(الصفحة 324)
الخروج ، ومنه يظهر الخلل فيما أفاده بعض الأعاظم من المعاصرين ، في كتاب صلاته ، من تحقق الاحتياط ، بناءً على القول بالتخيير ، بالإتيان بالصيغتين ، وقصد الخروج بما عيّنه الشارع له على تقدير التعيّن ، وعلى التقدير الآخر يعيّن في نفسه إحداهما(1) ، فتأمّل .
الفرع الثالث : كيفيّة تسليم الإمام والمأموم والمنفرد
مقتضى الأخبار والروايات المأثورة عن العترة الطاهرة(عليهم السلام) ، أنّ الإمام يسلّم تسليمة واحدة ، كرواية أبي بصير ليث المرادي قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «إذا كنت في صفّ فسلّم تسليمة عن يمينك وتسليمة عن يسارك، لأنّ(2) عن يسارك من يسلّم عليك، وإذا كنت إماماً فسلّم تسليمة وأنت مستقبل القبلة»(3) . وهذه الرواية تدلّ على اعتبار وقوعه مستقبل القبلة .
ورواية عبدالحميد بن عوّاض عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن كنت تؤمّ قوماً أجزأك تسليمة واحدة عن يمينك وإن كنت مع إمام فتسليمتين وإن كنت وحدك فواحدة مستقبل القبلة»(4) . وهذه تدلّ على إجزاء تسليمة واحدة عن اليمين .
ورواية منصور قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «الإمام يسلّم واحدة ومن وراءه يسلّم اثنتين، فإن لم يكن عن شماله أحد يسلّم واحدة»(5) .
- (1) كتاب الصلاة للمحقّق الحائري(رحمه الله) : 287 .
- (2) هكذا في الوسائل والكافي، والظاهر بدل لأن، إذا كان، كما لا يخفى (منه).
- (3) الكافي 3 : 338 ح7 ; الوسائل 6 : 419. أبواب التسليم ب2 ح1.
- (4) التهذيب 2: 92 ح345; الإستبصار 1: 346 ح1303; الوسائل 6: 419. أبواب التسليم ب2 ح3.
- (5) التهذيب 2: 93 ح346; الإستبصار 1: 346 ح1304; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح4.
(الصفحة 325)
ورواية الفضلاء عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «يسلّم تسليمة واحدة إماماً كان أو غيره»(1) . وهذه مطلقة بل عامّة من حيث الإمام والمأموم ، بل والمنفرد .
ورواية أبي بصير المتقدمة(2) المشتملة على كيفية تسليم الإمام والمأموم والمنفرد على التفصيل .
ورواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت له : إنّي اُصلّي بقوم، فقال : «سلّم واحدة ولا تلتفت قل: السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم»(3) .
ورواية أنس بن مالك : أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يسلّم تسليمة واحدة(4) . هذا كلّه في الإمام .
وأمّا المأموم فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمتين إن كان على شماله أحد ، وتسليمة واحدة إن لم يكن على شماله أحد ، وبعضها وإن كان مطلقاً ، إلاّ أنّه يقيّد بما يدلّ على التفصيل .
والروايات كثيرة : منها رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدمة ، ومنها : رواية عبدالحميد المتقدمة ، ومنها : رواية منصور المتقدمة ، ومنها : رواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة .
وهنا رواية تدلّ على أنّ المأموم يسلّم ثلاث تسليمات، وهي رواية المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) : لأيّ علّة يسلّم على اليمين ولا يسلّم على اليسار؟ قال : «لأنّ الملك الموكّل يكتب الحسنات على اليمين، والذي يكتب السيّئات على اليسار، والصلاة حسنات ليس فيها سيّئات، فلهذا يسلّم على اليمين دون
- (1) التهذيب 2: 93 ح348; الإستبصار 1: 346 ح1306; الوسائل 6: 420. أبواب التسليم ب2 ح5.
- (2) الوسائل 6 : 393. أبواب التشهد ، ب3 ح2 .
- (3) التهذيب 3 : 48 ح168; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح9 .
- (4) سنن البيهقي 2 : 179 .
(الصفحة 326)
اليسار ـ إلى أن قال : ـ قلت : فلِمَ يسلّم المأموم ثلاثاً؟ قال : تكون واحدة ردّاً على الإمام، وتكون عليه وعلى ملكيه، وتكون الثانية على من على يمينه والملكين الموكّلين به، وتكون الثالثة على من على يساره وملكيه الموكّلين به . . .»(1) . ولكن لا مجال للأخذ به بعد عدم الوثوق به ، ومعارضته للروايات الكثيرة المتقدمة .
وأمّا المنفرد فمقتضى الروايات إنّه يسلّم تسليمة واحدة كالإمام، كرواية عبدالحميد بن عواض المتقدمة ، وهي تدلّ على أنّ الواحدة إنما هو في حال استقبال القبلة ، وعموم رواية الفضلاء المتقدمة ، ورواية أبي بصير المفصّلة ، ورواية أبي بصيرقال: قال أبوعبدالله(عليه السلام): «إذا كنت وحدك فسلّم تسليمة واحدة عن يمينك»(2).
ثم إنّ في المقام كلاماً ـ من حيث استحباب الايماء للمصلّي ، إماماً كان ، أو مأموماً ، أو منفرداً ـ يظهر بالتأمّل في الروايات .
الفرع الرابع : مَنِ المخاطَب في التسليم؟
قال الشهيد(رحمه الله) في الذكرى ما ملخّصه : إنّ المنفرد يقصد بصيغة الخطاب في «السلام عليكم» الأنبياء والأئمة والحفظة(عليهم السلام) ، ويقصد الإمام مع ذلك المأمومين أيضاً ، لذكر اُولئك ، وحضور هؤلاء(3) .
