(الصفحة 344)
القاطع الثالث :
التأمين بعد قراءَة الفاتحة
وقد وردت فيه روايات كثيرة :
فمنها : رواية جميل عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد وفرغ من قراءتها فقل أنت : الحمد لله ربّ العالمين ، ولا تقل: آمين»(1) .
ومنها : رواية معاوية بن وهب قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : أقول: آمين إذا قال الإمام: غير المغضوب عليهم ولا الضالّين؟ قال : «هم اليهود والنصارى، ولم يجب في هذا»(2) .
ومنها : رواية محمّد الحلبي قال : سألت أبا عبدالله(عليه السلام) أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : «لا»(3) .
- (1) الكافي3 : 313 ح5; التهذيب 2 : 74 ح 275، الاستبصار1 : 318 ح1185; الوسائل 6 : 67 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح1.
- (2) التهذيب 2 : 75 ح278; الاستبصار1 : 319 ح1188 ; الوسائل 6 : 67 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح 2 .
- (3) التهذيب 2 : 74 ح276; الاستبصار1 : 318 ح1186 ; الوسائل 6 : 67 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح3.
(الصفحة 345)
ومنها : رواية زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام) الواردة في كيفية الصلاة المشتملة على قوله(عليه السلام) : «ولا تقولنّ إذا فرغت من قراءتك: آمين ، فإن شئت قلت : الحمد لله ربّ العالمين»(1) .
ومنها : رواية جميل ، قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) عن قول النّاس في الصلاة جماعةً حين يقرأ فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : «ما أحسنها! واخفض الصوت بها»(2) .
ثمّ إنّ المحقّق في المعتبر ذهب إلى تقديم رواية جميل هذه على رواية محمّد الحلبي لضعفها بمحمّد بن سنان ، وصحّة هذه الرواية ، فلذا أفتي بالكراهة(3) . ولا يخفى أنّه مع تسليم ما ذكره من تقديم رواية جميل على رواية الحلبي ، لا معنى للفتوى بالكراهة مع التعبير في رواية جميل بقوله(عليه السلام) : ما أحسنها .
نعم لو كانت كلمة «ما» فيها، نافية سواء كان الفعل المنفيّ من باب التفعيل أو من باب الإفعال مع كونه بصيغة المتكلّم وحده كما احتمل الأمرين في المصباح(4) ، لأمكن الفتوى بالكراهة استناداً إلى الرواية ، ولكنّه بعيد ، فإنّ معنى قول الرجل : إنّي ما أحسن ذلك نظير قوله : فلان يحسن الفاتحة أي يعرفها بالوجه الحسن ، وهذا لا يناسب شأن الإمام(عليه السلام); مضافاً إلى أنّ ذلك لا يلائم مع ذيل الرواية الدالّ على وجوب خفض الصوت بها كما لايخفى .
فالظاهر أنّ قوله : «ما أحسنها» إنّما هو بصيغة التعجّب وحينئذ فاللازم حمل الرواية على التقية ، لأنّها لا تقاوم سائر الروايات الدالة على تحريم التأمين ، مضافاً
- (1) علل الشرائع : 358 ب74 ح1; الوسائل 5: 464. أبواب أفعال الصلاة ب1 ح6.
- (2) التهذيب2 : 75 ح277; الإستبصار 1: 318 ح1187; الوسائل 6 : 68 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح5 .
- (3) المعتبرق2 : 186.
- (4) مصباح الفقيه كتاب الصلاة : 312.
(الصفحة 346)
إلى الإجماع على التحريم ، وبطلان الصلاة بسببه كما ادّعاه السيد والشيخ(قدس سرهما)(1).
ثمّ إنّه لو لا الإجماع المزبور فهل يمكن استفادة كون التأمين مبطلا من سائر الروايات الدالة على مجرّد النهي عنه أم لا؟ ذهب صاحب المدارك إلى العدم(2) ، ولابدّ من التأمّل في أنّ النهي الوارد في هذه الأخبار هل هو ناظر إلى عدم استحبابه ، وكونه محرّماً في قبال العامّة القائلين بالاستحباب ، أو أنّ النهي فيها نهي إرشاديّ ، ومرجعه إلى كونه منافياً للصلاة ، وموجباً لعدم انطباق عنوانها على المأتيّ به من الأفعال ، بترقّب أنّه صلاة ومنطبق عليه لهذا العنوان ، ويؤيّده أنّه لا شكّ في كونه محرّماً تشريعاً ، فيثبت به بطلان الصلاة بالتقريب المتقدّم في بطلان الصلاة بالتكفير .
ثمّ اعلم أنّ المسلمين اختلفوا في التأمين ، فالعامّة اتّفقوا على استحبابه بعد الفاتحة واختلفوا في الجهر به والإخفات(3) ، ومنشأ ذلك روايتان عن أبي هريرة وغيره(4) . والإمامية قد اتّفقوا على عدم استحبابه بعد الفاتحة وإن اختلفوا بين قائل بالكراهة كما عن ابن الجنيد وأبي الصلاح ، واحتمله المحقّق في المعتبر بل اختاره ، وبين من ذهب إلى أنّه محرّم بالحرمة التكليفية كما عن صاحب المدارك(5) ويحتمله ظواهر كلمات القائلين بالمنع . وبين قائل بالحرمة الوضعيّة الراجعة إلى بطلان الصلاة بسببه كما هو المشهور بينهم ، وقد ادّعى السيّد في الإنتصار والشيخ في
- (1) الإنتصار : 144; المقنعة : 105; الخلاف1 : 332 و334 .
