة وانحصارالضحك فيهما، فلابدّ من أن نقول في مثل رواية سماعة ممّا يكون فيه التعرّض لحكم كلا الفردين: بكون أحدهما أوسع من الآخر، ولأجل كون الأوسع مجهولاً لا يمكن لنا الحكم على المشكوك بكونه قاطعاً، أم لا.
وإن قلنا: بعدم معلومية الانحصار وكون الروايات بصدد بيان حكم جميع مصاديق الضحك، فيدور الكلام مدار ما ذكرناه آنفاً من ملاحظة ما هو المقصود بالأصالة فيها.
وإن قلنا: بعدم معلومية كون الروايات بصدد بيان جميع الأفراد أيضاً، فحكم الواسطة يستفاد حينئذ من الأصول العملية، والأصل الجاري في المقام عندنا هو البراءة كما حقّقناه في محلّه.
ثمّ إنّ رواية ابن أبي عمير المتقدّمة تدلّ بظاهرها على انحصار الضحك القاطع بالضحك الذي فيه القهقهة، وحينئذ فلو كان في البين واسطة يظهر من الرواية حكمها، بأنّها ملحقة بالتبسّم، لانحصار القاطع بالقهقهة فتدبّر.
ثمّ إنّه من جملة الأقوال في الأعصار السابقة هو التفصيل في الضحك بين ما لو أوجد حرفاً أو حرفين ، أو كان ممتداً فيقطع الصلاة، وبين غيره فلا يقطع(1).
- (1) نهاية الأحكام 1: 519; المنتهى 5: 292; روض الجنان: 333; الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 85 ; مفتاح الكرامة 3: 31.