وقال شيخنا المرتضى : يستحبّ أن يقصد الإمام بتسليمه الملكين كما في عدّة من الروايات من أنّه تحيّة الملكين ، وأن يقصد الأنبياء والملائكة(عليهم السلام) ، لحديث المعراج المشتمل على تسليم النبي(صلى الله عليه وآله) لمّا رآهم خلفه ، وأن يضمّ إليهم الأئمة(عليهم السلام) ، لما
- (1) علل الشرايع : 359 ب77 ح1; الوسائل 6 : 422. أبواب التسليم ب3 ح15 .
- (2) المعتبر 2 : 237 ; الوسائل 6 : 421. أبواب التسليم ب2 ح12 .
- (3) الذكرى 3: 435 .
(الصفحة 327)
في عدّة من الأخبار من عدم قبول الصلاة على النبي من دون الصلاة على آله ، فكيف السلام على سائر الانبياء(1) .
وفيه: ما أورد عليه في المصباح من أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) إنما سلّم عليهم بعد أن رآهم حضوراً يصلّون خلفه ، فلا يستفاد من ذلك أزيد ممّا دلّ عليه خبر المفضّل المتقدّم ، من أنّ تسليم الإمام يقع على ملكيه والمأمومين ، فضلا عن أن يفهم من ذلك استحباب قصدهم بالتحيّة ، ممّن لا يحضرون عنده(2) . وأمّا الوجه الثاني فيرد عليه أنّ ذلك قياس مع الفارق ، وأضعف منه ما ذكره في الذكرى ، لما أفاده في المصباح من أنّه إن أريد بذكر اُولئك ذكرهم في التسليم المستحبّ ، وهو السلام على أنبياء الله وملائكته المقرّبين ، ففيه: مع اقتضائه اختصاصه بمن أتى بهذا التسليم ، أنّ ذكرهم في ضمن التسليم عليهم لا يوجب استحباب تسليم آخر عليهم وراءه ، فضلا عن أن يستحبّ قصدهم بهذا السلام الذي هو من أجزاء الصلاة ، وبهذا يظهر الجواب عمّا لو أراد ذكرهم في ضمن «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» ، مع أنّ الأنسب على هذا أن يضم إلى من ذكره جميع الصالحين من الإنس والجن(3) انتهى .
ثم إنّ هنا أقوالا اُخر ، وعبارات زائدة على ما ذكر ، يظهر بمراجعة كتاب مفتاح الكرامة(4) .
وكيف كان فلا إشكال في عدم وجوب هذا القصد ، لكون المسألة ممّا يعمّ به البلوى ، فكيف يمكن أن يكون واجباً؟ إلاّ أنّه حيث لا يكون المكلّف بالصلاة
- (1) كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري(رحمه الله): 187 .
- (2) مصباح الفقيه : 485 .
- (3) مصباح الفقيه : 486 .
- (4) مفتاح الكرامة 2 : 485 ـ 486 .
(الصفحة 328)
منحصراً في غير الأعراب ممّن لا يعرفون لغة العرب ، ولا يفهمون معناها ، فلابدّ من بيان ما هو مقتضى الروايات في ذلك.
فنقول: إنّ هنا اخباراًتدلّ على أنّ الإمام إنما يسلّم على المأموم ، وكذا المأمومون يسلّم بعضهم على بعض ، كرواية يونس بن يعقوب قال : قلت لأبي الحسن(عليه السلام) : صلّيت بقوم صلاة فقعدت للتشهد ثم قمت ونسيت أن أسلّم عليهم، فقالوا : ما سلّمت علينا! فقال : «ألم تسلّم وأنت جالس؟» قلت : بلى ، قال : «فلا بأس عليك، ولو نسيت حين قالوا لك ذلك استقبلتهم بوجهك وقلت : السلام عليكم»(1) .
ورواية أبي بصير المفصّلة المتقدمة ، وكثير من الروايات الواردة في صلاة الخوف(2) ، الدالة على أنّه يقوم الامام ، ويجيء طائفة من أصحابه ، فيقومون خلفه ، وطائفة بإزاء العدوّ ، فيصلّي بهم الإمام ركعة ثم يقوم ويقومون معه ، فيمثل قائماً ويصلّون هم الركعة الثانية ، ثم يسلّم بعضهم على بعض ، ثم ينصرفون فيقومون في مقام أصحابهم ، ويجيء الآخرون ، فيقومون خلف الإمام ، فيصلّي بهم الركعة الثانية ، ثم يجلس الإمام فيقومون هم ، فيصلّون ركعة اُخرى ثم يسلّم عليهم فينصرفون بتسليمه ، فإنّ مفادها أنّ الإمام إنما يسلّم على المأمومين ، والمأمومين بعضهم على بعض .
وأمّا المنفرد فيدلّ على حكمه رواية عبدالله بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) عن معنى التسليم في الصلاة؟ فقال : «التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة . قلت : وكيف ذلك جعلت فداك؟ قال : كان الناس فيما مضى إذا سلّم عليهم وارد أمنوا شرّه، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرّهم، وإن لم يسلّم لم يأمنوه، وإن لم يردّوا على المسلّم لم يأمنهم، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة للخروج
- (1) التهذيب 2 : 348 ح1442; قرب الإسناد: 238 ح1192; الوسائل 6 : 425. أبواب التسليم ب3 ح5 .
- (2) الوسائل 8 : 435 أبواب صلاة الخوف والمطاردة ب2 .