(الصفحة 221)
المسألة التاسعة : لو قدّم السورة على الفاتحة
قال المحقّق في الشرائع ، بعد الحكم بوجوب سورة كاملة بعد الحمد : ولو قدّم السورة على الحمد أعادها ، أو غيرها بعد الحمد(1) .
وهذه العبارة تتضمّن صحة الصلاة في مفروض المسألة ، وكون الوظيفة إعادة نفس تلك السورة ، أو غيرها بعد الحمد ، والقدر المتيقّن منها صورة النسيان ، وأمّا شمولها لصورة العمد أيضاً فمحل تردّد .
وكيف كان فقد اختلف الفقهاء في بطلان الصلاة لو قدّمها عليه عامداً ، فعن الفاضل والشهيدين والمحقق الثاني وغيرهم القول بالبطلان(2) ، وعن الأردبيلي وبعض من تبعه القول بالصحة(3) .
ولا يخفى أنّ هذا الفرض في غاية الندرة بل لا يكاد يمكن أن يتحقّق، ضرورة أنّه لو كان المكلّف قاصداً لامتثال أمر المولى المتعلّق بالصلاة ، والمفروض أنّه يعلم بكيفيتها ، وأنّه يجب تأخير السورة عن الحمد، فكيف يأتي بها بقصد الجزئية عمداً قبل الحمد ، إلاّ أن يوجّه كما في المصباح(4) بأنّه يمكن تحقق هذا النحو من القصد من العامد العالم ، بعد بنائه على المسامحة في الاحكام الشرعيّة .
فقد ترى المكلّف المتسامح في عمله يقدم الصلاة على وقتها عند مزاحمتها لما يقصده بعد الوقت من سفر ونحوه ، أو ينوي التقرب بصلاته التي يعلم إجمالا
- (1) شرائع الاسلام 1 : 72 .
- (2) القواعد : 1 / 273; المنتهى 1 : 272; تذكرة الفقهاء 3: 142; جامع المقاصد 2 : 255; الذكرى 3 : 310; المسالك1 : 205; الحدائق : 8 / 124 ; جواهر الكلام 9: 338; كشف اللثام 4: 10 .
- (3) مجمع الفائدة والبرهان 2 : 220; المدارك 3 : 351 .
- (4) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 289 ـ 290 .
(الصفحة 222)
باختلال بعض أجزائها ، أو شرائطها ، ونحو ذلك ، وكيف كان فلو فرض تحقّقه فهل يوجب البطلان أم لا؟
ربما يستدلّ للأوّل :
تارة: بأنّه إن أعاد السورة بعد الحمد فقد زاد في صلاته عمداً فيعمّه ما دلّ على أنّ «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» وإلاّ فقد نقص في صلاته .
واُخرى: بأنّ تقديم السورة تشريع ، فيندرج في الكلام المحرّم الذي يكون مبطلا إجماعاً .
وثالثة: بأنّه لا خلاف في حرمة تقديم السورة على الفاتحة ، والنهي في العبادة يستدعي فسادها ، من غير فرق بين أن يكون النهي متعلّقاً بنفسها ، أو بجزئها ، لأنّ مآل الأخير أيضاً إلى النهي عن العبادة المشتملة على هذا الجزء .
ورابعة: بحصول القران الذي يكون محرّماً ومبطلا .
وخامسة: بأنّ إتيان بعض أجزاء الصلاة على النحو المحرّم الشرعي ، ماح لصورة الصلاة عند المتشرّعة ، فيكشف أنّ الهيئة المتخذة من الشرع أمر ينافي وجود بعض الأجزاء على النحو الحرام .
وسادسة: بأنّه يعتبر في صحة العبادة أن يقصد التقرب بما هو المأمور به ، وتقديم السورة عمداً ينافي ذلك ، لأنّ مرجعه إلى قصد التقرب بغير ما يكون مقرّباً ، لأنّ المركّب من المأمور به وغيره لا يتّصف بصفة المقرّبيّة أصلا .
