(الصفحة 444)
وبالجملة: فالمدرك لهذه الفتاوى هو النصّ الموجود بينهم، غاية الأمر أنّ الشيخ(قدس سره) فصلّ بين الركعتين الأوّلتين والأخيرتين بوجوب الإعادة في الأوّل ووجوب الإرسال في الثاني، بناءً على مذهبه من عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين للسهو كما مرّ.
الركعتان الاُوليان لا تحتملان السهو
هذه القاعدة ـ وهي عدم تحمّل الركعتين الأوّلتين للسهو، وكذا صلاة الغداة وركعات المغرب ـ من القواعد العامّة التي دلّت عليها النصوص الكثيرة وتفرّدت الإمامية بها(1). والروايات الواردة في هذا الباب الدالة بظاهرها على هذه القاعدة كثيرة:
منها : ما رواه الصدوق بإسناده عن زرارة بن أعين قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): «كان الذي فرض الله على العباد عشر ركعات، وفيهنّ القراءة وليس فيهنّ وهمٌ ـ يعني سهواً ـ فزاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبعاً، وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة، فمن شكّ في الأوّلتين أعاد حتى يحفظ ويكون على يقين، ومن شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم». ورواه ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب حريز بن عبدالله، عن زرارة وزاد: وإنّما فرض الله كلّ صلاة ركعتين، وزاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبعاً، وفيهنّ الوهم وليس فيهنّ قراءة»(2).
ومنها : رواية عامر بن جذاعة عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا سلمت الركعتان
- (1) راجع الانتصار: 155 .
- (2) الفقيه 1: 128 ح 605 ; السرائر 3: 588 ; الوسائل 8 : 187 ـ 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح1 و2.
(الصفحة 445)
الأوّلتان سلمت الصلاة»(1).
ومنها : ما رواه إبراهيم بن هاشم في نوادره عن أبي عبدالله(عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(2).
ومنها : مرسلة يونس عن رجل، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «ليس في الركعتين الأوّلتين من كلّ صلاة سهو»(3).
ومنها : رواية عبدالله بن سليمان عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: «لمّا عرج برسول الله(صلى الله عليه وآله) نزل بالصلاة عشر ركعات ركعتين ركعتين، فلمّا ولد الحسن والحسين(عليهما السلام) زاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) سبع ركعات ـ إلى أن قال: ـ وإنّما يجب السهو فيما زاد رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، فمن شكّ في أصل الفرض الركعتين الأوّلتين إستقبل صلاته»(4).
ومنها : رواية الحسن بن عليّ الوشاء قال: قال لي أبو الحسن الرضا(عليه السلام): «الإعادة في الركعتين الأوّلتين، والسهو في الركعتين الأخيرتين»(5).
ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال: «إذا سهوت في الأوّلتين فأعدهما حتّى تثبتهما»(6).
إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المقام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ السهو كما عرفت في أوّل مبحث الخلل ، عبارة عن
- (1) الفقيه 1: 228 ح1010 ; الوسائل 8 : 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح3.
- (2) الفقيه 1: 231 ح1028; الوسائل 8 : 188 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح4.
- (3) الكافي 3: 358 ح5; التهذيب 3: 54 ح 187 ; الوسائل 8 : 189 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح 8 .
- (4) الكافي 3: 487 ح2 ; الوسائل 8 : 189 . أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح9 .
- (5) الكافي 3: 350 ح4; التهذيب 2: 177 ح709; الاستبصار1: 364 ح 1386; الوسائل 8 : 190. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح10.
- (6) التهذيب 2: 177 ح706; الاستبصار1: 364 ح 83 13; الوسائل 8 : 191. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح15 .
(الصفحة 446)
مجرّد الذهول والغفلة عن الواقع بحيث كان الواقع مخفيّاً عنه، والساهي قد يكون في هذا الحال متوجّهاً إلى سهوه وعزوب الواقع عن ذهنه، فلا محالة يكون حينئذ متردّداً فيه وهو الذي يسمّى شاكّاً.
وقد يكون غير متوجّه إليه بل يعتقد خلاف الواقع، وهو الذي يسمّى في إصطلاح الفقهاء ساهياً، فالسهو بحسب معناه الحقيقي يشمل الشكّ أيضاً، ويؤيّده التعبير في بعض الروايات بقوله(عليه السلام) : «إذا سها الرجل..... فلم يدر واحدة صلّى أم ثنتين»(1) حيث فرع الجهل وعدم العلم على السهو الذي معناه خفاء الواقع عن الذهن.
إذا تقرّر هذا، فاعلم أنّ السهو المستتبع للشك إذا تعلّق بعدد الركعتين الأوّلتين، بأن لم تدر أواحدة صلّى أم ثنتين، فلا إشكال ولا خلاف في بطلان الصلاة بسببه، للأخبار الكثيرة التي لا يبعد دعوى تواترها، وقد فرّع في بعض الروايات المتقدّمة على نفي السهو في الأوّلتين، بطلان الصلاة مع الشكّ في عددهما وعدم حفظه.
نعم، وقع الخلاف في أنّ الظنّ فيهما هل يكون معتبراً كالظنّ في الركعتين الأخيرتين أم لا؟ كما أنّه وقع الخلاف بين الشيخ(قدس سره) والمشهور، في السهو غير المستتبع للشك، المتعلّق بأفعال الركعتين الأوّلتين، فالمحكيّ عن الشيخ أنّه قال ببطلان الصلاة بمجرّد السهو عنها مطلقاً ركناً كان أو غيره(2).
