(الصفحة 167)
الأمر أنّ للمكلّف قطع الصلاة فيما لا يحرم ، واخراجه عن تلك القابلية بايجاد ما ينافي الصلاة ، وأمّا تأثير القصد المتأخّر في اخراجه عن صلاحيّة وقوعه جزءً ، وصيرورته متّصفاً بعنوان الجزئية ، فهو أمر يحتاج إلى نهوض الدليل عليه من الشرع ، فإذا فرض عدم ثبوت الدليل على جوازه ، فالقاعدة تقتضي خلافه .
والتمسّك بإطلاق أدلة وجوب السورة في الصلاة لإثبات التخيير كما عرفت ، مردود بأنّ المتفاهم منها بنظر العرف التخيير ما دام لم يشرع في السورة ، وأمّا ثبوته مطلقاً حتّى بعد الشروع فيها ، فلا يستفاد منها أصلا .
وأمّا التمسّك بالاستصحاب ، فيرد عليه أنّ التخيير المستصحب إنما هو التخيير بين مجموع أجزاء كلّ سورة من السور القرآنية ، والتخيير الذي يراد إثباته ، هو التخيير بين قراءة بعض ما بقي من السورة ، وبين قراءة سورة تامّة ، فهما متغايران ، ولا يمكن استصحاب أحدهما لإثبات الآخر ، فإنّ التخيير الثابت قبل الشروع مقطوع الارتفاع ، والمشكوك ثبوته فعلا مشكوك الحدوث رأساً ، فالحقّ أنّ القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في الموارد الخاصة المتقدمة ، تقتضي عدم جواز العدول كما عرفت .
المسألة السابعة : «الضحى» و «الانشراح» سورة واحدة ، وكذا «الفيل» و «قريش»
لا إشكال ولا خلاف بين أصحابنا الإمامية رضوان الله عليهم ، في أنّ سورة «الضحى» وسورة «ألم نشرح» سورة واحدة ، وكذا «الفيل» و«الايلاف»(1) ،
- (1) الهداية: 135; الإنتصار: 146; التهذيب 2: 72; النهاية: 77 ـ 78; شرائع الاسلام1: 83; تذكرة الفقهاء 3: 149; مستند الشيعة 5: 125; كشف اللثام 4: 39; مفتاح الكرامة 2: 385; جواهر الكلام 10: 20; الحدائق 8 : 202.
(الصفحة 168)
فلايجوز الاكتفاء بإحداهما في كلّ ركعة ، بل يجب الجمع بينها وبين صاحبتها ، والروايات الواردة في هذا الباب المذكورة في الجوامع التي بأيدينا(1) وإن لم تكن خالية عن المناقشة من حيث السند ، أو الدلالة ، كما يظهر بمراجعتها ، إلاّ أنّ الظاهر عدم الاحتياج إليها في الفتوى بذلك ، بعد وضوح الحكم عند الإمامية ، بحيث لم يخالف فيه أحد .
فعن الشيخ في الاستبصار: أنّ هاتين السورتين سورة واحدة عند آل محمّد(عليهم السلام)(2) ، وعن الانتصار: أنّه جعل ذلك ممّا انفردت به الإمامية(3) ، وعن الأمالي نسبة المنع عن أفراد إحداهما عن صاحبتها إلى دين الإمامية ، معللاًّ بأنّ كلاًّ منهما مع صاحبتها سورة واحدة(4) ، ونحن نقطع بأنّ مستندهم في ذلك هو ما رووه عن الأئمة أهل البيت(عليهم السلام) ، خصوصاً في المقام الذي كان سائر فرق المسلمين مخالفاً لهم .
مضافاً إلى أنّ الفصل بالبسملة وتخصيص كلّ منهما باسم ، كما في المصاحف ، ربما يوهم الخلاف ، ولا ينافي ذلك خلوّ ما بأيدينا من الجوامع الأربعة عن التعرّض للمسألة ، لأنّك عرفت سابقاً أنّ هذه الجوامع لا تشتمل على جميع الروايات المذكورة في الجوامع الأولية ، ولذا ترى اشتمال بعضها على ما لا يشتمل عليه الآخر .
وبالجملة: فلا ينبغي الاشكال في أصل المسألة .
وإنما الكلام في الافتقار إلى البسملة بينهما ، فعن الشيخ في الإستبصار :
- (1) راجع الوسائل 6: 54. أبواب القراءة في الصلاة ب10 .
- (2) الاستبصار 1 : 317 .
- (3) الانتصار : 146 .
- (4) امالي الصدوق : 512 .
