(الصفحة 273)
الأرض أو نحوها عليه(1) .
أقول : لا يتوقّف صدق السجود على رفعها قط ، إذ ليس معنى السجود هو اتّصال الجبهة بجزء من الأرض; ولو لم يكن المصلّي على هيئة الساجد ، بل معناه هو اتصالها به مع كونه على هيئة السجود التي هي هيئة خاصّة ، ووضع مخصوص ، فإذا وضع جبهته المتّصلة بجزء من الأرض على الأرض أو ما عليها ، بحيث تحقّقت هيأة السجود ، يصدق حينئذ أنّه ساجد على الأرض .
نعم الأحوط رفع التربة ، خصوصاً بملاحظة الأخبار الكثيرة الواردة في مسح التراب أو الحصى عن الجبهة ، ولكن الظاهر أنّه لا يستفاد من شيء منها الوجوب ، كما لا يخفى على من راجعها(2) .
المسألة الخامسة : لو تعذّر وضع باطن الكفين
ذكر في العروة أيضاً بعد الحكم بأنّه يشترط في الكفّين وضع باطنهما مع الاختيار ، إنّه مع الضرورة يجزي الظاهر ، كما أنّه مع عدم إمكانه ، لكونه مقطوع الكفّ ، أو لغير ذلك ينتقل إلى الأقرب من الكفّ فالأقرب ، من الذراع ، والعضد(3) .
هذا ، ولا يخفى أنّ دعوى كفاية الظاهر عند الضرورة مبنية على أنّ انصراف وجوب السجدة على الكفّين إلى باطنهما إنما هو مع الامكان ، وأمّا مع التعذّر فلا ، لكن يقع الكلام في وجوب السجدة على باقي أجزاء اليد مع تعذّر الكفّين مطلقاً .
- (1) العروة الوثقى1 : 520 مسألة 2 .
- (2) راجع الوسائل 6 : 373 . أبواب السجود ب18 .
- (3) العروة الوثقى1 : 521 مسألة 3 .
(الصفحة 274)
ويمكن أن يكون الوجه فيه هو أنّ بعض الروايات الواردة في باب السجود يدلّ على وجوب السجدة على اليدين ، ومن المعلوم أنّ اليد مطلقة فيحمل على صورة الاضطرار وعدم القدرة على السجود على الكفّين ، لكن فيه: أنّ لازمه الاكتفاء بكلّ جزء من الأجزاء ، والتخيير بينها ، لا الترتيب كما ذكره ، مضافاً إلى أنّ قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي حمل اليد على خصوص الكفين .
المسألة السادسة : لو نسي السجدة
لو نسي سجدة واحدة ، وتذكّر قبل الدخول في الركوع من الركعة التالية ، يجب عليه العود إليها ، ثم الإتيان بما يترتب عليه من قراءة أو تسبيح ، وأمّا إذا تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة التالية ، فلا يجب عليه العود ، بل لا يجوز ، لاستلزامه زيادة الركن ، بل تصحّ صلاته .
نعم، يجب عليه قضاؤها بعد الفراغ منها ، ويدلّ على ما ذكرنا مضافاً إلى الاجماع(1) ، صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله(عليه السلام) في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتّى قام، فذكر وهو قائم أنّه لم يسجد، قال : «فليسجد ما لم يركع فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنّه لم يسجد فليمض على صلاته حتّى يسلّم ثم يسجدها فإنّها قضاء»(2) .
ورواية عمّار عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث أنّه سأله عن رجل نسي سجدة فذكرها بعدما قام وركع؟ قال : «يمضي في صلاته ولا يسجد حتى يسلّم فإذا سلّم
- (1) المقنعة: 147; الغنية: 113; المهذّب 1: 156; المراسم : 89 ; الوسيلة: 100; الكافي في الفقه: 119; النهاية: 88 ; السرائر: 241; الجامع للشرائع: 83 ; تذكرة الفقهاء 3: 334; جواهر الكلام 12: 287.
- (2) التهذيب 2 : 153 ح602 ; الاستبصار 1 : 359 ح 1361 ; الوسائل 6 : 364 . أبواب السجود ب14 ح1.
(الصفحة 275)
سجد مثل ما فاته». قلت : فإن لم يذكر إلاّ بعد ذلك؟ قال : «يقضي ما فاته إذا ذكره»(1) .
ورواية أبي بصير قال : سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم؟ قال : «يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمض على صلاته فإذا انصرف قضاها وليس عليه سهو»(2) . وغيرها ممّا يدلّ على ذلك .
هذا ، ويمكن أن يستفاد من بعض الروايات خلاف ما ذكرنا ، مثل رواية معلّى ابن خنيس(3) قال : «سألت أبا الحسن الماضي(عليه السلام) في الرجل ينسى السجدة من صلاته؟ قال : إذا ذكرها قبل ركوعه سجدها وبنى على صلاته ثم سجد سجدتي السهو بعد انصرافه وإن ذكرها بعد ركوعه أعاد الصلاة ونسيان السجدة في الاُوليين والأخيرتين سواء»(4) .
هذا ولكن الرواية محمولة على ما إذا نسي طبيعة السجدة، وهو يتحقق بنسيان السجدتين لا السجدة الواحدة فقط .
ولو نسي السجدتين معاً فلو تذكّر بعد الدخول في ركوع الركعة اللاحقة فلا إشكال في بطلان الصلاة ، لاستلزام جواز الرجوع والعود للتدارك ، زيادة الركن المبطلة مطلقاً .
- (1) التهذيب 2: 153 ح604; الإستبصار 1: 359 ح1362; الوسائل 6: 364. أبواب السجود 14 ح2.