- (2) مدارك الاحكام3 : 373.
- (3) المجموع 3: 371 ـ 373; المغني لابن قدامة 1: 564; تذكرة الفقهاء 3: 162 مسألة 245.
- (4) سنن الدارقطني1 : 263 ـ 264 ب34; صحيح البخاري 2: 213 ب111 ـ 113; سنن النسائي 2: 154 ـ 156 ب33 ـ 35.
- (5) حكاه عن ابن الجنيد في الدروس 1 : 174; الكافي في الفقه : 125; المعتبر2 : 186; مدارك الاحكام3 : 274.
(الصفحة 347)
الخلاف الإجماع عليه(1). ومنشأ ذلك هي الروايات المتقدّمة الناهية عن قول آمين بعد الفراغ من الفاتحة ، وهي رواية جميل الأولى ، ورواية محمّد الحلبي ، ورواية زرارة ، ومفادها يشعر باستمرار الإمامية على الترك كما لا يخفى .
وهنا وجه آخر استدلّ به الشيخ في الخلاف للقول بالبطلان ، وهو أنّ آمين من كلام الآدمي، فهو مبطل للصلاة(2)، وردّ عليه بأنّه ليس من كلام الآدمي ، لأنّه دعاء ، إذ معناه : اللّهمّ استجب ، فهو دعاء بالاستجابة .
وأجيب عنه بوجهين :
أحدهما : أنّ أسماء الأفعال ليست موضوعة للمعاني بل للألفاظ ، فلا يكون آمين دعاء ، وانكر هذا المطلب الرضي(قدس سره)(3) نظراً إلى أنّه لا معنى لذلك إذ حين ما يقال : «صه» ، لا يستفاد منه لفظ «اُسكت» ، ثمّ المعنى لـ «صه» ، وهذا هو الحقّ، لأنّ إطلاق الإسم على أسماء الأفعال إنّما هو بملاحظة إجراء أحكام الأسماء عليها من التنوين وغيره ، وإطلاق الفعل عليها بملاحظة دلالتها على المعاني المربوطة بالأفعال ، فلا وجه للقول بكونها موضوعة للألفاظ دون المعاني .
ثانيهما : أنّه لم يعهد كون آمين من أسماء الأفعال عند العرب . وإن كان كذلك في سائر اللغات ، وجواب هذا الوجه واضح ، لأنّ ضبط سيبويه وغيره على خلافه .
وهنا ردّ ثالث، وهو أنّ آمين إنّما يكون دعاء إذا كان مسبوقاً بالدعاء ، لأنّه لا معنى له ابتداء ، والمفروض أنّ الفاتحة إنّما تقرأ بعنوان القرآنية ، وحكاية كلام الله المنزل ، لا بعنوان الدعاء، فلا يكون آمين دعاء .
وكيف كان، فالتحقيق أنّ النواهي الواردة في الروايات ظاهرها كونها إرشاداً
- (1) الانتصار : 144; الخلاف 1 : 332; مسألة 84 .
- (2) الخلاف 1 : 334 .
- (3) شرح الكافية : 187 .
(الصفحة 348)
إلى بطلان الصلاة بإتيان متعلّقها ، فما حكي عن المدارك من القول بالحرمة التكليفية(1) مخالف لظاهر الأخبار . وأمّا القول بالكراهة فيمكن أن يكون مستنده هو كون آمين دعاء ، والدعاء في نفسه مستحبّ في الصلاة ، فلا وجه لعدم الجواز .
وأمّا الكراهة فلأجل التشبّه بالنصارى أو لأجل رواية جميل الأخيرة(2) . ولايخفى أنّ هذا الوجه إنّما هو فرع الجمع العرفي بينها وبين الروايات الناهية ، مع أنّ الجمع بين الروايات مشكل، خصوصاً لو حمل النهي فيها على الكراهة ، إذ هي لايناسب مع التعبير بقوله : «ما أحسنها» الظاهر في كونه بصيغة التعجّب كما عرفت ، مضافاً إلى ما مرّ من أنّ التأمين لا يكون متمحضاً في الدعاء ، بل هو دعاء إذا كان مسبوقاً بالدعاء ، والمفروض عدم سبق الدعاء ، لأنّ قراءة الفاتحة إنّما تكون على سبيل الحكاية وقراءة القرآن ، لا على وجه الدعاء .
فالأقوى بطلان الصلاة بالتأمين للروايات، ولما أفاده الشيخ في الخلاف(3) ، وقد عرفت ضعف ما أورد عليه ، ولما ذكرناه في التكفير من استلزامه الحرمة التشريعية المحققة في المقام ، لصراحة الروايات في عدم ثبوت التأمين من النبي(صلى الله عليه وآله) للبطلان بالتقريب الذي ذكرنا هناك .
وأمّا الإجماع الذي ادّعاه السيّد والشيخ(قدس سرهما)(4) ، فليس دليلا مستقلا، لما مرّ غير مرّة من أنّ مرادهم بالإجماع هو قول المعصوم(عليه السلام) ، فمستنده إنّما هو الروايات المزبورة . ثمّ إنّ مقتضى إطلاق النصوص والفتاوى إطلاق الحكم بالنسبة إلى الإمام والمأموم والمنفرد بلا فرق بينهم أصلا .
- (1) مدارك الاحكام3 : 373.
- (2) الوسائل 6 : 68 . أبواب القراءة في الصلاة ب17 ح5.
- (3) الخلاف 1 : 332 مسألة 84 .
- (4) الانتصار : 144; الخلاف1 : 332.