هذا ، وربما يورد على الوجه الأول ، بأنّه لا دليل على ابطال ما يتّصف بصفة الزيادة بعد وجوده ، وإنما المسلّم إبطال ما يوجد زائداً من أوّل الأمر ، ولكن لا يخفى أنّ السورة المقدّمة على الحمد إذا قصد بها الجزئية تتصف بصفة الزيادة من حين وجودها ، ولا يتوقّف اتصافها بها على الإتيان بسورة اُخرى بعد الحمد ، ضرورة أنّه لو لم يأت بها أيضاً تكون السورة الأولى زائدة ، لعدم صلاحيتها ، لوقوعها
(الصفحة 223)
جزءً ، فقصد الجزئية بها يوجب الزيادة بلا إشكال .
ولكن لا دليل على إبطال مطلق الزيادة وإنما المسلّم إبطال الركعة الزائدة ، لأنّه المتبادر من الروايات الدالة على إبطال الزيادة ، مضافاً إلى أنّه قد صرّح في بعضها بذلك، كما سيجيء في باب الخلل إن شاء الله تعالى .
وكيف كان
فالوجه الأول: مخدوش من وجوه :
من جهة أنّ فرض ترك السورة بعد الحمد ، والحكم ببطلان الصلاة من جهته ، خارج عن مورد البحث ، لأنّ محلّه هو بطلانها من حيث زيادة السورة قبل الحمد ، لا من حيث تركها بعده .
ومن جهة أنّ اتصاف السورة المأتيّ بها قبل الحمد بالزيادة لا يتوقّف على الإتيان بها بعده ، كما هو ظاهر الدليل ، لما عرفت من أنّها زائدة على التقديرين ، لأنّه قصد بها الجزئية للصلاة مع عدم قابليتها لها .
ومن جهة ابتنائه على مبطليّة مطلق الزيادة ، وقد عرفت أنّه لا دليل عليها في غير الركعة الزائدة .
وأمّا الوجه الثاني : فيرد عليه منع كلّية الكبرى ، والاجماع المدعى عليها لا يكون واجداً لشرائط الحجية ، لأنّ معقده من المسائل الفرعية التي لا يكشف الاتفاق فيها عن وجود نصّ معتبر ، كما حقّق في محلّه ومرّت الإشارة إليه مراراً .
وأمّا الوجه الثالث : فيرد عليه أنّ نفي الخلاف لا ينافي عدم تعرّض الأكثر لأصل المسألة أصلا ، فلا يكون حجّة ، مضافاً إلى أنّ الظاهر كون مراد المتعرّضين من التعبير بمثل كلمة «لا يجوز» هو بيان الحكم الوضعي لا التكليفي .
وأمّا الوجه الرابع : فيرد عليه منع حرمة القران ، بل الظاهر كراهته كما عرفت سابقاً ، مضافاً إلى أنّ كون المقام من مصاديق القِران محلّ منع أيضاً ، لأنّ المتبادر
(الصفحة 224)
منه هو القِران بين السورتين بعد الحمد كما لا يخفى .
وأمّا الوجه الخامس: فيرد عليه أنّ كون الكلام المحرّم ماحياً لصورة الصلاة عند المتشرّعة ، هل هو لمجرّد كونه محرّماً؟ ، فمن الواضح أنّ ايجاد المحرّم في الصلاة لا يوجب بطلانها ، كالنظر إلى الأجنبيّة مثلا ، وإن كان ذلك لكونه كلاماً ، بمعنى أنّ الكلام مطلقاً يوجب ذلك ، فبطلانه أظهر من أن يخفى ، وإن كان المراد أنّ الكلام الذي إذا لم يكن محرماً لا يوجب البطلان ، فهو إذا اتّصف بالحرمة يكون ماحياً لصورتها ، فيرد عليه المنع منه ، فيما إذا كان قرآناً أو دعاءً ، لعدم الدليل عليه .