- (2) الفقيه 1: 228 ح1008; التهذيب 2: 152 ح598; الإستبصار 1: 358 ح1360; الوسائل 6: 365. أبواب السجود ب14 ح4.
- (3) المذكور في ترجمة المعلى ، هو أنّه كان من أصحاب الصادق(عليه السلام) ، وفي رواية الكشي أنّه قتل في زمانه(عليه السلام)وحينئذ فلا يمكن له النقل عن أبي الحسن(عليه السلام) ، خصوصاً مع التعبير عنه بالماضي الدالّ على كونه بعد وفاته ، اللهم إلاّ أن يكون المعلّى الذي هو راوي الحديث رجلا آخر ، لكنّه يبعّده أنّه غير مذكور في التراجم أصلا ، فالحديث لا يخلو عن اضطراب السند ، خصوصاً مع كونه مرسلا بابهام الواسطة أيضاً (منه) .
- (4) التهذيب 2 : 154 ح606; الاستبصار1 : 359 ح1363; الوسائل 6 : 366 . أبواب السجود ب14 ح5 .
(الصفحة 276)
وأمّا لو تذكّر قبل الدخول في ركوعها ، فالظاهر جواز العود بل وجوبه ، لعدم وجود مانع عن ذلك ، مضافاً إلى إمكان استفادة ذلك من الأخبار الواردة في السجدة الواحدة بطريق أولى ، لأنّ الأفعال المترتبة على السجدتين قد وقعت باطلة لنقصان الركن; وهذا بخلاف ما إذا نسي سجدة واحدة كما هو ظاهر ، هذا كلّه في غير الركعة الأخيرة .
وأمّا فيها فلا إشكال في وجوب الرجوع وتدارك السجدة الواحدة ، أو السجدتين ما لم يسلّم ، وكذا لا إشكال في بطلان الصلاة ، لو نسي السجدتين منها ، وتذكّر بعد السلام ، والإتيان بما يبطل الصلاة مطلقاً عمداً وسهواً ، كالحدث ، والاستدبار ، وكذا في صحة الصلاة ووجوب القضاء لو نسي سجدة واحدة ، وتذكّر بعدهما أو بعد السلام ، وقبل الإتيان بشيء من القواطع .
إنما الإشكال فيما لو نسي السجدتين وتذكّر بعد السلام ، وقبل فعل المنافي ، فذهب السيد(قدس سره) في العروة إلى البطلان(1) ، ولكن الظاهر الصحة ، ولزوم التدارك ، لأنّ الأفعال المترتّبة عليهما قد وقعت فاسدة ، ولأنّ الإخلال بهما معاً لا يجتمع مع صحة الصلاة ، وحينئذ فلا مانع من العود والتدارك ، ثم الإتيان بما يترتب عليهما من الأفعال .
وكون السلام محلّلا ومخرجاً للمصلّي عنها ، وموجباً لحلّية ما حرّمته تكبيرة الإحرام التي هي افتتاح للصلاة(2) ، لا يوجب المنع عن العود ، لأنّ هذا الحكم إنما هو فيما إذا وقع السلام صحيحاً لا مطلقاً ، وصحته متوقفة على وقوع السجدتين قبله ، فلا يمنع بوجوده الفاسد عن الإتيان بهما في محلّهما .
هذا ، مضافاً إلى أنّ السلام لا يكون من الصلاة حقيقة ، لأنّ معناها إنما هو
- (1) العروة الوثقى1 : 525 مسألة 16 .
- (2) الوسائل 6: 415. أبواب التسليم ب 1 .
(الصفحة 277)
الخضوع والخشوع في مقابل المعبود ، ومن المعلوم أنّ التسليم على الأنفس وعلى العباد الصالحين وعلى المأمومين مثلا خارج عن حقيقة الخضوع ، بل حقيقة التسليم كما في بعض الأخبار هو إذن الإمام للمأمومين في الخروج عن الصلاة ، وحينئذ فيبعد أن يكون مع ذلك موجباً لعدم جواز العود ، مع أنّ التشهّد الذي هو من أجزائها حقيقة ، لا يكون مانعاً عنه ، كما في التشهد في الركعة الثانية ، فالظاهر في المقام عدم البطلان ووجوب التدارك .
المسألة السابعة : جلسة الاستراحة
يستحبّ الجلوس بعد السجدة الثانية من الركعة الأولى والثالثة مع الطمأنينة ، ويسمّى ذلك بجلسة الاستراحة ، والقول بالاستحباب هو المشهور بين الأصحاب(1) ، وحكي عن السيد المرتضى(قدس سره) في بعض كتبه ، القول بوجوبها ، محتجّاً بالاجماع ، والاحتياط(2) ، ويلوح ذلك من كلام غير واحد من قدماء الأصحاب(3)وعن كاشف اللثام ـ من المتأخّرين ـ الميل إليه ، وحكي عن الحدائق تقويته(4) .
والمسألة بين العامة أيضاً كانت ذات قولين(5) ، والأخبار الواردة في هذا الباب كثيرة ، ولابد من نقلها ليظهر مفادها فنقول :
- (1) المبسوط 1: 113; المهذّب 1: 98; السرائر 1: 227; المعتبر 2: 215; مستند الشيعة 5: 295; جواهر الكلام 10: 182; الحدائق 8 : 302 .
- (2) الانتصار : 150; المسائل الناصريّات : 223 .
- (3) المقنعة: 106; المراسم: 71; الغنية : 79; الوسيلة: 93; الخلاف 1 : 360 مسألة 117.
- (4) كشف اللثام 4: 103; الحدائق 8 : 302 .
- (5) راجع المجموع 3: 443; المغني لابن قدامة 1: 603; الشرح الكبير 1: 605; تذكرة الفقهاء 3: 199 مسألة 271.