وأمّا المشهور فقد فصّلوا بين ما إذا تجاوز محلّه فتبطل في الركن دون غيره، وبين ما إذا لم يتجاوز فلا تبطل مطلقاً، كما أنّ الأمر كذلك في الركعتين الأخيرتين
- (1) الوسائل 8 : 191. أبواب الخلل الواقع في الصلاة ب1 ح17 .
- (2) النهاية : 88 ; التهذيب 2 : 150 .
(الصفحة 447)
عند المشهور(1)، وأمّا عند الشيخ فلابدّ من إلغاء الجزء الذي دخل فيه، ركناً كان أو غيره، والإتيان بما سهى عنه(2)، عملاً بصحيحة محمد بن مسلم المتقدّمة الدالة على إلغاء السجدتين، والعود لتدارك الركوع.
وأمّا السهو المستتبع للشك المتعلّق بأفعال الركعتين الأوّلتين فهو أيضاً محلّ خلاف بين الشيخ والمشهور، فذهب الشيخ(قدس سره) على ما حكي عنه إلى بطلانها بمجرّد الشكّ فيها، وأمّا المشهور فهم قائلون بعدم البطلان ولزوم الرجوع للتدارك مع عدم تجاوز المحل، وعدم الاعتناء به مع التجاوز مطلقاً بلا فرق بين الأوّلتين والأخيرتين كالشيخ فيهما.
وأمّا في السهو غير المستتبع للشك المتعلّق بعدد الركعات، فقد اختار الشيخ في المبسوط أنّه لا تجب عليه إعادة الصلاة، سواء كان ذلك في صلاة الغداة أو المغرب أو صلاة السفر أو غيرها من الرباعيّات، وحكى عن بعض أصحابنا القول بوجوب إستئناف الصلاة في الصلوات التي ليست برباعيّات(3).
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أكثر الروايات المتقدّمة الدالة على نفي السهو في الركعتين الأوّلتين تختصّ بالشكّ، وهو المراد من السهو المذكور فيها، ويؤيّده تفريع صورة الشكّ على الحكم المذكور في الصدر كما في رواية عبدالله بن سليمان المتقدّمة، وجه الاختصاص أنّ المنفي إنّما هو الأحكام المترتّبة على السهو بلسان نفي السهو، بداهة أنّه ليس المراد نفي السهو حقيقة، وحينئذ فبعد ملاحظة أنّ الساهي غير
- (1) المقنعة : 137 ـ 138; الإنتصار : 156; جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى) 3: 35; المراسم: 89 ـ 90; الوسيلة: 99 ـ 101; المهذّب 1 : 153; السرائر : 242 ـ 254; المعتبر 2: 377 ـ 378; شرائع الاسلام 1 : 104 ـ 106; نهاية الأحكام 1 : 528 ـ 529; الدروس 1: 199 ـ 200; الحدائق 9 : 168; مستند الشيعة 7: 165 ـ 166.
- (2) المبسوط 1 : 109; التهذيب 2 : 149; الإستبصار 1 : 356; مستند الشيعة 7: 167.
- (3) المبسوط 1: 121 .
(الصفحة 448)
المتوجّه إلى سهوه الغافل عنه لاعتقاده خلاف الواقع، لا يمكن الحكم عليه في حال سهوه، ولا يجوز توجيه الخطاب إليه بأنّه يجب عليك الإعادة مثلاً.
نعم، بعد زوال السهو وعروض التذكّر والالتفات يجوز الحكم عليه وتوجيه الخطاب نحوه، ولكن هذا الحكم إنّما يكون موضوعه تارك الجزء أو فاعل المانع لا عنوان الساهي، فلابدّ من حمل السهو على الشكّ، لأنّه الذي يمكن الحكم عليه في حال شكّه وتردّده في الواقع.
وبالجملة: السهو المصطلح لا يكون مترتّباً عليه حكم حتى يرتفع ذلك الحكم في خصوص الركعتين الاوّلتين، لأنّ الساهي في حال سهوه لايمكن توجيه الخطاب إليه بعنوان الساهي، وبعد زوال سهوه يكون الأثر مترتّباً على ما صار السهو سبباً له من ترك جزء أو فعل مانع. وأمّا السهو المستتبع للشك فهو يترتّب عليه الحكم في حاله، فهو المنفي بالنسبة إلى الاوّلتين.
فانقدح بذلك أنّ الروايات على كثرتها لا يكون المراد بالسهو المذكور فيها إلاّ السهو المقارن للشكّ، وحينئذ فاستفادة حكم السهو المصطلح منها كما صنعه الشيخ(قدس سره)(1) ممّا لا وجه لها.
ودعوى أنّه ربّما يكون للسهو المصطلح دخل في الحكم، كما إذا ترك شيئاً من الأجزاء غير الركنية سهواً، أو فعل شيئاً من القواطع المبطلة عمداً كذلك، فإنّ عدم وجوب الإعادة بسببه إنّما هو لوقوع ذلك سهواً، فيمكن الخطاب والحكم على ساهي الجزء غير الركني مثلاً بعد زوال سهوه، بعدم وجوب الإعادة وصحة الصلاة.
مدفوعة بأنّ الحكم بعدم وجوب الإعادة لا يكون متوجّهاً إلى الساهي بما أنّه