وأمّا الوجه الأخير : فالظاهر تماميته فيما إذا كان قاصداً من أوّل الأمر زيادة سورة قبل الحمد ، لأنّه حينئذ لم يقصد التقرب إلاّ بما لا يكون مقرّباً شرعاً ، لعدم كونه مأموراً به ، وأمّا إذا كان من أوّل الأمر قاصداً للتقرّب بنفس الصلاة المأمور بها ، ثم بدا له بعد التكبير أن يأتي بسورة قبل الحمد أيضاً ، فلا وجه لبطلان صلاته ، لأنّ المفروض اشتمالها على نية التقرب بخصوصها لا بها مع أمر زائد ، ونية التقرب بالسورة الزائدة كنفسها ممّا لا يضرّ أصلا لعدم الدليل عليه .
والاستدامة المعتبرة في العبادة إلى الفراغ منها إنما هو بالنسبة إلى أجزاء العبادة ، ولذا لا يضرّ قطعها في السكوتات المتخلّلة بين الأفعال ، هذا كلّه فيما لو قدم السورة على الفاتحة عمداً .
وأمّا لو قدّمها عليه سهواً ، فقد استدلّ في المصباح على عدم بطلان الصلاة بسببه ـ مضافاً إلى الاجماع ـ بوجوه :
منها : فحوى ما يدلّ عليه في العمد ، وأنت خبير بأنّه لم يقم دليل على الصحة في صورة العمد حتّى يستدلّ بفحواه على صورة السهو ، غاية الأمر عدم تمامية الوجوه التي استند إليها على البطلان ، فصار مقتضى الأصل عدم مانعية السورة المقدمة .
(الصفحة 225)
ومنها : عموم قوله(عليه السلام) : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة . . .»(1) والتمسّك به مخدوش أيضاً ، من جهة احتمال اختصاص حديث لا تعاد بما إذا صار النسيان سبباً لترك شيء ممّا اعتبر وجوده في المأمور به جزءً أو شرطاً ، وأمّا إذا صار سبباً لإيجاد بعض الموانع التي اعتبر عدمها فيها ، فلا يعلم أن يشمل هذا الحديث له، والسرّ فيه أنّ الاستثناء في الحديث يكون مفرغاً ، لعدم ذكر المستثنى منه ، والأمور الخمسة المستثناة دائرة بين ما اعتبر وجوده بنحو الجزئية ، أو الشرطية ، فيحتمل قويّاً أن يكون المستثنى منه من سنخها ، بحيث لم يعمّ الأمور التي يكون وجودها مخلاًّ بالمأمور به كما لا يخفى .
ومنها : خصوص رواية عليّ بن جعفر ، المروية في محكيّ قرب الإسناد إنّه سأل أخاه عن رجل افتتح الصلاة فقرأ سورة قبل فاتحة الكتاب ثم ذكر بعدما فرغ من السورة؟ قال : «يمضي في صلاته ويقرأ فاتحة الكتاب فيما يستقبل»(2).
ودلالتها على الصحة وإن كانت ظاهرة ، إلاّ أنّها بظاهرها مخالفة للمشهور القائلين بوجوب إعادة السورة بعد قراءة الفاتحة ، لأنّ ظاهرها الاكتفاء بالسورة التي قرأها ، وعدم وجوب قراءة الفاتحة ، ولا إعادة السورة ، ومرجعه إلى فوات محلّ الفاتحة بسبب تقديم السورة ، لأنّ المراد بقوله : «يمضي في صلاته» ، هو المضيّ بنحو كأنّه قرأ الفاتحة قبلها .
فالمراد بقوله : «فيما يستقبل» هي الركعات التي بعد هذه الركعة ، فمضمون الرواية هو الاكتفاء بالسورة التي قرأها ، لفوات محلّ الفاتحة بسببها ، وإن لم يركع .
وأمّا ما في المصباح من كون المراد بقوله : «يمضي في صلاته» ، هو مجرّد
- (1) الفقيه 1 : 181 ح857 ; التهذيب 2: 152 ح597; الوسائل 4 : 312 . أبواب القبلة ب9 ح1 .
- (2) قرب الاسناد : 170 ح748; الوسائل 6 : 89 . أبواب القراءة في الصلاة ب28 ح4 .