(الصفحة 169)
لايفصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم (1)، وقال في تفسيره المسمّى بالتبيان : روى أصحابنا أنّ «ألم نشرح» مع «الضحى» سورة واحدة لتعلّق بعضها ببعض ، ولم يفصلوا بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأوجبوا قراءتهما في الفرائض في ركعة ، وإلاّ يفصل بينهما ، ومثله ذكر الطبرسي في مجمع البيان(2) ، وعن البحار نسبة ذلك إلى الأكثر(3)، واستظهره المحقّق في الشرائع(4) ، ويؤيده ما روي عن أُبيّ بن كعب من أنّه لم يفصل بينهما في مصحفه(5) ، والوجه فيه أنّه لم يعهد من أحد من المسلمين القول بكون البسملة الواقعة في أثناء السورة آية مستقلّة لتلك السورة ، نعم وردت في سورة النمل بعضاً من الآية إلاّ أنّ المراد بها حكاية البسملة الواقعة في كتاب سليمان ، فلا يكون من قبيل البسملات الواقعة في أوائل السور ، وينبغي نقل عبارة الشيخ في الخلاف في مسألة جزئيّة البسملة ، حتّى يظهر أنّ الفصل بينهما بالبسملة إنما هو لأنّ المعروف عندهم كونهما سورتين لا سورة واحدة .
قال في الخلاف : «بسم الله الرحمن الرحيم» آية من كلّ سورة من جميع القرآن ، وهي آية من أوّل سورة الحمد. وقال الشافعي : إنّها آية من أوّل الحمد بلا خلاف بينهم ، وفي كونها آية من كلّ سورة قولان : أحدهما: أنّها آية من أوّل كلّ سورة ، والآخر: أنّها بعض آية من كلّ سورة ، وإنما تتمّ مع ما بعدها فتصير آية . وقال أحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأبو عبيدة ، وعطاء ، والزهري ، وعبدالله بن المبارك: إنّها آية من أوّل كلّ سورة حتّى أنّه قال : من ترك «بسم الله الرحمن الرحيم» ، ترك مائة وثلاث عشرة آية . وقال أبو حنيفة، ومالك، والأوزاعي،
- (1) الإستبصار 1: 317 .
- (2) التبيان 10: 371; مجمع البيان 5 : 507 .
- (3) بحار الأنوار 82 : 46 .
- (4) شرائع الاسلام 1 : 73 .
- (5) مجمع البيان 5 : 544 .
(الصفحة 170)
وداود : ليست آية من فاتحة الكتاب ، ولا من سائر السور .
وقال مالك، والأوزاعي، وداود : يكره أن يقرأها في الصلاة بل يكبّر، ويبتدي بالحمد إلاّ في شهر رمضان ، والمستحبّ أن يأتي بها بين كلّ سورتين تبرّكاً للفصل ، ولا يأتي بها في أوّل الفاتحة .
وقال أبو الحسن الكرخي : ليس عن أصحابنا رواية في ذلك ، ومذهبهم الاخفاء في قراءتها ، فاستدللنا بذلك على أنّها ليست من فاتحة الكتاب عندهم ، إذ لو كانت منها لجهر بها كما يجهر بسائر السور ، وكان أبو الحسن الكرخي يقول : ليست من هذه السورة ، ولا من سائر السور سوى سورة النمل . هكذا روى عنه أبوبكر الرازي ، وقال أبو بكر : ثم سمعناه بعد ذلك يقول : إنّها آية تامّة مفردة في كلّ موضع أثبتت فيه إلاّ في سورة النمل ، فإنّها بعض آية في قوله تعالى :
{إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم}(1) انتهى .
والمحكيّ في تفسير الزمخشري عن بعض العامة أيضاً القول بالوحدة ، وعدم الفصل بالبسملة(2) ، وهذا يدلّ على أنّ الوحدة مستلزمة لعدم الفصل ، مضافاً إلى أنّ ملاحظة المعاني والارتباط بينها تقضي بعدم الفصل بينهما حتى بالبسملة ، كما يظهر بالتدبّر فيها .
هذا ، والوجه في اعتبارها إنما هو ثبوتها في المصاحف بضميمة الاجماع على عدم التحريف بالزيادة ، ولكن قد تقدّم أنّ المروي عن أُبيّ بن كعب ، إنّه لم يفصل بينهما بالبسملة ، مضافاً إلى أنّ الفصل إنما هو لتوهّم كونهما سورتين ، ومعهودية الفصل بها بين السور ، فالظاهر عدم الافتقار إلى البسملة بينهما ، كما هو المشهور
- (1) المجموع 3: 332 ـ 334; المغني لابن قدامة 1: 48; التفسير الكبير 1: 172 ـ 173; الجامع لأحكام القرآن 1: 93 ـ 96; الخلاف 1: 328 مسألة 82 .
- (2) الكشاف 4 : 801 .
(الصفحة 171)
بين المتقدّمين(1) ، وذهاب كثير من المتأخّرين إلى لزومها(2)، لا يقدح بعد عدم كون فتواهم كاشفاً عن الدليل المعتبر ، بخلاف فتوى القدماء من الأصحاب كما عرفت ذلك مراراً .
- (1) راجع 2 : 169 .
- (2) السرائر 1: 221; التحرير 1: 39; التنقيح الرائع 1: 204; مجمع الفائدة والبرهان 2: 244; الروضة البهيّة 1: 269.